ظهرت الحركة النقابية مع بداية القرن العشرين كنتيجة لإضراب عمال ناجح قام به عمال الدخان والسجائر، وكانت هذه الفئة تضم عدداً كبيراً من العمال اليونانيين الذين لهم سابق معرفة بالحركة النقابية فى بلادهم، وظلت الحركة النقابية تتعثر لأن قيامها العملى لم يعطها الشخصية الاعتبارية القانونية، ومن أجل هذا كان العمال يلحون على المسؤولين لإصدار قانون النقابات، وتحقق هذا عندما تولى الوفد الوزارة سنة 1942م وأصدروا القانون 85 لسنة 1942م، وهو أول قانون يعترف بالنقابات، ولكنه اشترط التسجيل قبل الحصول على الشخصية الاعتبارية، وحرمان عمال الزراعة وعمال الحكومة من حق تكوين النقابات، وإمكان حلها بالطريق الإدارى، رغم هذا فقد مضت الحركة النقابية قدماً حتى قامت حركة 23 يوليو، وكان اللقاء الأول بين الحركة وعمال شركة كفر الدوار للغزل والنسيج، وتطور الأمر لسبب غير مفهوم بين العمال وحرس المصنع وقتل جندى، واشتدت الأزمة، وحكم بالإعدام على عاملين هما البقرى وخميس، كما سجن عدد آخر من العمال، وحاول عبدالناصر إلحاق الحركة النقابية بهيئة التحرير، ولكن التنظيم فشل مع فشل هيئة التحرير نفسها، وأعيد تكوينه مع تكوين الاتحاد القومى، وفى النهاية أعلنت الحكومة عن وضع القانون 319 لسنة 1952م، وتضمن القانون عدداً من المزايا منها كسب النقابة الشخصية الاعتبارية بمجرد إيداع أوراقها.
ومع أنه أصبح له نوع من الاستقلال، فإن التنظيم السياسى كان يفرض نفسه عليه بشكل عملى وظل هذا الوضع قائماً حتى تهيأت ظروف جديدة هى الوحدة مع سوريا وإصدار دستور جديد للعمل والعمال، وتغيَّر التنظيم النقابى من التكوين الحر للحركة النقابية إلى نظام النقابات العامة التى تحدد عددها وزارة كونت باسم وزارة العمل ووضع على رأسها رئيس الاتحاد، وأصبح عدد النقابات العامة هو 59 نقابة وصدر القانون 62 لسنة 1964م الذى حقق تبعية الحركة النقابية للتنظيم السياسى.
وعندما تولى السادات قرر حل كل التنظيمات النقابية وتعيين وصىّ على كل نقابة لحين إجراء انتخابات جديدة.
هذه هى صورة عامة عن الحركة النقابية من سنة 1959م عندما كان عددها 59 نقابة إلى سنة 1964م عندما هبط عددها إلى 27 نقابة، وفى سنة 1967م أصبح عددها 21 نقابة، مما يصور مدى تبعية الحركة النقابية للتنظيم السياسى، وخلال هذه الفترة الطويلة تمكنت الوصولية الانتهازية من السيطرة على الحركة النقابية لدرجة أصبح تكرار انتخاب الأعضاء دورة بعد أخرى «بالتزكية» أمراً مألوفاً، وأصبحت القيادات النقابية قيادات معتقة واحتفظت بهذا التنظيم النقابى حتى بعد خروج أعضائها من إدارة الشركة لبلوغ سن المعاش، وفى الأيام الأخيرة كان اتحاد العمال أقوى ذيل للدولة فى النظام، وزادت قوته على قوة حزب الحكومة، وعندما قامت ثورة 25 يناير حاول الاتحاد أن يقوم بمسعى فى موقعة الجمل وقبض على رئيس الاتحاد ووزيرة العمل وهما يقومان بترتيبات ذلك إذ كان الأمر كذلك، فمن أعجب العجائب أن تترك حكومات الثورة القيادات النقابية العميلة على مقاعد النقابات العمالية.
آن للحركة العمالية الأسيرة التى كانت أول من قدم شهداء سنة 1952م وتناوب على حكمها عتاولة الاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى والحزب الوطنى حتى أمكن ارتكاب جرائم الخصخصة التى أعادتنا لعهد ما قبل طلعت حرب، وجعلت الاقتصاد القومى يتهاوى شيئاً فشيئاً حتى لم يعد الجنيه يعادل سوى سدس دولار، وعندما قامت الثورة تفاءلنا، خاصة وقد تولى زمام وزارة العمل أستاذ متخصص فى الدراسات العمالية والنقابية يندر وجوده هو أ. د. أحمد البرعى، وبدأ عملية تصفية العهد القديم، فثارت عليه من كل ناحية الفلول حتى استبعد فى أول تغيير وزارى. وجىء بوزير للعمل عضو فى حزب الحرية والعدالة والذى اتصل أخيراً بالدكتور البرعى وسأله هل من الممكن تعديل بعض نصوص القانون 35 لسنة 1976م قانون النقابات العمالية وإجراء الانتخابات وفقاً لهذه التعديلات، فأجاب الدكتور البرعى إجابة واضحة لا لبس فيها القانون 35 قانون غير دستورى ولا يجوز إجراء أى انتخابات وفقاً له.
ولكننا فوجئنا فى ليل بقيام الوزير دون استشارات الجهات المعنية بتقديم قانون بتعديل القانون 35 لسنة 1976م، ومد أجل الدورة النقابية ولجأ إلى اللف والدوران والتلاعب بالمواد بحيث إذا كان أعضاء مجلس إدارة المنظمة النقابية قد فازوا بالتزكية يستمر المجلس بمباشرة نشاطه ولو نقص عدد أعضائه إلى النصف فإذا كان العدد الباقى من الأعضاء لا يستكمل هيئة مكتب المنظمة النقابية يصدر الوزير المختص استكمالها بقرار منه.
ويؤكد هذا نص المادة الخامسة من مشروع القانون، فيفهم من النص أن الوزارة سوف تتوقف عن قبول أوراق أى نقابات مستقلة جديدة، وبذلك يكون القانون قد حرم التعدد النقابى.
وقد تماسك بفضل ضعف وعى قوى المجتمع حتى قامت ثورة 25 يناير سنة 2011م، وكان يجب أن يحل اتحاد العمال فوراً وأن يقبض على أعضائه جميعاً وأن يقدموا إلى المحاكمات التى تقتص منهم.
■ ■ ■
لا يتم هذا المقال إلا بكلمتين:
الأولى: أن لو كان لدينا فى الستينيات والسبعينيات حركة نقابية قوية لما حدثت مأساة تخريب الاقتصاد القومى ومأساة الخصخصة، ولما حدثت مآس كالقمح واللحم، ولما حدث أن يصبح الدولار الذى كان قيمته ربع جنيه يساوى ستة جنيهات.. إن الحركة النقابية هى جيش الشعب فى معركة الإنتاج والاقتصاد والقوة المالية.
الكلمة الثانية للإخوان المسلمين: نحن نقول لهم حذار، إنكم تقعون فى أسوأ ما تقع فيه الأحزاب، وما جعل الإمام حسن البنا يكرر دائماً «نحن وطنيون .. لا سياسيون.. ولا حزبيون»، لأن الصفة الفاضحة للسياسات الحزبية هى تقديم مصلحة الحزب على مصلحة الوطن، بحيث يتقدم الحزب ويتأخر الوطن، وكأنه لم يحدث شىء من 25 يناير حتى الآن إلا التقدم، ولكن إلى الوراء.
ليس لهذا قامت «الإخوان المسلمون».
gamal_albanna@yahoo.com