أكتب الآن مقالى اليومى وأنا أشعر بحزن ثقيل. الانقسام الحادث فى مصر الآن، والذى هو أشبه بالدين الجديد، الذى يفرق بين الأخ وأخيه والابن وأبيه. أشاهد الآن وصلة بين رجل يدافع عن الإخوان وناشطة نسائية تهاجم الإخوان! وكما يحدث دائماً انتصرت السيدة وأثبتت أن الغلبة للنساء.
ابتسموا من فضلكم. لابد أن نقاوم مشاعر الاكتئاب التى تزحف علينا كالوباء. تذكروا أن كوكبنا الأرضى ما هو إلا ذرة غبار تسبح فى الفضاء. وتذكروا أيضاً أن الحياة بدأت منذ ثلاثة آلاف مليون سنة كما يقول العلماء. وما همومنا الحياتية ومشاغلنا الزمانية، التى تملأ رؤوسنا، إلا فقاعة بمعنى الكلمة، وسوف تتجاوزها الأحداث. لقد كابد الكوكب الأرضى ملايين من الأحداث الجسام. لا يوجد عصر من العصور إلا اعتقد سكانه أن ما يشهدونه من فساد هو علامات القيامة، وأن زمانهم هو آخر الزمان.
وفى اللحظة نفسها، على الكوكب الأزرق الجميل السابح فى إخلاص حول أمه الشمس، تسير حسناء فى الريف الأوروبى شاهقة البياض تُزيح غصناً مورقاً بالأزهار. وفى اللحظة نفسها يوجد طفل أفريقى أسمر، بلون وطعم الشيكولاتة، يرمق الفيل أبو زلومة، ويفكر فى مباراة الكرة القادمة.
الآن وبينما أكتب هذا المقال توجد عذراء وقعت فى الحب! وشاب غرير الأحلام يخفق قلبه كالطبول لدى رؤية حبيبته الحسناء. توجد امرأة فى مكان ما على الكوكب شاهدت فستاناً رائعاً فى واجهة زجاجية وشرعت تحلم باقتنائه. يوجد ملحن يطارد نغمة حائرة منذ عدة أيام، لكنه استطاع أن يقتنصها فى تلك اللحظة. يوجد عالم أصلع الرأس أبوى الملامح منكب على معمله أشرقت فى صدره شمس المعرفة حين أثمرت التجربة التى عكف عليها لعشر سنوات.
الآن فى تلك اللحظة يتساقط المطر، وعند القطرة الأخيرة بالضبط يرتحل شعاع قوس قزح ليشير إلى موضع جرة الذهب، يتبعها مجنون حالم، يركضُ يسابقُ الزمن قبل أن تعاود الشمس سطوعها وتذهب الإشارة ويختفى الشعاع.
الحياة جميلة جداً، وإن فرقتنا هموم السياسة. تأكدوا أننا سنتجاوز اللحظة الراهنة وتصبح مجرد سطور فى كتاب. ربما يسطرها التاريخ كصحوة ميت، أو ميلاد مخاض. لكنها فى كل الأحوال ستصبح سطراً لا أكثر فى كتب التاريخ.
الآن وأنتم تقرأون هذه السطور، توجد مراهقة فى المرحلة الثانوية وقعت لتوها فى الحب. وراحت تطرز أحلام مستقبل سعيد، بخيط من ذهب وخيط من فضة مع كثير من القبلات. وفى اللحظة نفسها تطير العصافير فوق رؤوسنا لا تدرى أى شىء عن نتائج الانتخابات. ويتساءل الشتاء فى دهشة: لماذا قدمتُ - مثل كل عام - لأهب الحب والرومانسية فلم ينتبه لقدومى أحد؟! ولم يرقص على إيقاعى العشاق! فإذا بالعصافير التى توشك أن تموت من البرد، تغرد متظاهرة بالبهجة، لكى تُدخل على قلب الشتاء السرور.
تصوروا! لقد أصبحت أفضل حالاً بعد أن انتهيت من كتابة هذا المقال.
ابتسموا من فضلكم.