فى الوقت الذى أعرب فيه الرئيس السورى بشار الأسد عن أسفه لإسقاط قواته مقاتلة تركية فى 22 يونيو الماضى حلقت طائرات هليكوبتر سورية على مقربة من الحدود مع تركيا، فيما اعتبره محللون اختباراً لأعصاب أنقرة التى هددت باستهداف «أى شىء قادم» من سوريا على خلفية أزمة الطائرة التركية، حتى إن بعض الدوائر العسكرية التركية اعتبرت سوريا «جهة معادية».
جاءت هذه التطورات مع تواصل عمليات القصف المركزة التى تقوم بها القوات السورية الحكومية للمدن الثائرة، خاصة فى درعا وحمص وريف دمشق، ليصل إجمالى الضحايا خلال 48 ساعة إلى 126 قتيلاً.
وقال «الأسد»، فى مقابلة مع صحيفة «جمهورييت» التركية الثلاثاء، إن «الطائرة التركية كانت تحلق فى ممر جوى سبق للطيران الإسرائيلى أن استخدمه ثلاث مرات»، مبديا أسفه «100%» لهذا الحادث، كما أعرب «الأسد» عن أسفه للاتهامات التركية بأن الدفاعات الجوية السورية أسقطت الطائرة وهى من طراز «إف-4» عمداً بينما كانت تقوم بمهمة تدريبية فوق المتوسط، مشددا على أنه لن يسمح بأن تتسبب هذه الواقعة فى حدوث مواجهة بين القوات السورية والتركية.
وبالرغم من أسفه إلا أن «الأسد» قال إن «الدولة التى تكون فى حالة حرب تتصرف على هذا النحو، الطائرة كانت تحلق على علو منخفض جدا وأسقطتها الدفاعات الجوية التى اعتقدت أنها مقاتلة إسرائيلية.. الجندى عند الدفاعات لم يكن لديه رادار وبالتالى لم يعلم إلى أى دولة تنتمى الطائرة».
وقال «الأسد» إنه تمنى لو أن القوات السورية لم تسقط الطائرة الحربية التركية، مضيفًا أنه «لن يسمح بأن تتحول التوترات بين البلدين إلى قتال مباشر»، وقدم تعازيه لأسر الطيارين اللذين لم يعثر عليهما منذ إسقاط الطائرة.. وتعد هذه المقابلة هى الأولى التى يجريها الأسد مع وسيلة إعلام تركية منذ بداية الأحداث فى سوريا وتأزم العلاقات بين البلدين. وأقرت سوريا الشهر الماضى بأن قواتها أسقطت هدفًا جويًا اخترق مجالها الجوى، وتبين لاحقًا أن الهدف كان طائرة عسكرية تركية، الأمر الذى تسبب فى زيادة حدة التوتر بين البلدين.
وعلى الرغم من أسف الأسد إلا أن شهود عيان أكدوا أن طائرات الهليكوبتر السورية مازالت تدخل المواقع الحدودية بين الدولتين وتخرج منها فى اختبار لقواعد الاشتباك الجديدة التركية، واستعداد أنقرة لتنفيذ تهديداتها ضد سوريا.
وقالت وكالة رويترز إن طائرتى هليكوبتر سوريتين حلقتا بالقرب من موقع حدودى تركى فى إقليم «كيليس» الاثنين الأول الاثنين، وشوهد دخان يتصاعد إثر تفجيرات وقعت فى بلدة صغيرة قريبة على الجانب السورى، وسُمع أزيز طائرة نفاثة تحوم على ارتفاع كبير لكن لم يصدر رد مسلح على الطائرة السورية من قبل القوات التركية.
ميدانياً، واصل الجيش النظامى فى سوريا قصفه المدفعى والمروحى، فجر الثلاثاء، للمناطق فى ريف دمشق ودرعا وحمص ودير الزور واللاذقية، بعد يوم دام أوقع 114 قتيلاً بنيران قوات النظام معظمهم فى ريف دمشق وحماة وحمص. وأفاد المرصد السورى لحقوق الإنسان بأن هذه الاشتباكات أسفرت عن مقتل 12 شخصاً.
وعلى الصعيد الدبلوماسى، أكد متحدث باسم المبعوث الدولى الخاص إلى سوريا كوفى أنان أن الاجتماع الدولى الذى استضافته جنيف حول الأزمة فى سوريا أدى إلى «تغيير» فى الموقفين الروسى والصينى من النزاع الدائر فى هذا البلد، وشدد على ضرورة وقف إطلاق النار فى سوريا للتمكن من بدء الانتقال السياسى، معتبراً فى الوقت نفسه أن الخروج من الأزمة السورية سيكون طويلا وشاقاً.
على صعيد آخر، قالت منظمة «هيومان رايتس ووتش»، المعنية بحقوق الإنسان، فى تقرير لها، إن التعذيب صار سياسة تنتهجها الدولة ضد المدنيين فى سوريا، واصفة ذلك بأنه «جريمة ضد الإنسانية» تستوجب إحالة الوضع فى سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. وأشارت المنظمة إلى أن أساليب التعذيب تشمل استخدام الكهرباء، والإحراق بالحامض والاعتداء والإذلال الجنسى، وانتزاع الأظافر بالكماشة. ورغم أن معظم ضحايا التعذيب الذين أجرت «هيومان رايتس ووتش» معهم هذه المقابلات كانوا رجالاً ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عاما، إلا أن صفوف الضحايا كانت تضم أيضا الأطفال والنساء وكبار السن، بحسب المنظمة الحقوقية.
وفى معرض سرده لأساليب التعذيب التى تنتهجها السلطات السورية أشار التقرير إلى استخدام ما يعرف بـ «الدولاب» حيث توضع يدا ورأس المعتقل داخل دولاب للسيارة قبل البدء بضربهم، والتعذيب بأسلوب «بساط الريح»، حيث يربط المعتقل ويثبت على لوح خشبى ليتم تعذيبه دون أى قدرة له على التحرك، بالإضافة إلى «الفلقة» التى تقوم على تثبيت قدمى المعتقل قبل القيام بجلدهما، وكذلك تعذيب المعتقلين بجعلهم يشربون مياه المراحيض.