ها نحن نقترب من تمام الخمسة شهور منذ إعلان تولى د. مرسى مسؤولية رئاسة جمهورية مصر كأول رئيس مدنى مُنتخب انتخاباً حُراً وشرعياً. كثير ممن انتخبوا الرجل - وأنا منهم - لكونه ينتمى بشكل ما إلى الثورة المصرية العظيمة التى ترفض بشكل قاطع عهد الفساد والاستبداد والتخريب الذى كان، وليس باعتباره ممثلا لجماعة الإخوان المسلمين.
يقولون بأن الرجل ورث تِركة مُثقلة بالمشكلات الجِسام والأوضاع المُتدنية فى جميع المجالات وبشخصيات باهتة عديمة الكفاءة ترعرعت فى زمن المحسوبية والرشوة والتعليم الهابط، واعتلت الصفوف الثانية والثالثة فى معظم الوزارات والهيئات والمؤسسات.. وقد يقول آخرون بأن فترة خمسة شهور غير كافية ولا عادلة للحكم على أداء رئيس.
فى رأيى الخاص فإنه قد يكون لبعض من هذا الكلام وجاهته، ولكن الشىء المؤكد الذى لا يختلف عليه اثنان فى هذا البلد ممن هم من الثوار الحقيقيين والوطنيين المُخلصين المهمومين بقضايا الوطن الكبرى، هو أننا نسير فى الطريق الخطأ الذى قد يؤدى بنا فى نهاية المطاف إلى كوارث ومِحن لا يعلم مداها إلا الله، وأننا وصلنا إلى حالة من الانقسام والتشرذم والضعف والتردد والخوف تجعلنا غير قادرين على اتخاذ أى إجراء جذرى لتصحيح الأوضاع المُنهارة القائمة واكتفى النظام باتباع نفس السياسات الساقطة للعهد البائد بواسطة وجوه جديدة ذات ذقون، وجعلت من أرض مصر ومياهها وبحارها مطمعاً لكل مُدعٍ متطرف أو حاقد جاهل أو محترف نهب وسرقة.
هناك ثلاثة أمثلة واضحة وضوح الشمس لما أقول: الأول ما يحدث على حدود مصر الشرقية وسيناء إلى الدرجة التى اضطرت رئيس تحرير «الأهرام» أن يكتب مقاله الأسبوعى تحت عنوان «بعد أن سقطت سيناء»!.
والثانى هو ما تتواتره الأنباء عن العمل المستمر وبأقصى سرعة فى بناء سد أثيوبيا الذى ستكون نتائجه وخيمة على شعب مصر وأرضها نظراً لما سوف نعانيه من شُح فى الموارد المائية التى تمثل عصب الحياة والطاقة لنا!
والثالث هو ما يجزم به العديد من العلماء الكبار - وتنكره حكومة قنديل - بأن موارد هائلة للغاز الطبيعى فى باطن البحر المتوسط داخل حدودنا التجارية يتم استنزافها بواسطة دول أخرى فى المنطقة !
هذه مجرد أمثلة لقضايا مهمة ومصيرية، لم نر موقفاً عملياً واضحاً حازماً شفافاً لحكومة السيد قنديل تجاه أى منها. إن اللوم كل اللوم يجب أن يُوجه فى رأيى إلى رئيس الجمهورية قبل أى شخص آخر.. فبغض النظر عن أى ضغوط ممكن أن تكون واقعة عليه، فإن حبه لمصر وخوفه عليها وقسمه بأن يحافظ على أمنها وسلامتها ووحدتها ومصالح كل من يعيش على أرضها، كان يُحتم عليه أن يفى بكل ما تعهد به أمام شعبه، سواء فى برنامجه الانتخابى أو ما وقَع عليه فى وجود صفوة من قوى الثورة المصرية وقياداتها الذين دعموه ووقفوا إلى جانبه قُبيل إعلان فوزه رسمياً .
إننى لن أتحدث عن وعوده الانتخابية بشأن التعليم والصحة والبحث العلمى وغيرها من الوعود التى لم يتحقق منها شىء، بل ولم يقترب منها أحد من الحكومة التى اختار هو رئيسها وأعضاءها، بل ساروا على خُطى نظام مبارك وعصاباته، ولكنى أذكر الرئيس - والذكرى تنفع المؤمنين - بتعهده بتولية منصب رئيس الوزراء لشخصية وطنية قوية ذات مقدرة وكفاءة وبُعد نظر، يستطيع أن يكون وزارة محدودة العدد من ذوى الكفاءات العالية والعقلية الثورية التى تؤمن بالحلول الجذرية غير التقليدية لمشاكلنا، فإذا به يُفاجئنا بالدكتور هشام قنديل الذى هو - مع كل الاحترام لشخصه - لا ينطبق عليه شرط واحد مما اُتفق عليه، وكانت نتيجة اختياراته تلك الحكومة كبيرة العدد قليلة الإنتاج مترددة الأداء، احتل فيها أهل الثقة من حزب الحرية والعدالة ومُحبى الإخوان ومُريديهم النصيب الأكبر منها بديلاً عن أهل الخبرة والكفاءة.
وأصبح هم هذه الحكومة العرجاء وشغلها الشاغل هو الانصياع لرغبات الجماعة ومُرشدهم فى تمكينهم من السطو على المراكز القيادية أينما كانت وفى أسرع وقت ممكن! لقد تعهد الرئيس أيضاً بأن يكون رئيساً لكل المصريين، ولكن للأسف الشديد لم نسمع منه مرة واحدة انتقاداً للغو حديث وآراء متطرفة تصادمية وطائشة للعديد من قيادات إخوانه فى حزب الحرية والعدالة أو ممن يتعاطفون ويُنسقون معهم من غُلاة أتباع الإسلام الوهابى بأفكاره المتخلفة.
لقد جاء بالأخبار يوم 16/11 أن حرم الرئيس حضرت اجتماعاً جماهيرياً لحزب الحرية والعدالة بالشرقية باعتبارها عضواً فيه، فقامت بشجاعة وانتقدت أحد قيادات الحزب وعضو مجلس الشورى قائلة إن لهجته المثيرة المتطرفة لا تعبر عن رأى الحزب، وأنه ما هكذا يُخاطب الشعب الذى عانى طويلاً من الجوع والحرمان.. فهلا فعلت مثلها يا د. مرسى، والتصريحات الطائشة المغرورة وغير المُنضبطة التى تخرج من أفواه قيادات إخوانك وحلفائهم الوهابيين، تتطاير حولنا ليل نهار، فلم نسمع منك كلمة واحدة تنتقدها بوضوح وعلانية وتُحدد فيها موقفك من هذا الهراء! السيد الرئيس.. إلى متى ستصبر على قِنديلك وحكومته وحزبك وخيبته، يا من أقسمت بأن تكون رئيساً لكل المصريين؟