على مدى سنين مرت من عمر هذا الوطن أصبحت المجالس العرفية هى وسيلة الإصلاح وإطفاء نار الفتن الطائفية بين أبناء الوطن الواحد مسلمين ومسيحيين، ولكن الحقيقة أن النار لم تكن تنطفئ، بل كنا نقوم باخفائها وإبعاد لهبها قليلاً عن المجتمع، بينما هى مستعرة فى القلوب وتنتظر لحظات الاندلاع لتشب مرة أخرى.
كلنا بشكل أو بآخر خضعنا لقانون الواقع وارتضينا أن نسكت عن إهدار القانون وإسقاط معنى الدولة لكى نحقن دماء تكاد تسيل وأرواحاً ستزهق إذا لم نرتض ذلك، كنا نبرر لأنفسنا ونقول هذه قوة الواقع وطبيعته ولابد من الامتثال لما تمليه الظروف حفاظاً على سلامة أرواح المواطنين المستضعفين الذين عجزت الدولة عن حمايتهم.
لكننا يجب أن نعترف بأننا ساهمنا جميعاً فى التعايش مع قوة الواقع وشريعة الغاب التى انتهجت منهج العقاب الجماعى كطريقة للانتقام كما كانت القبيلة فى الجاهلية تدفع ثمن خطأ أحد أبنائها.
تكرار السيناريو من مكان إلى مكان يؤكد أننا نسير فى الاتجاه الخاطئ وأننا نقوم بتلغيم الوطن شبراً شبراً، فحادثة دهشور ومن قبلها العامرية وأطفيح وغيرها تؤكد أن الاحتقان موجود وقابل للاشتعال وفى كل مرة نعيد استخدام نفس أدوات النظام السابق للتعامل مع الفتنة دون أن نقترب من التغيير الحقيقى والحل الكامل.
لن يرهب الناس إلا إعمال القانون وسيادته على الجميع بلا استثناء، وتغليظ العقوبة فى الجرائم ذات البعد الطائفى والتحريض الدينى، إذا تم تطبيق القانون والعقوبات المغلظة مرة واحدة عبر محاكمات عاجلة وعادلة، سيرتدع الجميع ويفكر ألف مرة قبل التورط فى جرائم تحريض طائفى تنتهك فيها الحرمات وتزهق فيها الأرواح ويهجر فيها الناس عن بيوتهم.
استعادة هيبة الدولة وإظهار بأسها - عبر آليات العدالة - سينقذ الوطن من خطر التلغيم الطائفى الذى ينتقل من مكان إلى مكان آخر كل يوم، يجب ألا نسمح لأنفسنا مرة أخرى بأن نكون شركاء فى الجريمة عبر التعامل معها بنفس الحلول والأدوات القديمة التى أوصلتنا لهذا الحال المشين.
يجب ألا نشارك فى تقديم المسكنات التى قد تهدئ الأمور قليلا، ولكنها تقر الظالم على ظلمه والمجرم على جرمه والمتطرف على تطرفه، مهما كانت دوافع بعض الأحداث التى تبدأ بشكل شخصى بعيداً عن اللون الطائفى ثم تأخذ الصبغة الطائفية فإنه لم يعد مقبولاً أبداً إنكار حقيقة الأزمة، وتكرارها بنفس الشكل يدل على أن وقت الحلول الجذرية قد حان بلا تراجع مهما كانت كلفته.
استمرار الشعور بالاضطهاد والاستضعاف النفسى والتخلى المجتمعى سيضاعف مشاعر القمع الداخلى، وسينفجر المقموع يوماً فى وجه الجميع بكل عنف وشدة، ليخرج من نفسه تراكمات سنين طويلة من الشعور بالاضطهاد والاستهداف.
لا تلوموا من سينفجر فى وجه المجتمع كافراً بالدولة التى أنتمى إليها ولم يجد نفسه فيها مواطناً تحميه هذه الدولة. أنقذوا الوطن فالحريق شب والنار تقترب والجميع فى خطر.