الليل يرتدى ثوب الحزن، وفى ردائه الأسود الفضفاض تلمع نجوم كثيرة. وكان يبحث فيها عن نجمه الخاص: وجه حبيبته!.
الليلة ينوى أن يصارحها بحبه، ولكن ماذا يقول لها وبماذا يصارحها؟!.
يذكر حبه لها وهما بعد ذرتان فى صلب آدم عليه السلام. كانت الأرض بكرا لم تتلوث بالظلم بعد! وكان يضىء بالحنان كلما اقترب منها. لم يصارح أحدهما الآخر بحقيقة مشاعره إلا أنها كانت تلتمس الحنان لديه.
عندما قتل قابيل هابيل كان أحدهما من ذرية المقتول والآخر من الصلب المشؤوم. تباعدت عنه وأدرك منذ ذلك الحين أنها لن تكون له.
كان أجمل ما فيها هو عينيها وشفتيها.
عندما أبصرها للمرة الأولى كانت ترتدى ثوبا بنيا بسيطا وانكسر ذلك الجزء من روحه الذى يمتد إلى عالم الغيب فارتجف. وكان يطأ بقدميه على تراب جده الذى كان يضحك منذ ألف عام!.
عندما أدرك أنه يحبها كان نذير غامض ومشؤوم يتسلل فى أرجاء روحه. شرع يتجول فى الطرقات الخالية وكان الليل يتنفس بلا صوت.
وأحس للمرة الأولى كم هو تعس.
«ليست لك! ليست لك!»
كان نداء ملعون ينبض من ذرات جسده ويكاد يتنفسه. من ذلك العهد البعيد فى دنيا العدم أحس أنه ذرة مظلمة بائسة. وتمنى وقتها لو يسير بلا هدف حتى الموت.
ولم يعد إلى بيته حتى اتخذ القرار. كان بسيطا وفاجعا ومعقدا ولا معنى له. قرر أن يحبها بغير أمل أن تبادله حبه ذات يوم.
أدرك بغريزته أنها لن تكون له مثلما أدرك أنه لن يتوقف عن حبها. كان الاختيار أمامه بين أن يموت وألّا يحيا. لكنه اختار ألّا يحيا لأنه يرهب الموت.
وبدأ قصة حبه متخففا من أعباء العقل.
عندما كان يرنو إلى عينيها (القديمتين) كان يحرص ألّا يجثو على قدميها. وأدرك لأول مرة أن السماء أبعد من سطح بيته! وأن القمر لا يسير معه! وبدأ يكتشف الكون.
وارتضى أن يكون محور مأساة قُدّر لها أن تكون بينما كانت الوحوش تمرح على الأرض.
كان حبه لها عقد إذعان. كانت أسراب الأسماك تمضى هى الأخرى مذعنة فى المياه السوداء الباردة صوب الجنوب مدفوعة بغريزة لا تقهر دون أن تعبأ بإحصاء الصرعى الذين يتساقطون فى الرحلة المشؤومة.
بالتدريج صارت تميل إليه.
لم تتوان لحظة أن تشعره بمدى اهتمامها به. وكان يعلم أن مشاعرها نحوه لا تعدو مشاعر الصداقة.
وكان قانعا بنصيبه الرائع.
فى لحظات النشوة كان يشعر أنه يدور حول الأرض، ويتحول إلى جزء كونى متجانس، ويشعر بألفة غريبة لانفجار النجوم.
وبدا له الأمر مثل حلم قديم.
وشعر بغريزته أن عاطفته الوحشية سوف تلتهمه عن آخره ولن تقنع بما هو دون النهاية.
وسقط فى الهوة لا يلوى على شيء مثل صخرة صغيرة ترتقب ارتطامها بالقاع إلا أن رحلتها كانت سعيدة!.
(نكمل غداً إن شاء الله).
aymanguindy@yahoo.com