قدم المنتخب الألماني عروضًا قوية ضمن منافسات بطولة كأس الأمم الأوروبية، لتنتشر في أرجاء البلاد سيارات مزينة بالأعلام، وآلاف المشجعين المتحمسين أمام شاشات عملاقة، والصحافة تكرر كل يوم أن ألمانيا هي المنتخب الأفضل في أوروبا، ما تسبب في إيقاظ موجة من الوطنية الألمانية.
الماضي النازي المخجل يجعل أي شرارة من الحماس الوطني بمثابة قضية محرمة حتى أعوام قليلة مضت، وقالت صحيفة «داي زيت» الأسبوعية، تحت عنوان «الوطنية في بطولة أمم أوروبا: حبي الخطير لألمانيا»، إن الألمان فخورون ليس فقط بشفاينشتايجر ورفقته، وإنما بأنفسهم على وجه الخصوص.
ومع شعوره بالدهشة إزاء حمى الأعلام التي تجوب البلاد، ونجاح فكرة الشاشات العملاقة مثل تلك الموجودة عند بوابة براندنبورج في برلين، التي تستضيف طيلة البطولة 2.5 مليون شخص، يطلق مؤلف المقال رسالة تحذير قائمة على دراسة لعالمة الاجتماع داجمار شيدفي.
وأجرت الخبيرة مقابلات مع عدد من الجماهير الألمانية لمعرفة محفزات مساندتهم للمنتخب، وتوصلت إلى نتيجة مفادها «ما يقود الأغلبية ليس هو الرغبة في الاحتفال أو الاستمتاع، بل متعة إظهار الانتماء لبلد ما، بعد أعوام كان فيها من السيئ القيام بذلك».
وكتبت شيدفي «مونديال 2006 كانت له طبيعة الخروج من الدولاب الوطني بحق، تحول الشعور الوطني من قضية محرمة مرتبطة بالنازية، إلى احتفال ينظر له بعين الرضا، ولا يتوقف عن الانتشار ساعدت في ذلك حملات مثل أنت ألمانيا، تعرضت في مهدها للانتقاد».
وتعكس عناوين مثل «ميركل تستمتع وتفوز» أو «الآن لا يمكن لأحد إيقافنا» أو «لا يوجد لدى الإسبان ما نخشاه»، ذلك الحد الواهن بين الرياضة وشيء آخر، كما تعكسه أيضا هتافات مثل «النصر.. النصر»، الشعار النازي الذي خرج من المدرجات الألمانية في بعض مباريات بطولة الأمم الأوروبية.
وتشغل القضية أيضا السياسة الألمانية، حيث تمثل القومية دومًا موضوعًا حساساً، قبل البطولة قام شباب «حزب الخضر» بنشر ملصقات كتبوا عليها «وطنية.. لا شكرًا».
ويقول الحزب «نعم إننا وطنيون، وهناك أمور أخرى تهمنا أكثر من ألمانيا ببساطة: الحريات الفردية، الحقوق الاجتماعية، أو السؤال عما إذا كانت الأجيال القادمة ستتمكن من العيش على هذا الكوكب».
الأمر الغريب هو أن الحمى الوطنية موجهة إلى المنتخب الألماني «الأقل ألمانية» في التاريخ، نحو نصف الفريق الذي استدعاه يواخيم لوف جذوره أجنبية أمثال جيروم بواتينج وسامي خضيرة ومسعود أوزيل ولوكاس بودولسكي وماريو جوميز ليسوا إلا أمثلة قليلة على لاعبين يحملون أسماء أو وجوهًا غير ألمانية، ومع ذلك، أبقت كرة القدم دوما على علاقة وطيدة مع الهوية الوطنية الألمانية.
ومنحت كرة القدم أيضا السعادة الأولى لبلد لايزال يعاني دمار الحرب وعار المذابح النازية عام 1954، عندما فاز المنتخب الألماني ببطولة كأس العالم في سويسرا، بالفوز في النهائي على المجر المرشحة، في مباراة أطلق عليها «معجزة برن».
ويختلف ذلك المنتخب تمامًا عن نظيره الألماني الذي وصل إلى بطولة الأمم الأوروبية في بولندا وأوكرانيا وهو مرشح للقب.
وتفخر القوة الأوروبية الأولى بأنها واحة خارج الأزمة الاقتصادية، وصاحبة الأمر مجددًا على باقي أوروبا.
وبعد مباراتين فقط ، سيعرف إذا ما كانت كرة القدم لاتزال توقظ ذلك الفخر الوطني، أم أنها ستوقفه هذه المرة بسبب نتيجة غير متوقعة.