بعد أن كان خطر اختطاف الدولة مجرد احتمال قوى من خلال تحصين قرارات الرئيس ونصوص مشروع الدستور، أصبح الخطر حقيقة من خلال أحداث الأسبوع الأخير.
كل الثورات قامت عندما توفرت ظروفها، لم يمنعها دستور جيد أو سيئ، كما سقط قبل مرسى رؤساء أقوياء ملأوا الميادين بتماثيلهم التى اضطروا لحراستها من سخرية الشعب وشعاراته المضادة. ولذلك فإن خطر اختطاف الدولة من خلال تحصين الرئيس ومشروع الدستور كان مجرد احتمال، لكنه صار حقيقة من خلال ممارسات الأسبوع الماضى التى تمت كلها خارج إطار مؤسسات الدولة وقوانينها.
تكلم السيف وهو أصدق إنباءً من الكتب والدساتير والإعلانات، ولم نعد بحاجة إلى تفصيص نصوص مشروع الدستور لكى نتعرف على مشروع الجماعة المصممة على حكم مصر بحد السيف.
اختطاف الدولة صار حقيقة واضحة، من خلال تصدر أشخاص بلا صفة رسمية للحديث وإعلانهم الواضح عن خطط مواجهة المتظاهرين بأساليب تلغى مؤسسات الدولة وأطرها القانونية أو تضع هذه المؤسسات نفسها فى خدمة نموذج الدولة غير القانونية.
أمام قصر الاتحادية سالت الدماء، وتم ربط المتظاهرين الذين ينزفون فى سور القصر. وكانت قانونية الدولة تحتم على الرئيس أن يصدر أمرًا فوريًا بالتحقيق، لأن صمته يجعل مسؤوليته عن هذه الدماء أكبر من مسؤولية مبارك، ببساطة لأن من قتلوا فى ظل مبارك لم يكونوا على باب قصره وتحت أعين حرسه.
بدلاً من اتخاذ قرار التحقيق، أدان الرئيس الضحايا وصرح بأنهم اعترفوا فى وقت لم تقل فيه النيابة كلمتها، وهذا يعنى أن الرئاسة ـ أكبر مؤسسات الدولة ـ استندت إلى أقوال الميليشيا المؤيدة. ويمثل عدم استنكار الفعل إقرارًا بالميليشيا كسلطة تنفيذ بديلة، كما يعنى الاستناد إلى تحقيقاتها اعترافًا بها كقوة قضاء بديلة.
فى الأزمة تحدث مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين ونائبه أكثر مما تحدث الرئيس، ومن حيث الشكل القانونى فكلاهما ليس له صفة فى مؤسسات الدولة لكى يتحدث بصيغة نون الجماعة: (قلنا، قررنا، رصدنا) وليست له صفة فى الحزب السياسى، القفاز الذى منحه العسكر للجماعة المحظورة لتتسلل من خلاله إلى العمل السياسي. وأما محتوى خطاب المواجهة ففيه الكثير مما يؤكد انتزاع الجماعة لسلطات الداخلية والقضاء مثل قول الشاطر «لدينا تسجيلات...إلخ»، ولا معنى للجملة إلا أحد احتمالين: إما أن الجماعة قامت بالتسجيلات بنفسها أو تلقتها من أجهزة الدولة.
والأمر كارثى فى الحالتين؛ ففى الأولى تكون الجماعة خارج سلطة الدولة وفى الثانية تكون فوقها. وأما ما ترتب على وجود التسجيلات فهو ما أعلنه «استخدام كل الخيارات للحفاظ على سلطة الرئيس» علمًا بأن الرئيس تولى بناء على قسم باحترام القانون والدستور والدولة ومؤسساتها، وصمته على هذه التصريحات يعنى موافقته على إحلال الجماعة محل مؤسسات الدولة لحفظ منصبه أو شرعيته كما يقولون، فهل تبقى للرئيس شرعية إذا استند بقاؤه على الخيارات المفتوحة أمام تحالف جماعته مع السلفيين؟! وهل تبقى له شرعية إذا أنكرته مؤسسات الدولة؟
ثم، ما هذه الخيارات؟ سؤال مطروح على الرئيس الساكت عن هذه الهدية من خارج مؤسسات الدولة. وهو سؤال مطروح كذلك على النيابة: إحدى مؤسسات الدولة بما ستكشف عنه تحقيقاتها مع المسلحين الذين تم ضبطهم وتحقيقاتها فى كارثة تسلم الشرطة لمتظاهرين بين الحياة والموت من أيدى الذين عذبوهم خارج القانون.
مظاهرات التأييد عرفتها من قبلنا ألمانيا النازية وعراق صدام حسين قبل أن يجعلها مجنون ليبيا المقتول آلية تلغى الديمقراطية. كانت اللجان الشعبية تصدر قراراتها من خلال مظاهرات التأييد، وهذا هو ما فعلته اللجان السلفية بحصارها لمدينة الإنتاج الإعلامي. وهذا الاعتصام هو تربص خارج القانون بالإعلاميين وضيوفهم ويختلف عن اعتصام الثوار فى التحرير وأمام الاتحادية لأنه اعتصام فى مواجهة الرئاسة التى هى إحدى مؤسسات الدولة.
بعد كل هذه الشواهد فإن الحديث عن مواد دستور المغالبة ليس سوى حديث عن شرعية أو عدم شرعية ذبح مؤسسات الدولة الذى وقع بالفعل.