الجمعية العمومية الطارئة التى تعقدها نقابة الصحفيين بعد غد هى فرصة أخيرة لإنقاذ الصحافة من أخطار عديدة تحدق بها. وهذه الأخطار تأتى من أكثر من جهة. وأول هذه الأخطار تشريعى خاص بالتضييق على حرية الصحافة فى مشروع الدستور الجديد، بما جعلها تفقد مكاسب حققتها فى عصر الرئيس المخلوع، الأمر الذى دفع مجلس نقابة الصحفيين إلى إعلان انسحابه من الجمعية. وثانى الأخطار يتعلق باستمرار تبعية الإعلام للسلطة الحاكمة، وهذا الأمر يبدو واضحا فى أداء الصحف القومية، زاد منه التدخل المباشر فى شؤون الصحف، ولدينا هنا حالة صارخة وهى المتعلقة بقرار غير قانونى صدر بوقف جمال عبدالرحيم، رئيس تحرير «الجمهورية»، وتعيين آخر كقائم بأعماله، ورفض تنفيذ أحكام القضاء المتعلقة بعودته إلى عمله.
ولدينا أيضا تصريحات شبه يومية تخرج على لسان المهندس فتحى شهاب، رئيس إحدى لجان مجلس الشورى، المشكوك فى شرعيته القانونية، لأن المحكمة الدستورية ستفصل فى استمراره من عدمه، الأسبوع بعد القادم، وشرعيته السياسية لأنه جاء فى انتخابات لم يشارك فيها سوى 7% فقط ممن لهم حق التصويت. وتحليل خطاب المهندس فتحى شهاب يؤكد أنه يعتبر نفسه «رئيس مجالس إدارات» كل الصحف القومية، وهو ما يعنى أحد أمرين: إما أنه يتغول على سلطات مجالس إدارات المؤسسات الصحفية جميعاً، أو أنه لم يكلف نفسه عناء قراءة القوانين التى تنظم الصحافة فى مصر، خاصة الأبواب التى تتحدث عن سلطات مجالس الإدارات وعن دور مجلس الشورى، فضلا عن كل ذلك فإن مسؤولية مجلس الشورى عن المؤسسات هى مسؤولية اللجنة العامة بكامل أعضائها وليس أحد أعضائها فقط وهو فتحى شهاب.
ومن أخطر ما قاله أنه طلب من رؤساء المؤسسات أن يقترحوا أسماء لتعيينها فى الجمعيات العمومية ومجالس إدارات المؤسسات الصحفية، أى أنه يعطى لرئيس مجلس الإدارة صكاً على بياض للانفراد بالرأى والاستفراد بالسلطة، فأى تطوير حدث للمؤسسات فى عصر فتحى شهاب عن عصر صفوت الشريف؟!
والخطر الثالث له علاقة بما يلوكه لسان فتحى شهاب يوميا، وهو استمرار الممارسات المنبوذة، التى تتعارض مع مواثيق الشرف الأخلاقية فى بعض الصحف المملوكة للدولة، وهو ما يعنى أن الوضع المتأزم لهذه المؤسسات وإصداراتها سيظل على حاله، بما يؤثر على أوضاع آلاف الصحفيين العاملين فيها، ويؤكد أن تغييرا جوهريا لم يحدث فيها، فمازالت المؤسسات تدار بصورة فردية وليس لمعظم الإصدارات مجالس تحرير، كما ينص القانون واللائحة النموذجية التى يشير إليها كثيرا فى أحاديثه، ومازال الخلط بين التحرير والإعلان مستمرا، ومازال الصحفيون يمارسون عمليات جلب الإعلانات بموافقة ودعم من مؤسساتهم.
أى أن الثورة مازالت لم تصل إلى الصحف حتى الآن، بل إن أوضاعها ساءت عما كانت عليه قبل الثورة، فالحزب الوطنى المنحل كان أكثر مهنية فى التآمر عليها والتدخل فى شؤونها، أما الآن فنحن نواجه نظاما غشيما فى التعامل مع الصحافة، وهذا الأمر تثبته كل مراحل تعامله مع الملف الصحفى من تغيير رؤساء التحرير ومجالس الإدارات إلى تشكيل المجلس الأعلى للصحافة، الذى تندر فيه الكفاءات الصحفية وليس من بين الشخصيات العامة فيه من هم مهمومون بالحريات الصحفية، إلى التهديد بحل الجمعيات العمومية ومجالس الإدارات، فضلا بالطبع عن تغييب أى حصانة لحريات الصحافة فى مسودات الدستور التى تخرج عن الجمعية التأسيسية.
وكل هذه المخاطر يجب ألا يقف الصحفيون منها موقف المتفرج. وهنا تأتى أهمية أن يعلن الصحفيون موقفهم الجماعى من التهديدات التى تواجه مهنتهم، وهو ما يعنى أن عليهم أن يحتشدوا فى الجمعية العمومية غير العادية، من أجل الوقوف فى وجه الأخطار المتعددة التى تواجه المهنة، وهى ليست قليلة، وكما حارب الصحفيون فى معركة القانون 95 سيئ السمعة سوف يحاربون فى معركتهم الجديدة، وبالتأكيد سينتصرون لأنهم يقفون مع حركة التاريخ، أما خصومهم فهم يقفون ضدها.