لعل هذه الرسالة تصل مباشرة إلى الرئيس مرسى أو نائبه أو أحد معاونيه لينقلها إليه.. ليست هناك مهمة أمامك الآن أهم من استعادة وحدة الشعب المصرى الأزلية .. وإذا كان البعض يصر على أنه بقرارتك يوم 22/11 قد صرت فرعوناً، فلا ينبغى لفرعون حديث أن يهدم ما حققه كبير الفراعنة وأشهرهم مينا الذى وحد القطرين لتصير مصر شعباً واحداً عصياً على كل غاصب وطامع، فتأتى أنت بعد آلاف السنين لتشطرها ثانية، امتثالاً لرأى جماعتك الأممية الفاشية التى لا تعترف بالأوطان وحدودها ولا بالشعوب واختلافها.
لقد كان يوم الجمعة الماضى يوماً أسود فى تاريخ هذا الوطن، فرح به كل عدو له فى الخارج والداخل، وفرح به أذناب عصابة مبارك المجرمين فى كل مكان الذين يتربصون بالثورة العظيمة وينتظرون اللحظة المناسبة للانقضاض عليها وتصفية الحسابات مع الذين خلعوهم وألقوهم فى مزبلة التاريخ .. فهاهو الشعب المصرى المُتوحد منذ آلاف السنين ينقسم على نفسه ليصبح شعبين، يكره كل منهما الآخر ويتهمه بأقسى الاتهامات وأشنعها!
إن الشعب الذى خاطبته أمام قصرك فى اليوم التالى لقراراتك وشاهدته وهو يهتف لك ويُمجِد فيك بعد أن تم حشده كالقطيع من كل أنحاء مصر، كان يقف على الناحية الأخرى منه شعب آخر فى ميدان التحرير وفى كل محافظات مصر أكثر منه عدداً، لم يسقه أحد للنزول فهو الشعب الذى خرج فى يوم 25 يناير الخالد ليشعل الثورة على الطغيان والفساد بوعى عال وشعور وطنى جارف.. فهل ترضى سيادة الرئيس بأن يكون هذا الانقسام هو أهم إنجازاتك حتى الآن؟!
أخشى ما أخشاه ألا تكون مُنتبهاً وواعياً لما يمكن أن يكون لهذا الإنقسام من تأثير على حاضر هذا البلد ومستقبله، واعذرنى إذا ظننت أنك فعلا لا تدرى بعواقب تلك المصيبة التى يدفعك إليها إخوانك فى الجماعة. إننى أثق فى حُسن نيتك ورغبتك فى أن تنهض بمصر من كبوتها وتبدأ السير فى طريق الأمم الناهضة، بل أثق فى قدرتك على ذلك، ولكن هل يمكن أن ينهض مجتمع مُنقسم على نفسه وكاره لبعضه البعض هكذا؟ هل ستعتمد على جماعة إخوانك (المحظورة قانونياً حتى الآن) فقط لتحقيق النهضة التى تحلم بها للوطن ياد.مرسى، لتحقق نبوءة مبارك اللعين «أنا أو الإخوان»؟!
لقد أظهرت جماعتك وأنصارها وذيولها ممن هم على شاكلتها منذ ظهورهم القوى على الساحة السياسية، بعد أن أتاحت لهم الثورة العظيمة فرصة الاندماج مع مختلف القوى الوطنية للعمل معاً من أجل الوطن، أظهروا فشلا ذريعاً على جميع المستويات وفى كل المواقع التى حصلوا عليها سواء بانتخابات تاجروا فيها بالدين استغلالا لحالة الفقر والجهل التى يرفل فيها أكثر من نصف الشعب المصرى، أو بتعيينات تخرج بأوامر من مكتب إرشاد الجماعة الذى يرغب فى السيطرة والاستحواذ على كل المناصب فى أسرع وقت ممكن استغلالاً لفرصة قد لا تأتى ثانية! لم تظهر منهم عقلية واحدة ذات فكر جديد وجرىء ومُبدع، وهو المتوقع ممن تربوا على السمع والطاعة وتقبيل الأيادى والذقون وكراهية الثقافة والفنون وكل صور الإبداع والتفكير الحر والاجتهاد.
لقد كنت أتمنى أن تخاطب شعبك كله من مكتبك يوم الجمعة لا أنصارك المحشودين أمام قصرك، وكنت أتمنى أن تذكر فى خطابك ما تُطمئن به شعبك كله وليس فقط جماعتك وجماعات الإسلام السياسى الوهابية والجهادية.. لقد كان إعلانك الدستورى صادماً حتى وإن وافق البعض على جزء مما فيه وتفهم الأسباب التى اضطرتك إليه، ولكن كان عليك، إذا كنت تبتغى فعلا وحدة شعبك وإعداده لمرحلة نهضة وانطلاق، أن تُحسم قضية اللجنة التأسيسية للدستور بالأمر مثلا بتشكيل لجنة مُصغرة من خبراء دستوريين ثقات فقط، يقومون بمراجعة المواد الفاسدة فى دستور 71 ويسترشدون بما تم من مناقشات طوال الخمسة شهور الماضية ويقدمون لنا فى خلال شهر على الأكثر دستورا يليق بمصر فى القرن الواحد والعشرين، يُستفتى عليه الشعب ثم تجرى الانتخابات بعد ذلك مباشرة.. وكان عليك أن تعيد تشكيل وزارة الخيبة القائمة الآن بما يحقق دخول كفاءات حقيقية قادرة على الإبداع والابتكار وليس مجرد موظفين، بغض النظر عن اتجاههم السياسى ودياناتهم ومظهرهم طالما يدينون بالولاء لهذا الشعب ويؤمنون بالأهداف العظيمة لثورته. ربما لو كنت قد فعلت ذلك ياد.مرسى لصدق الشعب المصرى بأنك رئيس لهم جميعاً، وليس لجماعة طامعة فى تحقيق مشروع سياسى فاشى فاشل باستغلال الدين والتجارة به.. ليتك فعلت هذا يارجل.
ملحوظة: كنت أسأل نفسى دائماً أى وسط يعنيه من يسمون أنفسهم «حزب الوسط» لصاحبه أبوالعلا ماضى، إلى أن عرفت الآن أنهم «وسط» مابين الإخوان والسلفيين ! فشكراً للظروف التى جعلتنا نعرف من هم.