قالت له بنبرة حانية: «لا أدرى لماذا أرتاح إليك وحدك؟!».
وتمنى أن يضم هذا الكيان الصغير المُعطر، وشرع يتنفسها فى نشوة.
بدا له الأمر غريبا ومحيرا. كانت النحلة ترقص حول الزهرة دون أن تقترب منها. تحول بأكمله إلى عينين طافحتين بالحب. وقال بصوت هامس: «وأنا لا أدرى كيف أشكرك!».
رمقته بعينين عابثتين. وأحب مكر الأنثى فيهما ودلالها. ابتسمت الزهرة فى استحياء. قبلتها النحلة دون صوت وتحول العطر إلى شهد صاف.
«إنها تميل إليك كثيرا ولا أملك أن أصارحك بأكثر من هذا».
هكذا أخبرته صديقتها الحميمة وهى تضحك فى وجهه فى آخر ليلة من ليالى رمضان. لم يصدق أذنيه. أحقا تحبه! تخوّف من الجنون فهرع للنوم، ولدهشته استغرق فى النوم بمجرد إغماض عينيه. كان جسده منهكا من معركة امتدت آلاف الأجيال.
عندما استيقظ ونظر إلى السماء بالبراءة الأولى أدهشه أن السماء لا تقع على الأرض رغم قانون الجاذبية.
كان الثلج النقى يتساقط على الأرض فى مكان ما وكان يبكى. لا يعرف هل كان بكاؤه حزنا أم فرحا أم تأثرا؟ أحس برائحة غامضة فى الهواء. وبدأ يستعيد أحداث الأمس بين التصديق والتكذيب.
وجدها أخيرا فى مكان عام. اقترب منها. كانت شاحبة قليلا وأخبرها - وهو يدور حول الأرض- أنه…
لم يجد كلمة مناسبة تعبر عن مشاعره! لكنه صمّم ألّا يذكر كلمة الحب المبتذلة، وصاغ كلماته بحيث تفهم ما يريد.
وسرعان ما شعر بأنه يُولد لتوه، وأحس بشفقة حانية على المرضى واللصوص. أدرك أنه صاحب رسالة على الأرض وخالطه شعور بالطهر كأنه لم ينقض وضوءه قط.
فى مساء ذلك اليوم العجيب خاطبته فى الهاتف.
قالت له فى لهجة عملية: «اسمع. أنت صديق مخلص وأنا أرتاح لك حقاً. ولكن: هل تقوى على ابتياع الشقة والشبكة والثلاجة والبوتاجاز والغسالة والتليفزيون؟!».
انعقد لسانه فأردفت فى انتصار:
- «والمهر والفيديو والسجاجيد والنجف(!!). ثم هب أنك بمعجزة استطعت تدبير ذلك كله فهل تنوى إطعامى الهواء!
كلا يا حبيبى. أريد عريسا غنيا. سلام»
أحس أنه يختنق فغادر البيت فورا.
سار فى الطريق وكان ضوء القمر يغمر أوراق الشجر بضوئه الشاحب الحزين.
من بعيد كان عصفور صغير يغنى وحده بصوت ناعس وهو على وشك أن ينام.
سلام هادئ يرفرف بأجنحته على الكون بأسره.
كيف تكشف هواه المقدس عن كل هذا الابتذال؟ غسالة وبوتاجاز! نجف! عريس غنى!
والأدهى تلك النبرة السوقية فى حديثها. كان بوسعها أن ترفق به فى رفضها ولكنها لم تفعل.
ويحها! ولماذا تفعل!!.
كان الطاووس يختال فى قوس قزحه الخاص به بعد أن صرع غريمه بضربة واحدة.
الطريق المظلم يمتد أمامه إلى ما لا نهاية. شىء ما فى داخله يشتعل ولكنه لا يعبأ به.
نجف!!
ضحك برغمه ضحكة مرة وظل يسير.