استمراراً لسلسة الأزمات السياسية التى عاشتها الكويت خلال السنوات الـ6 الماضية، والتى أسفرت عن استقالة 7 حكومات وحل مجلس الأمة «البرلمان» 4 مرات، دخلت الكويت، الأربعاء ، منعطفاً سياسياً جديداً بعدما قضت «المحكمة الدستورية» ببطلان انتخابات البرلمان الحالى، الذى تسيطر عليه المعارضة الإسلامية والقبلية، وإعادة المجلس السابق الذى حله الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح فى ديسمبر الماضى، فى سابقة دستورية وقضائية اعتبرتها المعارضة «انقلاباً على الدستور»، مهددة بالنزول للشارع، بينما توقع محللون اللجوء إلى إجراء انتخابات نيابية جديدة كمخرج للأزمة الجارية، بعد إعلان كتلة المعارضة فى البرلمان المنحل استقالتها منه.
جاء قرار المحكمة الدستورية بعد أن علق أمير الكويت الاثنين الماضى عمل البرلمان لمدة شهر، إثر تصاعد حدة الخلاف بين الحكومة وأعضاء البرلمان، مع مطالبة المعارضة بمنح 9 من نوابها مناصب وزارية فى الحكومة، وقبل استجواب مزمع لوزير الداخلية الشيخ أحمد حمود الصباح بشأن قانون الجنسية، وهو موضوع حساس فى دولة الكويت، التى تطبق معايير صارمة فى هذا الشأن.
وعقب صدور قرار «الدستورية» حذر مراقبون من أن يؤدى القرار لتصعيد التوتر وإخراجه من نطاق قبة البرلمان، موضحين أن الناخبين الذين دعموا وصول الإسلاميين إلى البرلمان لن يرحبوا بقرار المحكمة، فى ظل اتهام عدد من نواب البرلمان السابق بالفساد. وقال الدكتور شفيق الغبرا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت لصحيفة «الشرق الأوسط» الخميس، إن قرار المحكمة الدستورية «أدخل الكويت فى مأزق سياسى، وهو يعكس إشكالات كبيرة فى طريقة صنع القرار فى البلاد»، وحذر الغبرا من عودة الصراع السياسى إلى الشارع، قائلاً: «سيرتفع سقف المطالب، ما قد يمهد لمواجهة لم تكن ضرورية»، وتوقع الغبرا أن يتم اللجوء لحل المجلس السابق، الذى تم انتخابه عام 2009، بعد فترة قصيرة من انعقاده بسبب المآزق السياسية والدستورية التى ستواجهه، ومنها إيجاد شرعية لعمل الحكومة الحالية، التى يتعين عليها التقدم مرة أخرى لنيل الثقة من المجلس، بعد أن كانت حصلت عليها من مجلس تم إسقاط شرعيته، وكذلك خروج نواب المعارضة - 16 نائباً - الذين يمثلون أقلية داخله عبر الاستقالة. وأمهلت المعارضة، الأربعاء الحكومة الكويتية يوماً واحداً لبحث الأزمة، وهددت بالتصعيد والنزول للشارع، وقال النائب الإسلامى وليد الطبطبائى إن «جميع الخيارات مفتوحة أمام المعارضة بما فيها العودة لقواعدها الشعبية والنزول لساحة الإرادة»، التى شهدت احتجاجات ضد الحكومة العام الماضى. وأشار الطبطبائى، إلى أن قرار المحكمة استبق جلسة للنواب كانت مخصصة لتعديل قانون المحكمة الدستورية «بحيث تتشكل المحكمة من 3 أطراف هى: مجلس الأمة، ومجلس القضاء، والحكومة»، معتبراً أن الحكم ينطوى على «شبهة أو أغراض تقف وراءه».
كان الأمير الكويتى قد حل برلمان 2009 بعد أن شنت المعارضة حملة لعزل رئيس الوزراء السابق ناصر المحمد الصباح، إثر فضيحة فساد وتلقى رُشاوى تورط فيها نحو 15 نائباً، أعقبها قيام متظاهرين ونواب باقتحام المجلس، مطالبين بالإصلاح. وأسفرت الانتخابات التى جرت فى فبراير الماضى عن فوز ساحق للمعارضة بقيادة الإسلاميين والقبليين، حيث فاز الإسلاميون بـ34 مقعدا من أصل 50، بينهم 21 نائباً قبلياً معارضاً. وحقق الإسلاميون السنة من تيار «الإخوان المسلمين» والتيار السلفى والمقربين منهم، الانتصار الأبرز، إذ انتزعوا 23 مقعدا مقارنة بـ9 مقاعد فى البرلمان السابق، ويضاف إلى هؤلاء 5 إسلاميين من الشيعة.
ورأى محللون فى نتيجة تلك الانتخابات «عقاباً» من الناخبين للحكومة السابقة المتهمة بالفساد، وانعكاساً لتزايد تأثير القبائل التى بات «رأس حربة» المعارضة، حيث قال المحلل السياسى عايد المناع إن فوز المعارضة «هو فوز لالتقاء الإسلاميين والقبائل على معارضة الحكومة».
كان الإسلاميون من أبرز الداعمين للحراك الشعبى الذى قادته مجموعات شبابية ناشطة العام الماضى وطالبت عبره بإصلاحات جذرية تصل إلى حد تعديل الدستور وقيام إمارة دستورية. وبينما كتبت صحيفة «القبس» فى افتتاحيتها التى أعقبت إعلان نتائج انتخابات 2012 أن «السلطة هى أول الخاسرين، وهذا ناتج أولاً من الأداء المتردى للحكومات المتعاقبة على مدى سنوات: غياب الرؤية وانعدام القرار، وفساد ومحاباة، وعدم قدرة على العمل السليم»، يمكن القول بإن القوى الإسلامية هى الخاسر الأكبر من قرار المحكمة الدستورية الأخير، حيث فقدت «الحركة الدستورية الإسلامية» (الإخوان المسلمون)، 3 نواب من كتلتها فى مجلس2012 وعادت إلى نائبين فقط فى مجلس 2009، كما فقدت «كتلة العمل الشعبى» منصب رئيس المجلس، بالإضافة إلى مقعد لأحد نوابها، فيما فقد التجمع الإسلامى السلفى أحد مقعدين فى المجلس المنحل.
وتأتى الأزمة السياسية الحالية فى الكويت فى ظل تصاعد مخاوف دول الخليج من صعود القوى الإسلامية فى المنطقة، على غرار ما حدث فى دول أخرى، إثر تأثرها برياح «الربيع العربى»، وهو الأمر الذى برز من خلال تصريحات أدلى بها مؤخراً الفريق ضاحى خلفان، قائد شرطة دبى، حيث اتهم جماعة «الإخوان المسلمين» بأنها تسعى للحكم فى بلدان الخليج، معتبراً أن «البداية ستكون فى الكويت عام 2013»، وتوقع خلفان أن «يستمر زحف الإخوان على السلطة حتى عام 2016، ليحوّلوا بلدان الخليج إلى ملكيات دستورية»، بينما أكد القيادى فى جماعة «الإخوان» بالكويت عضو «الحركة الدستورية الإسلامية» محمد سالم راشد فى إبريل الماضى أن التخوفات من تهديد الإسلاميين لمدنية الدولة «غير صحيحة»، وشدد على أن «الإخوان فى دول الخليج متراضون مع أنظمتهم السياسية ويؤمنون بالإصلاح السلمى»، لكنه طالب بسرعة التغيير والإصلاح، محذراً من «قرب رياح الربيع العربى من البلاد».