الصحف تنشر «خطاب مرسي التاريخي» بنفس أسلوب خطابات «مبارك»

كتب: اخبار الإثنين 02-07-2012 21:28

لا شك أن خطب الرئيس محمد مرسى، التى ألقاها أول الأسبوع الحالى كلها خطب تاريخية، ولا شك أيضا أنها تستحق أن تفرد لها الصحف المصرية، سواء قومية أو خاصة، مساحة كبيرة فى صدر صفحاتها. فهو أول رئيس مدنى منتخب فى انتخابات حرة حقيقية، وقد بدأ مدته الرئاسية بنشاط مكثف يستدعى من الصحف أن تلهث وراءه. ولكن يوم الأحد الماضى أى اليوم التالى لحلف الرئيس لليمين الدستورية كانت الصحف القومية المصرية تتشبه تماما بما كانت عليه فى عهد الرئيس السابق المخلوع. وهو الأمر الذى استدعى موضوعا خاصا فى جريدة الوفد بعنوان «سيمفونية النفاق تبدأ فى صناعة الفرعون» وجاء فيه أن «الأهرام» نشرت 5 صور و20 عنوانا لمرسى أما «الأخبار» فنشرت 22 صورة و21 عنوانا فى عدد واحد لكل منها، وهى أعدادها التى صدرت السبت 30 يونيو. فى الوقت الذى كانت فيه «الجمهورية» أقل نفاقا حيث نشرت 3 صور و9 عناوين «فقط» فى العدد الذى صدر فى اليوم نفسه.

والخطأ فى تغطية الصحف القومية للحدث ليس فقط فى أنها تمارس الأسلوب نفسه الذى كانت تمارسه فى عصر مبارك، وإنما فى أنها تتعامل مع خطبه، باعتبارها كلاما منزلا لا ينطق عن الهوى، وفى أنها بدأت بالفعل فى صناعة فرعون جديد عبر التركيز على الرئيس وكلامه وليس على مؤسسته وفريقه الذى سيعمل معه. وهذا الأسلوب يرسخ فى أذهان القراء صورة للرئيس هى الصورة نفسها التى ترسخت عن الرؤساء الذين سبقوه، أى الحاكم الفرد الذى يستطيع أن يفعل أى شىء والذى يملك كل السلطات، فى الوقت الذى نريد فيه أن يترسخ لدينا حكم المؤسسات وأن يكون الرئيس مجرد خادم للشعب. ويبدو أن الرئيس مرسى يريد أن يتبنى الخيار الأخير فى الوقت الذى تعودت فيه صحفنا القومية على الخيار الأول. ولكن الملاحظة المهمة فى تغطية الصحف القومية هو أنها أعطت لقارئها انطباع أن هناك مناصفة فى السلطة بين الرئيس والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لأن العناوين كانت فى معظمها مشتركة بين الاثنين أو أنها كانت تتعلق بهما معا على النحو الذى سنفصله. وهذا الأمر قد يكون لأن المسؤولين عن تحرير الصحف لم يستوعبوا انتقال السلطة أو أنهم يريدون أن يمسكوا العصا من منتصفها، لأنهم لا يعرفون شكل العلاقة المستقبلية بين المجلس العسكرى والرئيس الجديد.

لو رجعنا إلى الصحف التى صدرت صباح الأحد، فسنجد أن «الأهرام» ركزت على تسلم الرئيس السلطة من المجلس العسكرى، وكانت معظم العناوين تصب لتعطى انطباعا بأن السلطة الحقيقية مازالت فى أيدى المجلس الأعلى للقوات المسلحة.فمن بين كلمات الرئيس المتعددة فى اليوم السابق اختارت أن يكون العنوان المستمد منها هو المتعلق بإشادته بدور القوات المسلحة وتكليفه لها بمواصلة حماية الأمن الداخلى، كذلك ركزت العناوين على تعهد المشير طنطاوى بوقوف الجيش بجانب الرئيس المنتخب من الشعب وعلى تصريحات للواء صابر محمد صابر مدير عمليات القوات المسلحة، التى قال فيها إن الجيش نشر 8 فرق ميكانيكية لتأمين المنشآت الحيوية فى 6 ساعات. إضافة إلى هذا الموضوع الرئيس، تضمنت الصفحة الأولى فى «الأهرام» موضوعين آخرين: الأول عن حلف الرئيس اليمين أمام المحكمة الدستورية، والآخر عن كلمته فى جامعة القاهرة.

أما «الأخبار»، فسارت على الدرب نفسه، وهو التركيز على ما هو مشترك بين الرئيس الجديد والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فعنوانها الرئيسى كان «بداية عصر مرسى.. أقسم وتسلم السلطة»، ثم توالت العناوين المشتركة بين الرئيس والمجلس الأعلى للقوات المسلحة مثل: «الرئيس الجديد للشعب: لن أخون أهلى ولرجال القوات المسلحة أنت شرف لهذا البلد.. المجلس العسكرى.. أوفى بالعهد وسأكرم قادته.. «مرسى» يكلف الجيش بالبقاء فى مواقعه داخل البلاد لحين ترتيب الأمن.. المشير طنطاوى سنقف مع الرئيس الجديد وسنظل حصن الشعب وملاذه».

أما جريدة «الجمهورية»، فخرجت عن سرب الصحف الأخرى فى أنها كانت واضحة فى الانحياز للسلطة المدنية الجديدة، كما يبدو من عناوين الصفحة الأولى لعددها الصادر أول أمس، وكانت العناوين كلها حول ما سوف يقوم به الرئيس أى برنامجه مثل: «مرسى فى أول خطاب بعد توليه الرئاسة.. رسميا: مصر لن تعود إلى الوراء أبداً.. دماء الشهداء حق فى رقبتى حتى القصاص.. أقول لمن تنتابهم الهواجس: مسارات الدولة لن تتبدل.. نشجع الاستثمار بكل قطاعاته ونعمل على استعادة السياحة لدورها.. نستكمل استقلال القضاء ليكون القانون هو الفيصل.. المجلس الأعلى للقوات المسلحة أوفى بعهده ألا يكون بديلا عن الإرادة الشعبية». وكما يبدو من هذة العناوين فإن واحدا منها فقط هو المتعلق بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة.

وبنظرة سريعة على الموضوعات الداخلية فى جميع الصحف القومية سنجد أنها تمارس بالفعل عملية صناعة الفرعون، سواء المتابعات المتعلقة بخطب الرئيس أم التحقيقات الصحفية التى نشرت فى العدد نفسه والتى استعانت فيه الصحف القومية بآراء الخبراء السياسيين أو تلك التى تنشرها حول ماذا ينتظر المصريون من الرئيس الجديد، وهى كلها لا تخرج عن محاولة من الصحف القومية لصناعة فرعون جديد، لأن قيادتها يبدو أنهم لا يعرفون العمل سوى مع الفراعين.