كشفت الأحداث الصاخبة والفاصلة التى عاشتها مصر، مساء أمس الأول، حول تدهور الحالة الصحية للرئيس السابق حسنى مبارك، وتواتر أنباء عن وفاته إكلينيكياً، عن استمرار غيبوبة الإعلام الرسمى فى مصر، وفشله فى متابعة الأحداث بمهنية، خاصة «تليفزيون الدولة»، ممثلاً فى قنواته الرئيسية وفى مقدمتها «الفضائية المصرية والأولى والثانية والنيل للأخبار»، ففى الوقت الذى استحوذ فيه الخبر على اهتمام العالم والمحطات الفضائية ووكالات الأنباء، وتابع عدد منها نقله إلى مستشفى المعادى العسكرى، ظل التليفزيون المصرى بقنواته المختلفة على عهده مع المشاهدين يتجاهل الحدث.
وفيما كانت قناة «الحياة» تنقل مباشرة عملية نقل مبارك من مستشفى سجن طرة إلى مستشفى المعادى العسكرى، وتحاول قنوات أجنبية مثل«CNN» و«BBC» و«sky news العربية»، وغيرها استجلاء حقيقة الخبر من خلال إجراء اتصالات بمصادر مقربة من الحدث وأخرى طبية متخصصة، كانت الفضائية المصرية تبث فيلماً تسجيلياً طويلاً عن محميات مصر الطبيعية وجمالها الخلاب وفى مقدمتها محمية رأس محمد، حيث الأسماك الملونة، فيما اهتمت قناة النيل بمباريات بطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم «يورو 2012»، لمدة ساعة كاملة من الثانية عشرة مساء إلى الواحدة من صباح اليوم التالى، رغم أن هذا التوقيت كان ذروة اهتمام الفضائيات بخبر حياة مبارك أو وفاته، أما القناة الأولى فاكتفت بعرض خبر وفاة مبارك سريريا، نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط. المثير للدهشة أنه فى الوقت الذى كان ينتظر فيه الناس بياناً رسمياً فى الخدمات الإخبارية، التى تقدمها القناة الأولى بالتليفزيون الرسمى وانتظروا حصاد 24 ساعة وكانت المفاجأة أن الخبر الأول مليونية التحرير والثانى مظاهرة الإسكندرية والثالث تظاهر العشرات أمام مجلس الشعب، ليأتى خبر مبارك فى الترتيب الرابع ليكشف مدى ابتعاد العاملين فى البرنامج عن الموضوعية والمصداقية حيث استضاف الخبير الأمنى «سامح سيف اليزل»، الذى ليست له أى صفة رسمية، ليقول على الهاتف «إن الرئيس السابق تعرض لوعكة صحية، وتقرر نقله لمستشفى المعادى، لكنه لم يمت لا سريرياً ولا إكلينيكيا»، وفور استقرار صحته سيعود للسجن فى طرة.
تجاهل خبر تدهور صحة مبارك لم يكن باعثه الاهتمام بأخبار أخرى قد يبرر القائمون على الإعلام أنها ذات أهمية، إذ تجاهلت إدارة القنوات الرسمية الأحداث المشتعلة فى التحرير والإسكندرية وعدد من المحافظات واندلاع المظاهرات التى تندد بالإعلان الدستورى المكمل ومنح سلطات الضبطية الفضائية لأفراد الشرطة العسكرية والمخابرات والأمن الوطنى.
التخبط والتردى فى متابعة الحدث فى القنوات التليفزيونية الرسمية، لم يكن الأوحد إذ تزامن معه تخبط آخر من وكالة أنباء الشرق الأوسط، التى أعلنت فى تقرير لها خبر وفاة «مبارك» ثم عادت لتكذبه على لسان مصدر عسكرى، وهو ما يؤكد تكامل نظرة الإعلام الرسمى لانتظار الأوامر فى نشر الأخبار. الخبير الإعلامى ياسر عبدالعزيز، قال إن الطريقة التى تم تناول خبر تدهور صحة مبارك بها تعكس هشاشة الوضع الإعلامى فى مصر على مستويين، أولهما غياب أى قدرة تعبيرية للحصول على معلومات مهمة من مصادرها بسبب عدم وجود ثقافة المعلومات فى مصر وعدم وجود قانون لتداولها وعدم إيمان المسؤولين بأهمية تقديم المعلومات اللازمة لإجلاء الغموض عن القضايا التى تهم الرأى العام، والثانى يظهر أولا فى بث وكالة أنباء الشرق الأوسط خبراً نقلاً عن مصدر غير معلوم دون إعلان قاعدة التثبت من مصدرين للدولة وترك الجمهور يعتمد على مصادر واحدة.
الدكتور صفوت العالم، الأستاذ بإعلام القاهرة، رئيس لجنة تقييم الأداء الإعلامى باللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، أكد أن هناك أمرين مهمين فى الموضوع، الأول هو التسرع فى نشر الخبر دون التثبت من مصداقيته، مشيرا إلى أن الأخبار الدقيقة يجب أن تعتمد على أكثر من مصدر لتأكيد ارتفاع درجة مصداقيتها، والثانى يتمثل فى درجة أهمية الخبر، على حد تعبيره، لافتًا إلى أن الخبر مرتبط بسياق سياسى معين تزامن مع صحة الرئيس وأحداث أخرى أهمها نتيجة الانتخابات والجمعية التأسيسية ومظاهرات التحرير، كل هذا يعطى أهمية لسياق الخبر وأهمية الحدث، أما تأخر إذاعة الخبر فيرتبط بأهميته، بالطبع فأهمية الخبر بعد خلع مبارك تقل عن أهميته وهو فى السلطة، وكان من الأولى أن تدقق وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية فى الخبر، لكن السؤال المهم هو: ما موقف العسكر وما المصدر الذى اعتمدت عليه الوكالة حيث لم يرد فى الخبر أن المصدر من الدرجة الأولى؟