تبدأ الحرب الأهلية نتيجة كبت الحريات وتهميش بعض الشرائح الاجتماعية وتفضيل النظام الحاكم لبعض المواطنين على حساب باقى المواطنين.
وحين يشعر بعضهم بالتمييز أو الظلم، ويحاول المطالبة بحقوقه قد يستخدم النظام القوة المفرطة لقمع المعارضين، عبر أدواته القمعية أو عبر دوائر أنصاره الذين يقومون بتأديب معارضيه.
ويلعب العامل الاقتصادى دورا مهما فى توسيع دوائر هذه الحرب، خاصة إذا ارتبط بالجهل والتعصب الدينى.
يحدث استقطاب بين مجموعات مختلفة من المواطنين ويغذى الاستقطاب خطابات الكراهية والتحريض وشيطنة الطرف المقابل. يوحى كل فريق لأنصاره بأن الطرف الآخر يكرهه، ويريد إفناءه من الوجود، ويحدثه عن خيانته للوطن وعمالته للخارج.
يعجز النظام السياسى عن إدارة عملية التعددية الأيديولوجية أو السياسية أو الدينية أو العرقية فى المجتمع، وينحاز إلى طائفة أو جماعة معينة ليحتمى بها من الآخرين، ويحدث الانقسام المجتمعى والاحتشاد فى الناحيتين.
يبدأ الإحساس بالمواطنة فى الخفوت، وتضعف المشاعر الوطنية ليحل مكانها مشاعر التعصب القبلى أو السياسى أو الدينى، ويحاول كل معسكر تضخيم حالة الإيجو الجماعى والفخر بالانتماء لهذا المعسكر وتحقير الآخر والتشكيك فى نواياه وإلصاق كل التهم والنقائص به.
تبدأ الحرب الأهلية بخلق المناخ المهيأ لها، ثم تندلع بعض المواجهات المحدودة بين الفريقين ويسقط بعض الضحايا لتعلو لغة الثأر ومشاعر الانتقام، وتتسع دائرة العنف وتفتح باب حرب الاستهداف، حيث يحاول كل طرف قنص أفراد من الطرف الآخر لإذلاله وكسر إرادته.
يدخل على الخط فى إشعال الحرب أطراف خفية، مصلحتها إذكاء الفتنة للانتقام من الطرفين، وتقوم بالقتل فى الناحيتين، وكلما هدأت حدة الاحتقان أسرعت بعمل جديد يشعل الموقف مرة أخرى، يتم قمع الأصوات العاقلة والمعتدلة فى كل فريق.
أهم نتيجة لأى حرب أهلية هى إسقاط الدولة عبر تقويض مؤسساتها وأجهزتها، فلا تستطيع القيام بمهامها، وتحتاج للبناء من جديد إذا انتهت الحرب الأهلية.
شرارة الحرب الأهلية لا تأتى فجأة، بل تعقب تراكماً مستمراً من أخطاء السلطة ومسلسل الاستقطاب وقهر الآخر، قد تبدأ الشرارة بشىء صغير، ولكنه يصطحب معه من الماضى جراحات ومرارات ترسبت وترسخت لتنفجر، وتطيح بكل ما أمامها.
الشعوب التى تبدو مسالمة وطيبة، ولا يتوقع منها الوقوع فى فخ الاقتتال الأهلى تكون على النقيض من ذلك، إذا انفجرت، وأخرجت ما بها من ضيق وتراكم وإحساس بالقهر، لأن بها فائض عنف مورس ضدها، واحتملته دون تفريغ نفسى أو مادى.
إلى ساسة مصر، اقرأوا هذه السطور، وتذكروها وأنتم تتناحرون فى ساحة السياسة، فوراء كل حرب أهلية سياسيون فشلة أخفقوا فى قيادة شعوبهم إلى التوافق وبناء الوطن.