مبرراتية العهد الجديد

خالد السرجاني الخميس 29-11-2012 21:32

لعل القارئ يتذكر أنه فى السنوات الثلاث التى سبقت سقوط الرئيس حسنى مبارك، خصص الحزب الوطنى عددا من الإعلاميين والصحفيين بعضهم يعمل رؤساء تحرير للصحف القومية، من أجل الظهور فى الفضائيات للدفاع عن سياسات وقرارات الحكومة وتبريرها، وبعد أن سقط النظام أصبح كل هؤلاء نسيا منسيا.

والآن يكرر الإخوان المسلمون نفس السيناريو، فهم خصصوا عددا من كوادرهم منهم صحفيان راسبان بامتياز فى انتخابات مجلس نقابة الصحفيين الأخيرة، للدفاع عن سياساتهم وقراراتهم، ولكن يبدو أن الجماعة لم تحسن الاختيار كعادتها دائما، فمن يتولى الحديث نيابة عنها، وعلى الأخص هذان الزميلان، من المحدودين فكريا، وضعيفى المنطق، فهما لا يملكان حيلة أمام منطق وثقافة من يتوليان الدفاع أمامهم، ويبدو أنهما سيصبحان نسيا منسيا فى القريب العاجل كزملائهما الآخرين، خاصة أنهما يتحولان بعد دقائق من ظهورهما إلى مادة للتندر والتنكيت على شبكات التواصل الاجتماعى، بما يحولهما إلى مسخرة بدلا من إعلاميين يملكون موقفا ويدافعون عنه. بل تحولت الفقرات التى يتحدث فيها ممثلو الإخوان وتناقضات كلامهم، بل كذبهم باعتبار أن كلا منهم يقول كلاما مختلفا عن الآخرين، إلى فقرات فى برامج التوك الساخرة سواء التى تقدم فى الفضائيات أو عبر «اليوتيوب» . ومعظم هؤلاء لم نرصد لهم أى إنجاز مهنى مهم يجعلهم مؤهلين للحديث أمام شاشات التليفزيون.

والذى يجعل شباب الفيس بوك ونشطاء تويتر يسخرون من هؤلاء ليس فقط تفاهتهم وإنما الغطرسة التى يبدون عليها وهم يتحدثون، مع أنهم عندما ينطق أى منهم بأول كلمة يتذكر المشاهد مقولة الإمام الشافعى الشهيرة «آن للفقيه أن يمد رجليه». ومن أسف أن هؤلاء لا يدركون ما هم عليه من ضحالة وسوء تقدير، بل كما علمت من بعض أصدقائى ذوى العلاقة بجماعة الإخوان، فإن بعضهم قام بجهود كبرى ووساطات داخل الجماعة لكى تمنحه شرف أن يكون مبرراتيا لها، والبعض الآخر يعتبر ما يقوم به تشريفا وتكليفا وجهادا فى سبيل الله، كما أعلم أيضا أن الجماعة بها من العناصر من هم أقدر على القيام بهذا الواجب لكن القاعدة دائما هى أن العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من الأسواق.

وتخصيص مجموعة من «المبرراتية»، أيا كان مستواهم الفكرى والسياسى، ومهما اختلفنا معهم فى الرأى والتوجه، هو استنساخ إخوانى لنفس الأسلوب الذى كان يتبعه الحزب الوطنى وأمانة سياساته، بل إن بعض هؤلاء تم استكتابهم فى الصحف القومية كتمهيد للظهور فى الفضائيات أو حتى يكون له «تايتل» أمام المشاهدين، والبعض الآخر تم تعيينه لنفس السبب فى مناصب قيادية فى الصحف القومية، والدليل على ما أقول أنه بعد أيام قليلة من إجراء التغييرات الصحفية، أعفى الرئيس مرسى وزير الدفاع ورئيس الأركان، وكان رؤساء التحرير الجدد هم ضيوف الجزيرة مباشر مصر ذات الهوى الإخوانى، ومصر 25 الناطق بلسانهم، وبالطبع دافع كل منهم عن القرار دفاعا إنشائيا لم يقدم أى جديد للمشاهدين، وهو نفس الأسلوب الذى كان يتبعه المبرراتية السابقون للحزب الوطنى، وهو الدفاع الإنشائى الساذج الذى لا يطعم من جوع. وإذا كانت تجربة الشهور السابقة من حكم الرئيس مرسى قد أكدت خواء جماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة من أى كفاءات إدارية أو محلية تؤهلهم لحكم مصر، فإن ممثليهم فى الجدل السياسى على شاشات التليفزيون يؤكدون أنهم ليس لديهم كفاءات إعلامية وليسوا خبراء سياسة يستطيعون أن يصدوا هجمات القوى السياسية الأخرى على الجماعة وحزبها.

وأعتقد أنه على الجماعة إن كانت تريد أن تدافع عن صورتها القديمة وهى ترسخت بفضل دفاع أكاديميين وخبراء مستقلين عنها فى محنها، لكنها بعد الثورة ترصدت لهم وأبعدتهم عن أى مناصب سياسية بصورة لا أخلاقية- عليها أن تعقد دورات متخصصة متعددة لعناصرها الذين يبررون مواقفها فى الفضائيات، بالطبع لا يمكن الدفاع عن سياسة سيئة أو تبريرها ولكن يمكن أن تدافع من دون أن تصبح أضحوكة.