أحزننى وآلمنى مقتل النقيب عمار عبدالجواد، بلدياتى وصديقى الذى أعتبره ابناً غالياً لى لما وجدت فيه من الأدب والخلق الكريم.
لقد قُتل هذا الشاب غدراً وخيانةً وهو يؤدى واجبه فى القبض على مجموعة من البلطجية فى إحدى ضواحى المنيا.. ليفجع أهله وأسرته ومحبوه.. رغم أنه نال ما يصبو إليه، فقد كان يردد دوماً أنه يريد الشهادة فى سبيل الله. لقد حزنت كثيراً على «عمار».. وحزنت أيضاً لرد فعل بعض زملائه وجنوده على مقتله.. حيث لم يتسم بالانضباط ولم يحكمه العقل وترك نفسه للعاطفة.
لقد حرك هذا الحادث كوامن حسرتى على ما أصاب صعيد مصر بعد ثورة 25 يناير.. ففى كل بيت من بيوت الصعيد بندقية آلية أو أكثر.. حتى إن شباب القرى يتباهى الآن بحملها وكأنه يحمل مشاعل العلم أو جائزة نوبل أو مواثيق الخير والبر.. ناسياً أنه يحمل رائحة الموت له أو لغيره وثأرات قد تمتد لأجيال.. فالآن تؤجر البنادق الآلية ليوم أو يومين لبعض شباب القرى الذى لا يستطيع الحصول عليها.. فيتباهى بها فى خيلاء وكبر.. ثم تحدث مشادة كلامية بينه وبين آخرين، يسخرون منه، فيتحول الكلام إلى رصاص وقتلى وجرحى ومحاكم ومحامين ولجان صلح لا تنتهى.. ليتعانق الموت مع الفقر مع الثأر فى صعيد مصر.
لقد وصل عدد القتلى فى الصعيد من جراء المشاجرات الثأرية بعد ثورة 25 يناير لقرابة ألفى قتيل.. فضلاً عن آلاف الجرحى والمصابين. لدينا قرية اسمها المندرة تابعة لمدينة ديروط، قتل فيها قرابة 21 شخصاً فى شهر رمضان الماضى وحده دون أى سبب منطقى لسقوط هؤلاء القتلى.. ففى الشهر الفضيل الذى نصوم فيه عن الحلال يفطر هؤلاء على الدماء الحرام.. فياليتهم لم يصوموا عن الطعام والشراب وصاموا عن الدماء الحرام.. التى قال عنها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وهو ينظر إلى الكعبة «ما أطيبك وما أطيب ريحك.. وما أعظم حرمتك.. والذى نفس محمد بيده لحرمة المؤمن عند الله أعظم حرمة منك».
لقد كرهت الشرطة التدخل فى الصدامات الثأرية، لأنها حينما تتدخل يقتل ضباطها وأفرادها، وإذا قُتل أو جُرح أحد المواطنين سجن ضباطها حتى حين.. فآثرت السلامة، خاصة بعد الهجوم المتواصل عليها من الإعلام والثوار بعد الثورة.. فتنتظر الشرطة الآن حتى تنتهى المعارك لتأخذ القتلى إلى المشرحة والمصابين إلى المستشفيات والمتهمين إلى النيابة التى تخرجهم فى اليوم الثانى لأنهم ينكرون كل شىء.. لكن عمار لم يفعل ذلك.. فقد كان جريئاً وشجاعاً.
وقد حدثنى صحفى كبير من بلدياتنا الصعايدة أنه علم أن عائلتين كبيرتين من قريته تحضّران لمعركة ضخمة بالأسلحة الآلية.. فهرع إلى مدير الأمن لكى يوقف هذه المجزرة.. فقال له: «كيف وأنا لا أستطيع أن أقبض على أحد؟! أحضر لى تصاريح بالقبض عليهم من النيابة.. لقد حطمتمونا وعليكم أن تحصدوا ما زرعتم»، فذهب إلى رئيس النيابة فرفض أن يعطيه التصاريح، لأنه لم يحدث شىء.. ثم وقعت المجزرة.
وإذا كان قتلى وجرحى القاهرة والإسكندرية هم ضحايا الصراعات السياسية.. فإن الشيطان أبدل الصعيد مئات القتلى والجرحى شهرياً نتيجة الصراعات العائلية والبلطجية.. مع أن الأمن الجنائى فى الصعيد قبل الثورة كان فى غاية الانضباط.
إن المشكلة الحقيقية التى تواجهها مصر الآن هى الحفاظ على الأمن وسيادة القانون وهيبة الدولة مع كرامة المواطن وحريته دون قهر أو تعذيب.
لقد تخلصنا من فرعنة مبارك.. فوقعنا فى شراك آلاف الفراعنة من البلطجية وحملة المولوتوف والآلى والسنج والمخدرات الذين لا يردعهم دين أو ضمير ولا يرهبون دولة ولا قانون.
ألا يمكن أن تعيش مصر دون فراعنة؟!!