الحسينى أبوضيف.. شهيد الصحافة

خالد السرجاني الإثنين 17-12-2012 21:05

يبدو أنه كتب على الصحافة المصرية أن تضحى بشهيد مع كل موجة من موجات الثورة، فمع الموجة الأولى ضحت بأحمد محمود الصحفى فى الأهرام، وفى الثانية تضحى بالحسينى أبوضيف، فمن يذهب إلى أى استحقاق احتجاجى منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن سيجد الصحفيون فى مقدمته، وكان عدد كبير من الصحفيين من مؤسسى حركة كفاية، ومثلها الجمعية الوطنية للتغيير، وهو ما يعنى أن الصحافة وأبناءها لا ينفصلون عن قضايا الوطن، وهم عندما يطالبون بالحرية والديمقراطية فإن ذلك لا يكون فقط عبر الكتابة فى صحفهم، وإنما يذهبون مع الجماهير العريضة التى تطالب بالحرية ليكونوا فى طليعة المناضلين من أجلها.

وصديقى الراحل الحسينى أبوضيف له طابع خاص بين زملائه الصحفيين، فهو جاء إلى الصحافة وله انتماءات سياسية واضحة، منتمى إلى التيار الناصرى، ومع ذلك زعم الإخوان أنه منهم، وعمل فى جريدة من تلك التى تحارب الفساد، وكان فى حربه على الفساد من النوع الثقيل، ولعلنا نتذكر تحقيقاته الصحفية قبل ثورة يناير عن الفساد فى وزارة الثقافة وعلى الأخص فساد المقربين من وزيرها السابق فاروق حسنى، الذى كان يتمتع بحماية عائلية رئاسية خاصة، ولم يفصل الشهيد الحسينى رحمه الله، بين نضاله السياسى والنضال عبر الكتابة فى الصحف، فكلاهما له نفس الهدف، وكان فى مقدمة أى تظاهرة، فقد تم تحويله للتحقيق وهو فى الجامعة لأنه كان يوزع منشورات تندد بالمحاكمات العسكرية للإخوان المختلف معهم فى الرأى والتوجه، والذى كان يرى فيهم خطرا على مستقبل مصر، وهذا ما يؤكده ما كان يكتبه يوميا عدة مرات على شبكة التواصل الاجتماعى «تويتر».

وشهيد الصحافة الحسينى جاء من جيل مختلف، دخل إلى مهنة الصحافة وهو يحمل آمالاً عريضة ليست شخصية وإنما آمال عامة خاصة بالوطن الذى يعيشون فيه حلموا بأن يعيشوا فى وطن أكثر عدلا وحرية، ومعظمهم عمل فى الصحافة باعتبارها رسالة وليست مهنة، وإن كانوا لم يتخلوا عن المهنية فى عملهم، وهم يتصدرون المشهد فى أى عمل احتجاجى سواء خاص بالمهنة أو بالوطن، وهؤلاء لا يعملون فقط فى الصحف الخاصة وإنما منهم كثيرون فى الصحف القومية وهم الذين قادوا الاحتجاجات التى تطالب بتطهير الصحافة بعد ثورة يناير ومازالوا يمارسون الضغط من أجل صحافة حقيقية تختلف عن تلك التى اعتادت عليها الصحف القومية على مدى تاريخها.

والشهيد الحسينى عندما خرج إلى قصر الاتحادية خرج وله هدفان الأول النضال وسط المناضلين السلميين الذين يحلمون بالعدل والحرية ويرفضون الاستبداد الذى فرضه الإعلان الدستورى الذى أصدره الرئيس محمد مرسى لنفسه. والثانى هو توثيق الأحداث فقد عودنا أن يسير فى المظاهرات بكاميرته ليوثق ما يراه، وهذا الأمر هو الذى دفع قاتليه لأن يجهزوا عليه بعد أن خطفوا الكاميرا منه وحطموها، وهو ما يعنى أنه كان عملا مدبرا لأنه قام بالكثير من الأعمال فى التصدى لحكم الإخوان وتجاوزات محمد مرسى، فقد كشف بالوثائق إفراجه عن شقيق زوجته المدان بالرشوة، وكان ذلك فى تحقيق صحفى موثق كان يجب أن يخضع للتحقيق الجنائى، كما كشف أيضا حيل شراء «الحمساويين» أبناء غزة أصدقاء الرئيس مرسى وخيرت الشاطر لأراضى سيناء تمهيدا لعملية توطين كبرى تحدث العالم كله عنها ولم نسمع أى تعليق من رئاسة الجمهورية، وسط صمت مريب من السلفيين حلفاء الإخوان المسلمين.

لقد كان الشهيد الحسينى «ابن موت» كما يقول أولاد البلد، فمن جلس معه مرة واحدة لا ينساه، ومن تعامل معه بنى معه صداقة ظلت مستمرة. ونحن وقوف على سلم نقابة الصحفيين نستعد للانطلاق إلى ميدان التحرير الجمعة قبل الماضى وجدنا مظاهرة كبيرة آتية فى شارع عبدالخالق ثروت من اتجاه طلعت حرب بها شباب وبنات، عرفنا بعد ذلك أنهم من أصدقاء الحسينى وجيرانه، طلبوا منا أن نذهب معهم إلى قصر الاتحادية، هكذا بنى الحسينى صداقاته وهو ما يمثل تطبيقا عمليا لمقولات انطونيو جرامشى عن المثقف العضوى المتعلق بجماعته وجماهيره بعيدا عن المكاتب.

لقد ضحت الصحافة المصرية بأبناء لها آخرهم الحسينى أبوضيف من أجل أن تعيش مصر حرة يتحقق فيها العدل والمساواة، وأحد قواعد هذا العدل والمساواة هو أن تكون فى مصر صحافة حرة ومستقلة غير تابعة لأى سلطة وهو الأمر الذى لم يحققه الدستور الحالى وهو الذى خرج الحسينى لتحقيقه ولقى حتفه وهو يناضل من أجله. وأفضل ما نقدمه للحسينى أبوضيف هو أن ننفذ وصيته التى كتبها على شبكة التواصل الاجتماعى «تويتر» وهو «هذه هى آخر تويته لى قبل نزولى للدفاع عن الثورة بالتحرير وإذا استشهدت لا أطلب منكم سوى إكمال الثورة». فعلى كل من يجب الحسينى أبوضيف ألا يبكى عليه وإنما عليه فقط أن ينفذ وصيته.