حصلت «المصرى اليوم» على مستندات تدل على تخصيص الأراضى فى مدينة القاهرة الجديدة، وقت تولى الدكتور محمد إبراهيم سليمان وزارة الإسكان فى أوائل التسعينيات من القرن الماضى، بما يخالف قراراً لمجلس الوزراء، الذى كان يتولى رئاسته وقتها الدكتور عاطف صدقى، خاصاً بوقف تخصيص الأراضى فى المدينة نفسها، والتى تعد إحدى أهم 3 مدن «تدور» حولها اتهامات للوزير السابق، بتخصيص قطع أراض فيها بالمخالفة للقانون، سواء بتخصيص أراض بأقل من ثمنها أو تخصيصها دون مقابل وفقا للتحقيقات الأخيرة فى قضية سليمان.
وقالت مصادر مطلعة كانت تتعامل مع سليمان وقت توليه الوزارة التى كان اسمها وقتها وزارة التعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة إن المستند الأول صادر عن رئاسة الوزراء فى 18 أكتوبر 1995، بتوقيع المستشار أحمد رضوان وزير شؤون مجلس الوزراء والمتابعة، وكان موجها إلى الدكتور محمد عمر عبد الآخر، محافظ القاهرة وقتها، يقول فيه: الأستاذ محمد عمر عبدالآخر، محافظ القاهرة، تحية طيبة وبعد، أتشرف بالإحاطة بأن مجلس الوزراء نظر بجلسته المنعقدة بتاريخ 18 أكتوبر 1995، موضوع تخصيص الأراضى الصحراوية المملوكة للدولة المقترحة لإنشاء مدينة جديدة تسمى مدينة القاهرة الجديدة وقرر ما يلى:
- تأجيل الموضوع إلى جلسة قادمة.
- قيام الدكتور مهندس وزير الدولة للمجتمعات العمرانية الجديدة، بوقف عمليات بيع الأراضى الصحراوية المملوكة للدولة والمقترحة لإنشاء مدينة القاهرة الجديدة اعتبارا من 18 أكتوبر 1995، ودراسة كيفية رد المقدمات التى تم تحصيلها من المشترين، إذا كان عقد البيع يسمح بذلك.
- تشكيل لجنة من سيادتكم، والمهندس/ وزير النقل والمواصلات والمشير/ القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، والدكتور/ وزير قطاع الأعمال العام، ووزير الدولة للتنمية الإدارية وشؤون البيئة، والدكتور/ وزير الإدارة المحلية، والمهندس/ وزير الإسكان والمرافق، والدكتور/ وزير الدولة للمجتمعات العمرانية الجديدة، والدكتور محافظ الجيزة، لدراسة مشكلة المجتمعات العمرانية الجديدة حول مدينة القاهرة الكبرى، فى ضوء عدم قدرة المدينة على استيعاب المزيد من السكان وتقديم الخدمات اللازمة لهم، والعجز فى الوحدات السكنية لمحدودى الدخل، وإتاحة المواقع المناسبة لإقامتها، وعدم التعدى على أراضى الدولة فى القاهرة والجيزة، والاستفادة من الاستثمارات التى أنفقت فى مناطق المجتمعات العمرانية الجديدة، ومستحقات شركات التعمير عن أعمالها فى تلك المناطق، وعدم التصرف فى أراضى الدولة قبل تخصيصها.
واختتم القرار بأن تستعين اللجنة بمن ترى من الأساتذة والخبراء فى هذا المجال، وعرض تقريرها على اللجنة الوزارية للإنتاج والخدمات الإنتاجية تمهيدا للعرض على مجلس الوزراء.
وتم بالفعل تشكيل اللجنة من بعض الخبراء وأساتذة التخطيط العمرانى والتشييد، وأشارت اللجنة فى قرارها التى حصلت «المصرى اليوم» على نسخة منه إلى أن كل المدن الجديدة فى القاهرة الكبرى، زادت كتلتها العمرانية بعدد من الأفدنة «المعقولة» وفقا لقرارات هيئة المجتمعات العمرانية عام 1995، ما عدا مدينة القاهرة الجديدة، حيث زادت الكتلة العمرانية لـ6 أكتوبر من 12 ألفاً و376 فداناً إلى 22 ألفا، والشيخ زايد من 3738 فداناً إلى 8 آلاف فدان، والشروق من 4500 فدان إلى 9 آلاف، والعبور من 5 آلاف فدان إلى 12 ألفا، وبدر من 3450 فداناً إلى 8450 فداناً، أى كانت الزيادة الضعف تقريبا فى المدن السابقة، أما القاهرة الجديدة فزادت من 5860 فداناً إلى 38 ألفا، وهى المساحة البعيدة تماما عن المخطط الرئيسى للتجمعات الرئيسية «الأول والثالث والخامس»، وهو ما جعل اللجنة توصى بتقليل عدد الأفراد على الفدان من 102 شخص إلى 24 فقط.
ووفقا لذلك أصدرت محافظة القاهرة تقريرا يشير إلى أن تقليل عدد الأشخاص على الفدان الواحد فى القاهرة الجديدة، يعنى أن الشريحة الاجتماعية والاقتصادية المستهدفة من ذوى الدخل المرتفع، وبحساب تقريبى وفقا لقرار المحافظة فإن القاهرة الجديدة، قد تشكل عند تعميرها حركة لمليون سيارة وسيزيد معدل السيارات فى القاهرة، وعلى هذا الأساس قررت المحافظة، أن يتم تنفيذ التجمعات العمرانية حول الطريق الدائرى فقط وهى بالترتيب الأول والخامس والثالث، كما هو معتمد فى المخطط العام الهيكلى فى إطار الواقع السكنى والخدمى لإقليم القاهرة الكبرى، ويلزم قبل التفكير فى إنشاء تجمعات أخرى أكبر حجما استكمال تنفيذ المخططات السابقة للتجمعات التى تم تخطيطها حول القوس الشرقى للطريق الدائرى، كما يلزم احترام تخطيط الحزام الأخضر بين التجمعات والطريق الدائرى بالأنشطة المقترحة به ولضمان عدم التحام الكتلة السكنية للتجمعات مع الطريق الدائرى أو الكتلة العمرانية داخل الطريق الدائرى.
ولم ينفذ سليمان قرار مجلس الوزراء، أو توصيات خبراء اللجنة التى تشكلت بناء على توصية المجلس أيضا، حيث قام بتخصيص 45.6 فدان بمدينة القاهرة الجديدة فى 29 أكتوبر 1995 حصلت «المصرى اليوم» على المستند - لشركة متكو للاستثمار، بما أعد وقتها تحدياً واضحاً لقرار المجلس، حيث لم يمر بضعة أيام على قراره بوقف تخصيص أراض فى المدينة، وجاء نص خطاب التخصيص بما يلى:
السيد / شركة متكو للاستثمار:
بالإشارة إلى الطلب المقدم من الشركة لحجز موقع بمدينة القاهرة الجديدة وإلحاقا لكتابنا بهذا الشأن بخصوص حجز مساحة 50 فداناً بالمدينة، نفيدكم بأنه تمت الموافقة المبدئية على حجز الموقع الموضح بالرسم المرفق بمساحة 45.6 فدان، والعبرة بالمساحة النهائية المسلمة على الطبيعة.
يرجى استكمال مقدم الحجز إلى 25% من إجمالى قيمة الأرض التى تبلغ 21 مليوناً و67200 جنيه، وذلك فى موعد أقصاه 20 نوفمبر 1995 لاستكمال باقى الإجراءات.
وذيل قرار الهيئة بإمضاء نائبها للشؤون الفنية وكان وقتها المهندس ثروت طلعت ناشد، وظهر من قيمة الأرض المبينة فى القرار أن المتر الواحد تم تخصيصه بنحو 110 جنيهات فقط.
وأكدت المصادر أن سليمان استمر فى تخصيص الأراضى فى المدينة بالمخالفة للقرار الذى لم يلغ حتى الآن- حيث منح الجامعة الأمريكية 250 فدانا لمقرها الجديد، مشيرة إلى أنه اجتمع بعدها مع الدكتور عبد الرحيم شحاتة والمستشار ماهر الجندى والمستشار أحمد صبرى البيلى محافظى القاهرة والجيزة والقليوبية، وحصل على «توقيعهم» على «خريطة» عام 1997 حصلت «المصرى اليوم» على صورة منها- أصدر فى ضوئها قرارا وزاريا باعتماد المخطط بعيد المدى لإقليم القاهرة الكبرى،
بالرغم من أنه لا يوجد فى القانون رقم 3 لسنة 1982 الخاص بالتخطيط العمرانى تعريف يسمى بعيد المدى سواء للمدينة أو الإقليم، وفى الوقت نفسه، وفقا للقانون، فإن الوزير المختص بالتعمير يصدر القرار الوزارى باعتماد التخطيط العام طبقا للإجراءات اللازمة والمحددة فى المادة 3 من الباب الأول من القانون بالعرض على المجالس الشعبية بالمحافظات، مع وجود لجان استماع توافق على المخطط، وليس توقيع أو موافقة المحافظين.
وأوضحت المصادر أن هذا القرار يعد مخالفا للقانون بصورة واضحة، مشيرة إلى أن نص القرار الذى حمل رقم 330 لسنة 1997 جاء فيه بعد ديباجة القوانين المعروفة، وموافقة محافظى القاهرة والجيزة والقليوبية بتاريخ 3 / 8 / 1997، على مخطط التنمية بعيد المدى لإقليم القاهرة الكبرى حتى عام 2017 واعتمادنا بذات التاريخ، على مذكرة الدكتور / رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للتخطيط العمرانى، فى هذا الشأن، تقرر اعتماد مخطط التنمية بعيد المدى لإقليم القاهرة الكبرى حتى عام 2017 وفقا للخريطة المرفقة التى أعدتها الهيئة العامة للتخطيط العمرانى بالاشتراك مع الأجهزة المعنية بمحافظات الإقليم.
وفى عام 2000 أصدر رئيس الجمهورية قرارا رقم 191 لسنة 2000 باعتماد مدينة القاهرة الجديدة من مناطق المجتمعات العمرانية الجديدة وفقا لأحكام القانونين رقمى 59 لسنة 1979 و7 لسنة 1991 المشار إليهما الأراضى المملوكة للدولة ملكية خاصة والبالغ مساحتها 66 ألفا و915 فدانا والواقعة شرق الطريق الدائرى واللازمة لإنشاء التجمعات الأول والثالث والخامس (مدينة القاهرة الجديدة) والموضحة على الخريطة.
ولفتت المصادر إلى أن هذه المساحة تتنافى تماما والتخطيط الأساسى للتجمعات الثلاثة والتى كان إجمالى مساحتها 5860 فدانا، وأصبحت بعد التعديل الأخير 38 ألفا، مشيرة إلى أن سليمان لم يوضح فى قراره لرئيس الجمهورية قرار مجلس الوزراء بوقف التخصيص فى القاهرة الجديدة، ولم يشر إلى المساحة النهائية وفقا للمخطط الأخير لها وهو ما يعد «تدليسا» على رئيس الجمهورية وفقا للمصدر.
وأشارت المصادر إلى أنه بعد هذا القرار، منحت شركة المقاولون العرب 11 ألف فدان، حيث كانت الدولة مدينة لها بمبالغ كبيرة، إضافة إلى 8 آلاف فدان لمجموعة طلعت مصطفى بقيمة زهيدة مقابل أن تحصل الوزارة على 7% من الوحدات التى سيتم بناؤها على مدى 20 عاما.
وأوضحت المصادر أنه استمرارا لقرارات مجلس الوزراء التى لم ينفذها سليمان، كان القرار رقم 1056 لسنة 2003 الخاص بإنشاء الشركة القابضة للمجتمعات العمرانية، والذى جاء فى 13 مادة خلال تولى الدكتور عاطف عبيد رئاسة الوزراء، وقرر فى مادته الأولى تحويل أجهزة المدن بهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة إلى شركة قابضة تسمى (الشركة القابضة للمجتمعات العمرانية).
وأوضحت المادة الثالثة أن تحل الشركة القابضة محل أجهزة مدن هيئة المجتمعات العمرانية الحالية فى صافى حقوق ملكيتها وتؤول إلى الشركة القابضة جميع الحقوق العينية والشخصية لهذه الأجهزة التى تحددها.
وحددت المادة الخامسة نقل المشروعات التى تم تنفيذها حتى 30/6/ 1996، إلى جهاتها الأصلية المستفيدة خلال3 شهور من تاريخ صدور هذا القرار وفقا لما انتهى إليه مجلس الوزراء بتاريخ 11/11/ 1998، وتنقل المشروعات التى تم تنفيذها اعتبارا من 1/7/1996 إلى جهاتها الأصلية المستفيدة وفقا لما تنتهى إليه اللجنة التى تشكل لهذا الغرض من ممثلى الهيئة والجهاز المركزى للمحاسبات ووزارة المالية وبنك الاستثمار القومى والجهات الأصلية المستفيدة.
وجاءت باقى المواد لتحدد النطاق المالى للشركة وهيكلها الإدارى، إلا أن القرار لم يتم العمل به حتى بعد خروج سليمان من الوزارة، وتولى المهندس أحمد المغربى خلفا له.
واستمرارا لتخصيص الأراضى فى القاهرة الجديدة، بعد قرار رئيس الوزراء حصلت «المصرى اليوم» على جدول يوضح أسماء الشركات والهيئات التى حصلت على أراض فى المدينة وعددها 85 جهة من بينها جهات سيادية، وجاء إجمالى الأراضى المخصصة لهذه الجهات 8 آلاف و336 فداناً، منها شركة الفطيم للاستثمار بمساحة 669 فدانا التى أرسلت لها وزارة الإسكان منذ نحو شهرين - أى نهاية 2009 تقريبا- إنذارات بسحب الأرض منها بعد تأخرها فى تنفيذ مشروعها، خاصة أن الأرض موقعها متميز للغاية، ولم تسدد حتى هذا الوقت قيمة الأرض، وشركة رسلان بمساحة 12.13 فدان، وشركة القطامية للاستثمار السياحى بمساحة 335 فدانا، وصندوق العاملين بالمقاولون العرب (32.5 فدان) وموديكا وصاحبها الدكتور خالد عبدالناصر (16 فدانا)، وكونكورد (58.2 فدان).