لم يزعجنى انقسام المصريين بين «نعم» و«لا»، لعلمى أن الاختلاف سنة كونية! وأن الله تعالى لو شاء لجعلنا على رأى واحد. قال عز من قائل: «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ».
أضف إلى ذلك حقيقة أن هذا الاختلاف- رغم شروره- ينطوى على خير كثير، كما تجمع الأشياء عادة بين أضدادها، إذ هو علامة حيوية المجتمع المصرى، وأنه لن يقبل أن يُساق كالنعاج، أو يُهمل بلا إرادة.
لكن ما أزعجنى حقيقة هو شيوع التفحش والتبذل فى القول. لا أدرى ماذا حدث للشباب المصرى؟! صاروا يعتقدون أن من علامات الثورية الحقة هو النطق بالبذاءات والتفحش فى القول!. والأغرب أن يجترئ المتدين، أو من يظن أنه متدين، على السباب والخوض فى الأعراض والحديث الفظ، كالمجرمين وأرباب السوابق!
إن الفحش والتبذل لا يعكسان نقص حجتك فحسب، وإنما معناه أيضا أن تربية والديك لم تجد معك، وأن تعبهما فيك ضاع هدرا.
شيوع السباب والوقاحة يفقد المجتمع كل ملامح الرقى والتحضر. صرنا نتحسر حين نشاهد حفلات أم كلثوم، ونتأمل ملامح الجمهور الراقى، الذين كانوا يرتدون السترات وفساتين السهرة، ويصفقون فى تحضر حينما تنتهى كوكب الشرق من الوصلة.
واليوم نفد صبر الجميع فجأة! وصارت الوقاحة هى القاعدة. لم يعد الشباب يراعون كبر السن أو علو المكانة. ولو جرؤت أن تقول رأيا مخالفا فسوف تُستباح كرامتك. لقد صارت تروّعنى تعليقات السبّابين هنا وهناك. وأتعجب من شيوع الوقاحة، والتعصب للرأى، واغتيال الخصم الآخر معنويا! أين خفض الجناح؟ بل أين عفة اللسان أين؟!
ألم يصف ربنا عز وجل المؤمنين بأنهم «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً»، ألم يصف الرسول بأنه «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ».
أود أن أنبهكم لشىء دقيق جدا: إذا شتمت وأمعنت فى السباب فاعلم أنك لم تغضب لله ولا للحق، فالله الطيب الذى لا يقبل إلا الطيب، لم يطلب ذلك منك قط.
تتشاتمون وتتنابذون، وإلهكم واحد، ورسولكم واحد، وسماكم الله أخوة! «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ». ألا تستحون من الله تعالى؟ ألا تستحون من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الذى لو كان حياً لأعرض عنكم!. أم تظنون أنه يرضى بانقسام أمته؟
ولماذا لا تعتقد أن رأيك صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرك خطأ يحتمل الصواب، ثم تدعون لمصر بالسلامة ولخصمك بالهداية. ولكن المشكلة أن النيات مدخولة والقلوب غير سليمة!
وما أبرئ نفسى، أنا أسوأ الجميع إلا أن يتغمدنى الله برحمته. نصحتكم وأنتم أحرار. الكلمة تخرج من رضوان الله أو تخرج من سخط الله! نعوذ بالله من سخطه.