السياسة التي مزقت الوطن

الدكتور مصطفى النجار الأحد 25-11-2012 21:04

لا تفارقنا الأحلام الرومانسية التى داعبت قلوبنا طوال أيام الاعتصام الثمانية عشر بهدف إسقاط مبارك. كنا نعتقد أنه بمجرد تنحى مبارك ستنطلق مصر للأمام، وسيتكاتف الجميع مهما كانت اختلافاتهم كما تكاتفوا فى الثورة ليقودوا مصر للمستقبل المشرق الذى ينتظرها.

قالها لنا الرئيس المخلوع «أنا أو الفوضى»، وقالها عمر سليمان «ليس هناك أحد جاهز للوصول للحكم إلا الإخوان وإذا وصل الإخوان للحكم ستدفعون الثمن قاسيا وستعرفون كم كنا على حق»، كنا نستمع لهذا التخويف من رؤوس النظام السابق ونسخر منه ونعتبره تفزيعا بلا معنى لأن الديمقراطية تسع الجميع، ولأن الإخوان المسلمين بكل ما عانوه من قمع واضطهاد واستهداف أيام مبارك سيكونون أحرص الناس على الديمقراطية واحترامها وطمأنة الشعب المصرى ضد هذه المخاوف والهواجس التى كان يبثها النظام السابق لتشويه الإخوان ولتبرير بقائه فى الحكم على عكس إرادة المصريين.

ومنذ بداية الاستفتاء الدستورى الذى أعقب التنحى سلك الإخوان دربا مختلفا عن الروح التى أظهروها خلال أيام الثورة، وكانوا طرفا فاعلا فيها بداية من جمعة الغضب 28 يناير وحتى التنحى، أسأل نفسى باستمرار: هل تغير الإخوان؟ والإجابة جازمة: نعم تغير الإخوان بطريقة لم يتوقعها أحد.

ظل الإخوان من عقب الثورة ينظرون إلى الآخرين على أنهم متآمرون وحاقدون عليهم ولازمهم الشعور بالاستهداف والتربص الذى كانوا يعانونه خلال العقود الماضية، استبدل الإخوان خصمهم الطبيعى وهو الأنظمة الحاكمة بالقوى السياسية المختلفة معهم التى رأوها تريد القضاء على الإخوان وعلى المشروع الإسلامى الذى يتبنونه وبهذه النفسية من التمترس فقدوا الثقة فيمن حولهم إلا بعض الوجوه السياسية التى انطلقت تسبح بحمدهم، وارتضت أن تكون أذيالا لهم وأبواقاً للدفاع عنهم وتبرير ما يفعلونه فى كل المواقف.

لم يفرق الإخوان بين من ينصحونهم بإخلاص ويريدون خير هذا الوطن وبين كارهيهم الذين يتمنون اختفاء الإخوان من الوجود، اعتبر الإخوان أن كل نقد لهم هجوم عليهم وتربص بهم، لذلك فقد استطاعوا خسارة كل الأطراف الوطنية المعتدلة التى مدت أيديها لهم فى أوقات قاسية مثل انتخابات الإعادة الرئاسية، وظن الإخوان أن دعم السلفيين لهم والقوى المحافظة سيكون كافيا للسيطرة على الشارع المصرى.

دفع الإخوان ثمن الجمود الفكرى لقيادتهم وتنظيمهم الذى أهدر فرصة تاريخية فى صناعة التوافق وقيادة القوى السياسية فى معركة البناء، وقسّموا المجتمع الى معسكرين: معسكر مؤيد لهم ومعسكر معاد لهم، وانتقل هذا الشعور عمليا إلى الرئيس مرسى الذى أصبح الكثيرون يرونه رئيسا للإخوان وليس المصريين، وأثبت ذلك فى خطابه الأخير الذى ألقاه أمام مؤيديه من الإخوان الذين احتشدوا من المحافظات المختلفة، وبدا كأنه يحتمى بأهله وعشيرته.

مرة أخرى قد تكون هذه الفرصة الأخيرة للإخوان فى استعادة ثقة الشعب المصرى والقوى السياسية بعد أزمة الإعلان الدستورى الأخير. التراجع عن الأجزاء السلبية بالإعلان لن يمثل إهانة للرئيس ولا جماعته بل سيمثل تطبيقا راقيا لاحترام الشعب واحتواء المختلفين واستيعابهم.

يريد المصريون اليوم رئيسا يتراجع عن أخطائه ويقبل تقويم الناس له كما طلب منهم فى بداية توليه، نريد رئيسا يجمع المصريين لا يفرقهم، يحسن بهم الظن ولا يتهمهم أو يخونهم، الأمل معقود على عقلاء مخلصين ينصحون الرئيس والإخوان ويقولون لهم «اجمعوا المصريين ولا تتسببوا فى إراقة دمائهم وتمزيق صفوفهم»، هدانا الله لما فيه مصلحة الوطن.