شيعت المملكة العربية السعودية، الأحد جنازة الأمير نايف بن عبدالعزيز، ولى العهد، الذى وافته المنية السبت عن عمر يناهز 79 عاماً أثناء تواجده فى رحلة علاج فى جنيف، وأقيمت صلاة الجنازة بعد صلاة المغرب فى المسجد الحرام بمكة المكرمة، بمشاركة أفراد الأسرة الحاكمة وأبناء الشعب السعودى وآلاف المعتمرين وعدد من القادة والمسؤولين العرب، قبل أن يتم نقل الجثمان إلى مثواه الأخير ودفنه بمقبرة العدل بمكة المكرمة.
وبذلك يكون الأمير نايف هو أول ولى عهد سعودى، والثالث من أبناء الملك عبدالعزيز، الذى يدفن فى مكة المكرمة.
وكان كبار القادة العرب والدوليين قد أعربوا عن تعازيهم للملك عبدالله عقب إعلان وفاة الأمير نايف، بينما صدرت الصحف السعودية الأحد بعناوين سوداء.
وفتح إعلان المملكة العربية السعودية وفاة ولى العهد وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز، الذى كان يعالج فى أحد المستشفيات بجنيف، الباب مجدداً على صراع ولاية العهد داخل العائلة الحاكمة فى المملكة، التى تعتبر أهم مصدر للنفط فى العالم.
وعلى الرغم من أن أغلب المحللين يعتقدون أنه لن يتم اختيار الأمير سلمان بن عبد العزيز (76عاماً)- أحد أبناء مؤسس السعودية عبدالعزيز بن سعود- ولياً للعهد، فإن القرار النهائى ربما يتوقف على هيئة البيعة التى يتم استدعاؤها للمصادقة على قرار الملك عبدالله.
وكان العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد شكل فى عام 2007 «هيئة البيعة»، المكونة 35 أميراً من أبناء وأحفاد الملك عبدالعزيز، لتتولى مهمة اختيار ولى العهد. وعلى عكس الملكيات الأوروبية فإن الخلافة السعودية لا تكون من الأب للابن الأكبر، لكنها تتحرك بين الإخوة من أبناء ابن سعود. ويقول محللون إن القرار الأكثر صعوبة فى خلافة المملكة سيكون عندما ينتهى أبناء ابن سعود، وأن يصبح لزاماً على الأحفاد اختيار ولى للعهد.
والأمير نايف هو من الأشقاء الـ7 «السديريين» الذين أنجبهم الملك المؤسس عبدالعزيز من زوجته الأميرة حصة السديرى. وكان نايف (79عاماً) قد تولى منصب ولى العهد أواخر أكتوبر 2011، خلفاً لأخيه الشقيق الأمير سلطان الذى توفى عن 86 عاماً فى أحد مستشفيات نيويورك. ومنذ مرض الأمير سلطان يبدو أن حدة التنافس فى أوساط الأمراء الكبار قد تصاعدت، حيث بدأ كل جناح يعزز مواقعه، ويتطلع إلى الوصول إلى مواقع أعلى حال شغور أى منها. وكان الأمير طلال بن عبدالعزيز أحد إخوان العاهل السعودى قد أثار جدلاً نادراً بالسعودية حول الخلافة بعد تعيين الأمير نايف نائباً ثانياً لمجلس رئيس الوزراء آنذاك، وطالب بـ«ضرورة أن يتحول هذا المنصب (الذى يجعل من الذى يشغله فى الدرجة الثانية من حيث أحقية الخلافة) إلى منصب لتصريف الأمور».
ويقول الباحث السياسى السعودى حمزة الحسن إن وفاة نايف بعد نحو 7 أشهر من وفاة شقيقه «أضعفت التيار السديرى». وأضاف أن «الأقرب للحدوث هو أن الصراع على السلطة سيزداد خاصة من التيارات التى قمعت، مثل الأمير طلال والأمير متعب وأبناء الأمير مشعل الذين يبحثون عن دور أكبر فى السلطة»، وتابع قائلاً إن «الإشكالية الكبرى أن الأمراء الكبار متقاربون فى السن، وبالتالى فإن الموت المتكرر لا يجعل مسألة الخلافة أو حتى مسألة الاستقرار النفسى والأمنى ممكنة».
وكان الأمير نايف، الذى شغل منصبى وزير الداخلية والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، قد بنى قوة أمنية هائلة سحقت تمرد تنظيم «القاعدة» فى السعودية وكل شكل من أشكال الخروج على الأسرة الحاكمة. وبالنسبة لليبراليين، كان الأمير نايف «الوجه الصارم للمؤسسة المحافظة» التى تعارض أى خطوات حقيقية نحو الديمقراطية وتمكين المرأة من حقوق أكبر، فقد كان يشرف على هيئة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» التى كانت تواجه انتقادات، وظل لسنوات وزيرا للداخلية التى سجنت نشطاء سياسيين دون توجيه اتهامات، لذا خشى الليبراليون من أن تؤدى خلافته للملك عبدالله إلى وقف الإصلاحات التى بدأها شقيقه الأكبر فى المملكة.
وكان الأمير نايف يعتبر أقرب من كثير من إخوته إلى المؤسسة الوهابية المتشددة، التى ساهم دورها فى دعم والده خلال بناء المملكة أوائل القرن العشرين. ونتيجة لذلك، تمتع الأمير الراحل بقبول أفضل من جانب رجال الدين الذين يعززون شرعية الأسرة الحاكمة. وفى الأشهر المنصرمة، حرصت أجهزة وزارة الداخلية على عدم انطلاق مظاهرات مماثلة لما يجرى فى بعض البلدان العربية، وتقدم الأمير نايف بالشكر علناً للسعوديين نظرا لعدم تجاوبهم مع دعوات للتظاهر أطلقها ناشطون محليون. وقالت برقية للسفارة الأمريكية تعود إلى عام 2009 نشرها موقع ويكيليكس: «يعتبر الأمير نايف على نطاق واسع محافظاً متشدداً غير متحمس لمبادرات الملك عبدالله الإصلاحية على أفضل تقدير»، لكن دبلوماسيين سابقين وصحفيين محليين وأعضاء فى الأسرة الحاكمة وصفوا الأمير نايف بأنه رجل أكثر مرونة فى أحاديثه وتعاملاته الخاصة.
ومن غير المحتمل أن يؤدى تعيين ولى عهد جديد إلى تغير موقف المملكة من السياسة الخارجية والمحلية، لكن وريث الملك عبدالله الجديد سيواجه مجموعة تحديات كبرى عندما يصبح ملكاً، حيث تشهد السعودية نموا سكانيا سريعا واقتصادا يعتمد بشدة على صادرات النفط، كما تواجه أيضاً تهديدا من «القاعدة» ومنافسة إقليمية مع إيران.
وينظر إلى الأمير سلمان بن عبدالعزيز، المرجح اختياره وليا للعهد، على أنه أكثر اعتدالاً من أخيه نايف. حيث يقول روبرت جوردان، سفير الولايات المتحدة السابق فى الرياض: «يبدو بالنسبة لى أنه قادر على تحقيق توازن دقيق لدفع المجتمع للأمام بينما يحترم تقاليده وأساليبه المحافظة».
ويتولى الأمير سلمان الآن وزارة الدفاع بعد أن ظل حاكما للرياض لما يقرب من 50 عاما، ويعرف عنه فى الأسرة السعودية الحاكمة أنه ورع لكنه منفتح على الخارج نسبياً. ويقول عنه مصدر مقرب من الأسرة السعودية الحاكمة: «شخصية متوازنة ومعتدلة للغاية».