صيد الساحرات

خالد السرجاني الخميس 11-10-2012 21:27

لا يمر يوم إلا وتنقل لنا وسائل الإعلام أنباء عن القبض على أشخاص بتهمة ازدراء الأديان. وبلغ الأمر حد اتهام أطفال يجهلون القراءة والكتابة القيام بهذا العمل، فضلاً عن ذلك فإن تلميذاً فى إحدى المدارس اتهم مدرسته بازدراء الأديان وتم القبض عليها وحبسها. وهناك أشخاص يتهمون جيرانهم بازدراء الأديان بما يعنى أن الادعاء الكيدى أصبح وسيلة للتشهير بالأشخاص باتهامهم بتهم يرفضها المجتمع، وهى تهم لا يمكن إثباتها، ومن الصعب نفيها فى ظل المناخ الراهن المتربص بكل صاحب رأى أو موقف، الأمر الذى يعنى أننا سندخل فى متاهة سنظل ندور فيها دون أن نفيد ديننا بشىء، لكن المجتمع نفسه سيدخل إلى حالة من حالات الانحطاط الحضارى والفاشية- وقاه الله منها.

وما يشهده المجتمع المصرى من هوس وحرب يعتقد خائضوها أنها مقدسة تتمثل حالياً فى بلاغات موجهة ضد مختلفين فى الرأى باعتبارهم من المزدرين للأديان- يشبه إلى حد كبير ما كان يجرى فى العصور الوسطى من التفتيش فى نوايا الناس وأطلق عليه مسمى مطاردة الساحرات، بحجة أنهن يمارسن الشعوذة والسحر الأسود دون أى أدلة مادية ولكن عبر بلاغات كيدية من جيران أو أعداء أو باحثين عن الشهرة أو مدعى الفضيلة. وهو الأمر الذى كتب عنه المؤلف المسرحى الراحل آرثر ميللر واحدة من أفضل مسرحياته وهى «البوتقة: أو ساحرات سالم» وفيها عرج إلى التاريخ لكى يقدم نقداً قوياً لمطاردة الساحرات فى أمريكا المعاصرة عبر لجنة الكشف عن الأنشطة المناهضة التى أخذت اسماً إعلامياً هو المكارثية. ولكن نضج المجتمع الأمريكى، ووجود نخبة قوية وقفت ضد فاشية اليمين، أوقف هذه المهزلة وحافظ على واحدة من أهم قيم المجتمع الأمريكية المتعلقة بحرية الضمير، التى ضمنها الدستور الأمريكى بتعديلاته المختلفة.

ومن أسف أننا لم نصغ دستورنا حتى الآن، ولكن طيور الظلام التى تعشش فى مجتمعنا، تريد أن تشغله عن القضايا المهمة، بالجرى وراء الساحرات لصيدهن. وهم يريدون أن يضعوا فى الدستور مادة حول ازدراء الأديان من أجل تقنين عمليات الصيد التى يمارسونها الآن كتدريب على ما هو آت، خاصة أن التهمة نفسها فضفاضة وتحمل أكثر من تأويل، ويبدو مما يحدث حالياً من جر المواطنين إلى النيابات على خلفية هذه التهمة أنها تقوم على نزع كلام من سياقه وتحميله مفاهيم حول الدين، بما يؤكد أنها عملية تفتيش فى الضمائر أكثر من أنها تهمة جنائية محددة يمكن التعامل معها بانضباط. وهو ما يعنى أن شخصية وكيل النيابة أو المحقق أو القاضى عليها عامل كبير فى إدانة مواطن ما أو تبرئته من التهمة فضلاً بالطبع عن المناخ العام، وهو ما يضع عبئاً جديداً على جهازنا القضائى فى وقت لم نبدأ فيه عملية تشريع استقلال القضاء.

والذى أتعجب له هو أنه فى ظل العدالة البطيئة فى مصر، تشغل النيابات نفسها بقضايا يبدو من أول وهلة أنها كيدية أو أنها غير جديرة بالتحقيق، مثل اتهام أطفال أميين قصر بإهانة المصحف، ثم اتخاذ قرارات مشددة بالحبس الاحتياطى، لنجد بعد ذلك أن معظم التهم فارغة من المضمون، فهل هناك دغدغة من قبل النائب العام لعواطف الحكم الحالى والقوى السلفية المتحالفة معه، وبالتالى أصدر تعليمات بالتوسع فى التحقيق فى هذه التهم، أم أن تشريعات جديدة صدرت حول هذا الموضوع لم نعلم عنها شيئاً؟

إن ما يجرى حالياً ليس علامة على تدين المجتمع أو على الخوف على الدين، وإنما هو علامة مرضية سوف تحصد ثمارها الأجيال الجديدة، خاصة أن الاهتمام الإعلامى الذى تحظى به هذه القضايا قد يدفع محبى الشهرة من المواطنين إلى التوسع فى البلاغات الكيدية التى يمكن أن تتطور فى المستقبل إلى نزاعات طائفية نحن فى غنى عنها.