في الميثولوجيا الإغريقية، يَطْلُب «زيوس» كبير الآلهة من «أبيمثيوس» وأخيه «بروميثيوس» بناء الأرض وخلق البشر والحيوانات والأنهار من أجل أن تُقام الحَياة. وفي حين استخدم «أبيمثيوس» كل قدراته من أجل منح الحيوانات صفات مُختلفة عن بعضها البعض، كان البَشَر عند «بروميثيوس» مُتشابهين. لكن «بروميثيوس» أعطى البشر ما هو أهم من التنوع: بعض الصفات الإلهية التي لم تُمْنَح لغيرهم! ورغم أن «زيوس» سخط على «بروميثيوس» بسبب هذا وعاقبه، إلا أن اليونانيين قَدَّسوه واعتبروه أحد أكثر رموزهم خلودًا.
تبدأ الأحداث في فيلمِ «ريدلي سكوت» في وقتٍ غير واضح على الأرض، ربما منذ ملايين السنين. حيث يظهر أحد الأشخاص الذين يشبهون البَشَر، ولكنه يبدو أكثر ضخامة وقوَّة منهم. يذوب هذا الشخص في المشهد الأول. لكنه يَظهر مرَّة أخرى في الفضاءِ عام «2093»، حين تَذْهَب البعثة التي تدور حولها قصة الفيلم في رحلة لاكتشافِ أصل الحَياة على الأرض.
وبَين المَشهد الأول وتِلك النُّقطة من الفيلم هُناكَ رِحلة.. رحلة بَحث تُطرح فيها أسئلة بلا إجابات.. رحلة يكتشف فيها «سكوت» الصلة بين الميثولوجيا الإغريقية عن بدء الخليقة وشِعر «جون ميلتون» عن «الفردوسِ المَفقود» من ناحية، وبين كوابيسه الشخصية التي أرَّقته لسنوات عن الهوية وأصل الوجود من ناحية أخرى.
يتتبع «سكوت» فريق من العُلماء وَجَد مَخطوطات على الجُدران الأثريَّة القديمة تُشير نحو الفضاء. وبتمويلٍ من ملياردير لَديه هَوس باكتشافِ حقيقة الوجود، تبدأ رحلة العلماء إلى كَوكب بعيد في مَكُّوك «بروميثيوس».
بدو الرحلة مشابهة في الكَثير من تفاصيلها لفيلم «Alien»: نفس أجواء السفينة الفضائية ونفس طاقمها: علماء ومهندسون وقائد أسود وإنسان آلي. الأكثر من ذلك أن تفاصيل الكوكب البعيد تبدو متشابهة تماما مع كوكب «Alien»، لتصبح النصف ساعة الأولى من الفيلم وكأنها إعادة شبة تفصيلية لمفتتح شاهدناه قبل ثلاث عقود.
السيء في الأمر، والمُحبط أيضًا، ليس عدم وجود إجابات، لكن أن«سكوت» أخذنا في رحلة طويلة، بأسئلةٍ كُبرى، وفي النهاية لم نكتشف شيئًا جديدًا على الصعيدين الفلسفي والفنّي. أجواء قاتِمة على الكوكب؛ حَركة بَطِيئة للترقُّب؛ كائنات غريبة يُحاول البشر استكشافها قبل أن تهاجمهم وتقضي عليهم.. ما هو الجديد إذن عن «Alien»؟ لا شيء! الفارق الحقيقي هو دَهشة المُشاهدين وخوفهم حين شاهدوا ذلك لأولِ مرة، وإحساسهم بالملل والرتابة مع تكراره بعد ثلاثين عاما.
الإيقاع يتحسن في جزء تال من الفيلم. لكن تظل الأحداث متوقعة: هُجوم الكائنات الغريبة على البَشَر، ثم تَسَمُّم أحد أفراد الطَّاقم بفيروس الغرباء، ثم إقامته علاقة جنسية مع رفيقة له على المكوك، ثم حملها لجنين يحمل صفات الوحش الفضائي. هنا يُقدّم «سكوت» واحدا من أفضل التتابعات في العَمل. ففي مَشهد عظيم، نرى الفتاة وهي تجري لنفسها عملية كي لا تحتفظ بهذا الكائن داخِلها.
ين الأسئلة الكبرى التي دعت «سكوت» في بادئ الأمر إلى إطلاق رحلة «بروميثيوس»؟ واحد من تلك الأسئلة يرتبط بكون تلك الكائنات الشبيهة بنا لها نفس الـ«DNA» الخاص بالجنس البَشري. لكن «سكوت» لم يربط هذا بأي استنتاج أو نظريَّة واضحة، ربما لأنه يُمَهّد لجزءٍ قادِم، ورُبمَا لأنه لم يَملك أكثر من بعض المُقدّمات اللافتة دون وجود أي رؤية.
السؤال الآخر يتعلق بالعَدَو – «الآخر» في هذا الجزء – الذي يَراه روَّاد السفينة بعد رحلة مُرهقة، وهو شَخص يحمل نفس السمات الشكلية للبشر، ولكنه أضخم كثيرًا، غير مَحدود القوى، ويقترب في قدراته من الآلهة في الأساطير اليونانية.
هذا الآخر ربما يكون قد بدأ الحياة على الأرض. لكن الأكيد أن هذا «الوَحش» هُوَ نَحن. «الآخر» هنا ليس كائنًا فضائيًا مُتخيَّلا، بل يَحمل نَفس صورتنا.
في تَتابع حَركة وإثارة جَيد الصنع، يُهاجم هذا «الأرضي» روَّاد السفينة ويَقتل أغلبهم دونَ سبب واضح. لكننا لا نفهم علاقة هذا التصادم الدموي بأسئلة الفيلم الكبرى عن الهويَّة والوجود. العلاقات تائهة والمعاني غائمة. إذ يَبدو أن تتابعات الحَركة المُثيرة قد جَعلت «سكوت» يَضِل الطريق الذي بدأه بأسئلة وهواجس وأفكار، لكنه له ينهه برؤية تحمل مضمونا فلسفيا ذو دلالة.
«بروميثيوس» فيلم مُهم لأنه واحد من الأفلام القليلة التي تعاملت مع الخيالِ بجديَّة منذ وقت طَويل، وبطريقة تُتِيح التأمُّل في تاريخ الفِئَة كاملا. لكنّه في المُقابل يَعد بأكثر كثيرًا مما يَمتلك.. فرحلة البحث عن بدءِ الحياة والفردوس المَفقود التي حَضَّر لها «سكوت» لسنوات لم تَصِل في النهاية إلى شيء!