مثل كل التحولات الكبرى التى تشهدها الثورات عبر التاريخ، تمر مصر بمنعطفات حاسمة خلال المرحلة الراهنة من عمر الثورة. المشهد السياسى الراهن زاخر بالكثير من التفاصيل: «انتصارات، وإخفاقات، وقتل، وفوضى، ومحاكمات، ومليونيات، وغضب، واتهامات بين جميع الأطراف» ما أوقع الكثير من المصريين، ثواراً وفلولاً، إسلاميين ومدنيين، مثقفين وبسطاء، أغنياء وفقراء، فى غياهب الشكوك والالتباس، وغابت الرؤى الواضحة، والأفكار التى تحدد ملامح المستقبل، ولم يعد أحد يستطيع أن يقرأ المشهد بهدوء، من أجل الوصول إلى شكل الدولة التى نتوق إلى بنائها من جديد على أساس من الحرية والكرامة والمساواة.
فى هذه الحوارات التى تجريها «المصرى اليوم» مع شخصيات تمثل مختلف المشارب والانتماءات والأفكار، فمنهم مثقفون وفنانون وسياسيون وثوار وأساتذة وشخصيات عامة نحاول من خلالهم قراءة وتحليل المشهد السياسى والاجتماعى الراهن، ونستشرف معهم سيناريوهات المستقبل: مخاوفه وأحلامه، تحدياته ومعاركه، فى محاولة للإجابة عن السؤال الأصعب على الإطلاق: مصر إلى أين؟
رغم الاكتئاب والإحباط اللذين يصيبان الشارع المصرى الآن نتيجة حكم المحكمة على مبارك وأعوانه، وبسبب انحصار الاختيار فى انتخابات الرئاسة بين الإخوان والحزب الوطنى المنحل، إلا أن الدكتور فاروق الباز شديد التفاؤل ويرى أن مصر تذهب إلى ما هو أفضل، وأن كل ما يحدث هو توابع الزلزال الكبير «ثورة يناير»، وأن مرحلة الرئاسة المقبلة أيا من كان على رأسها لن تستمر أكثر من 4 سنوات، وهى مدة يراها الدكتور فاروق الباز غير كافية لتغيير صبغة وهوية مصر، لكنها كافية فقط لوضع البلاد على أول الطريق الصحيح، وأكد أنه فور انتخاب الرئيس الجديد سيحشد أعوانه وتلاميذه ومحبيه للضغط عليه ليجعل للتعليم والبحث العلمى الأولوية القصوى.. وإلى نص الحوار:
■ دكتور فاروق فى البداية دعنى أسألك إلى أين تتجه مصر؟
- مصر تتجه إلى استقرار وازدهار وخروج من سنوات الخمول التى عاشتها، ربما لن يتحقق ذلك قبل 10 سنوات، لكننا بدأنا ولن تعود العجلة مرة ثانية إلى الوراء.
■ كيف تقرأ تداعيات الحكم على مبارك وأعوانه ونزول الناس إلى الميدان للتعبير عن الغضب والتأكيد على مطالب جديدة؟
- الحكم على مبارك، هو حكم القضاء، وعلينا أن نقبله. لقد أساء مبارك لشعب مصر وسمعتها عالمياً، وعليه أن يتقبل حكم الشعب على سنوات الخمول، التى حكم فيها مصر.. وأرى أن التداعيات التى تلت النطق بالحكم والنزول إلى الميادين ليست بسبب الحكم على مبارك، لكن لعدم إدانة الآخرين معه، ولعدم شعور الناس بتحقيق العدل منذ قيام الثورة، ولا بتحقيق الكثير من مطالبهم، وعلى الناس أن تطالب من جديد بمحاكمة من تمت تبرئتهم على أعمال محددة، وتقديم الأدلة حتى يستطيع القضاء أداء مهمته.
■ ما رأيك فى الدعوة إلى إلغاء الانتخابات والعودة إلى فكرة تشكيل مجلس رئاسى لتحقيق أهداف الثورة؟
- كان زمان.. هذه الفكرة كانت مطروحة فى البداية، وكنا ننادى بها، لكن لم تحدث، وكانت أهميتها فى تنفيذها فى بداية الأمر وليس الآن.. لا يصح أن نفكر الآن فى مجلس رئاسى بعد أن أدلى الشعب باختياره، إضافة إلى أن قائمة المجلس المقترح لا تشتمل على امرأة واحدة، لقد شاركت المرأة المصرية فى الثورة منذ بدايتها، ولا يصح تجاهلها إلى هذا الحد، ففى كل مناسبة وكل انتخابات لا توضع المرأة فى الحسبان، متناسين تماماً دورها فى المجتمع والثورة والانتخابات وهذا لا يليق بمصر بعد الثورة.
■ ما رأيك فى انحصار مصر بين أحد خيارين.. إما رئيس من التيار الإسلامى، أو رئيس محسوب على النظام السابق؟
- فى نظرى ليس هناك خطر على مصر من أحد الخيارين، فلقد قال الشعب كلمته وعلينا أن نختار الأحسن منهما، المهم أن نتصرف آخذين فى الاعتبار أن حقبة الرئاسة القادمة 4 سنوات فقط، ولا تمثل الكثير فى تاريخ مصر، علينا أن نتذكر أننا عشنا ثلاثة عقود كاملة تحت رئاسة تتصف بالخمول الاجتماعى والتدهور الفكرى والفساد الأخلاقى، ومع ذلك انتفض الجيل الصاعد، الذى تربى تحت هذه الظروف القاسية وثار فى سبيل إصلاح المسيرة.
■ لكن مصر تعيش حالة من الاستقطاب يراها بعض المحللين خطراً شديداً؟
- الخطر الوحيد اليوم على مصر هو التفرقة بين أفراد المجتمع تبعاً لمجموعات دينية أو سياسية أو غيرها، فيجب ألا يستجيب الشعب لمحاولات الشحن والاستقطاب والتقسيم التى يتبعها البعض لأغراض سياسية وانتخابية، وأنا أعتقد أن الناس اقتنعت بأن الخيار الأنسب هو الحرية والديمقراطية وإصلاح حال البلد، بغض النظر عمن سيقود المسيرة، خاصة أن القيادة ستتغير بعد 4 سنوات.
■ ما رأيك فى محاولات عدد من المرشحين الخاسرين فى الانتخابات الدعوة لمقاطعة الانتخابات؟
- على من لم ينجح فى إقناع الغالبية العظمى من الناس هذه المرة، أن يعمل جاهداً للقيام بذلك حتى تتغير الأوضاع بعد 4 سنوات، فلا يصح أن نرفض اختيار الناس لأى مرشح فاز بالأغلبية، أو ندعو للمقاطعة لأن النتائج لم تأت على هوانا، هذا هو اختيار الناس وعلينا القبول به.
■ لماذا لا تخشى وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم، رغم كونك من التيار الليبرالى؟
- «الإخوان المسلمين» أكثر التيارات التى عاشت متاعب، ليست فقط فى عهد «مبارك»، إنما منذ عصر الرئيس جمال عبدالناصر، لقد عانوا طوال نصف القرن الماضى، وهم فى النهاية مصريون عاديون، لكن لديهم تنظيماً سياسياً، وعلينا التعامل معهم فى هذا الإطار، ثم لنترك من يقول إن الإسلام هو الحل يحكم البلاد، وقتها سيتأكد أن العمل هو الحل، بل والعمل الجماعى هو الحل، لأنهم سيواجهون فساد التعليم وانهيار الصحة وتدهور كل القطاعات وبطالة بالملايين وقتها إما يطلبون دعم كل الفئات للمساعدة على الإصلاح أو يفشلون، ووقتها سيمل الناس وسيقولون لهم: «إحنا إديناكم كل المناصب فى البلد وانتو زى ما انتو مفيش حاجة تغيرت طيب يلا امشى أنت وهو، لأنه فى النهاية التنظيم الدينى لا دخل له بالتنظيم السياسى، ولا يصح فى السياسة أن ينتظر المسؤولون كلام أو قرار المرشد.
■ ألا تخشى أنه خلال مدة الرئاسة الأولى لـ«مرسى» حال فوزه أن يتم تغيير سياسة الدولة وتعليمها واقتصادها إلى الهوية الإسلامية؟
- لا أعتقد أن 4 سنوات كافية لتغيير شكل أو صبغة مصر، لكنها تكفى لوضع مصر على أول طريق الإصلاح والعمل لمستقبل أفضل، لأن من يختاره الشعب فى يونيو للقيادة سيرحل بعد 4 أعوام، دون أدنى شك، لذلك فعلينا أن نتأهب لمساعدة القيادة فى العمل الصالح فى سبيل وضع البلاد على بداية الطريق الصحيح لإصلاح التعليم ودعم الاقتصاد وزيادة الإنتاج وكل ما له فائدة لمستقبل أفضل.
■ الناس لم تعد قادرة على تحمل شخص يوماً واحداً وليس 4 سنوات؟
- يجب ألا ينسى الشباب أننا بلد تاريخه 7 آلاف سنة، فلو أننا تعبنا 10 سنوات أخرى مفيش مشكلة، فهذا ليس وقتاً طويلاً فى تاريخ الأمم، ما دام بعدها ستظهر مجموعة متميزة فى السياسة والاقتصاد.
■ هل تتوقع عدم رضا أى طرف بنتائج الانتخابات ونزول أنصاره إلى الشارع؟
- لا أتوقع أحداث شغب بعد إعلان النتيجة النهائية لانتخابات الرئاسة، لأن ذلك يعنى الخروج عن المسار الصحيح ولا يصح أن نرفض رأى الأغلبية من الشعب وعلينا احترام وقبول اختيار الناس، لأن هذه هى أهم مبادئ الحرية والديمقراطية.
■ ما رأيك فى مطالب بعض النخب السياسية بضرورة تنازل الدكتور مرسى لحمدين صباحى ليدخل الأخير جولة الإعادة أمام الفريق شفيق كحل للأزمة؟
- لا أظن أن على أى مرشح أن يسأل مناصريه أن يدعموا شخصاً بعينه، فعلينا أن نترك الخيار للناس حتى نتعلم معاً كيف نختار من يمثلنا وبناء على ماذا، فإذا أخطأنا فى الاختيار فليس فى ذلك نهاية العالم، لأننا نستطيع تصحيح الوضع فى الانتخابات المقبلة.
■ ما الأسس التى يمكن بناء عليها أن نختار الرئيس القادم؟
- علينا أن نسير فى الطريق كما نحن، نختار الرئيس الذى نرى أنه يمكن الاعتماد عليه، بغض النظر عن انتمائه السياسى، ولنتعامل معه على أنه رئيس فترة انتقالية، ولن يكون رئيساً طول العمر، والمهم أن يرتب الناس أنفسهم من الآن، أن يكون رئيس الجمهورية فى الدورة القادمة منهم، لأن الجيل الذى صنع الثورة هو الجيل الذى لابد أن يقود البلد.
■ إذن ما توصيفك للمشهد السياسى.. وما يحدث من تهديدات بعدم قبول نتائج الانتخابات وبالتشكيك فى تسليم السلطة؟
- توصيف المشهد السياسى هو ما كنت أنتظره بعد الثورة، لأن كل الثورات لا يحدث بعدها سلام ووئام، وكما قلت للشباب، الثورة مثل الزلزال وكجيولوجى فإن الزلزال يعنى كتلة تتحرك من مكانها محركة كتلاً أخرى وكل واحدة من هذه الكتل تريد أن تصل إلى مكان جديد فى وضع جديد، كل منها يريد أن يصل إلى المكان الأفضل بالنسبة له، فكل زلزال فى الدنيا له توابع، وما يحدث فى المشهد السياسى الحالى ما هو إلا توابع الثورة، والتوابع لا يمكن أن تكون بقوة الزلزال الحقيقى، معنى ذلك أننا يجب ألا نخاف على الثورة، لأنها ستستمر وستصل لغرضها وهدفها فى النهاية، ربما يأخذ الوصول إلى الهدف بعض الوقت، لكنها فى النهاية ستصل للهدف، والخطر هو أن ننظر إلى الخلف، لأنه فى هذه الحالة سوف تستغرق هذه التوابع سنوات طويلة، لكن لو نظرنا للأمام ربما لن تستغرق شهوراً.
■ ماذا عن أداء المجلس العسكرى.. وهل ساهم فى صعوبة انتقال السلطة؟
- من وجهة نظرى ما حدث طوال الفترة الماضية ما هو ألا تخبط من قبل المجلس العسكرى، لأنهم لا يمتلكون خبرة سياسية ولا أداروا شؤون بلد من قبل، ولا يعرفون ما يحدث بالتيارات الداخلية، هم يجلسون فى مكاتبهم، ولا يعرفون ماذا يحدث فى الشارع، معنى ذلك أن أى خطأ يصنعه المجلس العسكرى هو تخبط لأنه لا يمتلك الخبرة السياسية وغير متصل بالشارع.
والمشكلة الأكبر، التى زادت من سوء الوضع، هى عدم وجود صف ثان فى مصر، وبالتأكيد الرئيس السابق كان يتعمد هذا المخطط عن وعى وبتخطيط، وكان أى شخص يفكر أن يكبر وتكون له شخصية كانوا «يكسحوه»، لأنهم لا يريدون صعود أحد، خاصة أن «مبارك» نفسه لم يكن شخصاً ذكياً لا يقرأ الكتب محدود المعرفة، إضافة إلى أنه ترك الأمور فى الإدارة لمن حوله، ولم يعد يعلم عن مجريات الأمور لا الداخلية ولا الخارجية شيئاً، لذا كان الذين حوله حريصين على عدم ظهور شخص يمتاز بالذكاء أو الشعبية، لذا دمروا كل من بزع فى أى مجال، حتى أصبح ذلك سمة عهده على جميع المستويات، كل مدير يقضى على النابغ من مرؤوسيه، حتى اختفى الصف الثانى القادر على القيادة. للأسف نحن لا نمتلك قيادات إلا تلك التى تنتمى إلى جذور النظام السابق، وهى القائمة على إدارة البلاد الآن، رغم أننا بحاجة إلى قيادات جديدة، وهذا معناه أن هذا التخبط سوف يستمر حتى تستقر البلاد، وأنا شخصيا ليس لدى مانع من أن يكون بالأربع سنوات المقبلة تخبط، لكن بعد ثمانى سنوات سيكون لدى قيادات شبابية مدربة تستطيع إدارة البلاد.
■ هل اتصل بك المجلس العسكرى للاستعانة بخبرتك العلمية فى أى مجال؟
- لا.. ربما لأنهم يرون أن هناك إناساً كثيرين يتمتعون بالكفاءة فى مصر، وربما لأننى أعيش فى الولايات المتحدة ولهم عذرهم.
■ ما رأيك فى وضع الثوار وأدائهم؟
- تشرذم الشباب ولم يتفقوا على مبدأ واحد بعد إسقاط النظام، فقد أصبح بينهم 100 رئيس و100 متحدث باسمهم، ما سهل إبعادهم عن المشهد السياسى، وأعتقد أن الأمر سيستمر لفترة حتى يتعلم الشباب الدرس، ويتأكدوا أنهم لن يحققوا شيئاً إلا بعد أن يتحدوا سوياً، ولن ينجحوا فى أى انتخابات قبل أن يجمعوا صفوفهم، وربما يستغرق هذا الأمر 10 سنوات، حتى يتخلى الشباب عن ديكتاتوريتهم فى الرأى، واعتقاد كل منهم أنه الوحيد على صواب والباقين على خطأ.
الشباب سيعرفون أن هذا خطأ عندما يتعرفون على أفكار بعضهم البعض ويعملون فى حكومة تضم جميع الأطياف، «وفد وإخوان» وغيرهما، وقتها سيعرفون أن المركب لن تسير إلا بالتوافق، ووقتها سيبحثون عن بعض خطوط الاتفاق، وهذا يحتاج إلى التعليم بالممارسة.
■ ما رأيك فى محاولات النخب والأحزاب الاتفاق حول وثيقة تلزم الرئيس القادم وتلعب دور الضامن؟
- نعم أنا مع هذه الفكرة وأرى أنه من حق النخب والمثقفين أن يقدموا النصح لمن ينجح فى الانتخابات، هذا يعتبر حق الوطن عليهم، رغم أننى أرى أن الأحداث تتغير يوما بعد يوم، لكن على أى حال الوثيقة فى النهاية تهدف لإصلاح الوضع وتثبيت بداية المسيرة إلى طريق الخلاص من الوضع المزرى، الذى ثار الشعب ضده، لوضع مصر على بداية المسيرة لمستقبل أفضل للأجيال.
■ ما رؤيتك بشأن كتابة الدستور المصرى؟
- من المفترض أن ينص الدستور على أن مصر دولة مدنية، والدولة المدنية تحترم الإنسان وتساوى ما بين المواطنين والمواطنات وكل إنسان لديه حقوق تحترم ويجب ألا تتجاوزها الدولة تماما، وعليه واجبات يجب عدم الإخلال بها، وبصراحة لو الدستور قال غير ذلك لا يكون دستوراً.
■ ما تفسيرك لإصرار الإخوان المسلمين للسيطرة على «تأسيسية الدستور»؟
- محاولة السيطرة على الدستور لإهانة أى أقلية فى المجتمع «عمل رجعى»، ولا يرقى إلى ما هو مطلوب فى هذا الوقت بالذات، لأننا نأمل أن يحمى الدستور كل مصرى ومصرية وحقوقهم وواجباتهم ومحاولة أى جماعة السيطرة على الدستور لابد أن نرفضها جميعا بالوسائل العقلانية السلمية.
■ وماذا عن الخلاف حول مبادئ الشريعة الإسلامية وأحكامها وتخوف إخواننا الأقباط؟
- أتفهم خوف الأقباط، لكن ألم يكن الدستور يطبق طوال السنوات الماضية دون وضع جمل استثنائية، ومع ذلك كان الأقباط يطبقون شرائعهم، فيما يخص أحوالهم الشخصية، ثم ألا ينص دستور 71 على تطبيق الشريعة الإسلامية، وهى المصدر الرئيسى للتشريع، ومع ذلك لم نطبق الشريعة الإسلامية بل جاءت القوانين والتشريعات، إما تؤسس للفساد أو تتستر عليه، وحتى لو جاء فى الدستور هذه المرة بما لم يرض المجتمع وثبت بالتطبيق والممارسة أن به مشكلات «يتغير».. صحيح الدستور بمثابة معاهدة بين الحاكم والشعب، لكن لو المعاهدة لم تسير صح ممكن تتغير فلا يوجد دستور فى العالم لم يتغير ويضاف إليه بنود ويرفع منه بنود، المهم أن نبدأ، لذا علينا الآن كتابة الدستور وزى ما يطلع، حتى لو به مشكلات فهو وضع أفضل من عدم وجوده.
■ حتى لو وضع فى الدستور ما يؤكد وضعاً استثنائياً للجيش؟
- لا يصح أن يكون هناك مجموعة فى الوطن لها سلطة مختلفة أو متميزة أو استثنائية فى الدستور، فالدستور لابد أن يساوى بين الجميع ويجب ألا يحتوى على أى استثناء، وهذا أهم ما فى الدستور، لكن ما أقصده أن نمرر الدستور ونقبل به، لو أنه يحقق المبادئ الرئيسية من مساواة واعتراف بالحقوق وغيرها حتى لو لم نقبل بالتفاصيل الأخرى.
■ ما هو أكثر شىء يخيفك من كتابة الدستور؟
- أن يحد الدستور من عمل الحكومات أو الوزارات فى أى شىء نافع للدولة، بمعنى أن ينص مثلا على أن التعليم يكون باللغة العربية فقط، ولا تعليم بلغات أخرى، أو أن يقتصر الاستيراد والتصدير على الدول الإسلامية فقط، بمعنى ألا يتدخل الدستور فى أمور الحياة اليومية، فيجب أن يرسم الدستور العلاقة بين الحاكم والمحكوم والمؤسسات وأن يكون ضامنا لحريات الشعب.
■ وما رأيك فى استبعاد العلماء والأدباء من اللجنة التأسيسية للدستور؟
- خطأ بكل تأكيد، ويجب تمثيلهم تماما، كما يجب تمثيل جميع الفئات، لكننى مع وجهة النظر التى تقول إن الغلبة فى اللجنة التى ستكتب الدستور يجب أن تكون للقانونيين والمتخصصين.
■ كيف يمكن النهوض بالتعليم والبحث العلمى.. وما هو المطلوب من الرئيس القادم بهذا الشأن؟
- لابد أن يحدث هذا بعد الخروج من الأزمة الحالية، وبعد اختيار الرئيس مباشرة، سأحضر إلى مصر وسأدعو زملائى وسنقوم بنشاط مكثف فى هذا الشأن، وسأحشد كل المهتمين وسنضغط على الرئيس القادم، بضرورة أن يولى التعليم والبحث العلمى الأولوية القصوى وسندعو الشباب والنشطاء وغيرهم لتوظيف جهودهم معنا فى هذا العمل، وستكون الدعوة لتحسين مستوى التعليم الذى أصبح سيئاً للغاية ومتردياً، لدرجة لا توصف وهذا شغلى الشاغل فور استقرار الأوضاع فى مصر وتسليم السلطة للرئيس الجديد.
■ ألا تخشى من الاصطدام بالإسلاميين أثناء نشاطك فى هذا المجال.. فتطوير التعليم مثلا، ربما يحتاج إلى تشريعات يصدرها المجلس بأغلبيته الإسلامية؟
- أول كلمة فى القرآن الكريم «اقرأ»، وسأرد عليهم بأنه أثناء العصر الإسلامى كان العلماء يأتون بالكتب من كل بقاع العالم ليترجموها إلى العربية، وينفعوا بها أنفسهم والبشرية، والخليفة المأمون أمر بإنشاء بيت الحكمة، وقال إن من سيترجم كتابا سأعطى له ما يوازى وزنه ذهبا، حتى إن المترجمين كانوا يختارون الترجمة على ورق ثقيل حتى يزن أكثر، وعندما قالوا للخليفة هذه الحيلة، قال لهم اتركوهم فما يعطوننا إياه أهم وأيمن من الذهب.
الخلاصة: إن الإسلام لم يكن أبداً محدوداً بل يحث دائما على طلب العلم ولو فى آخر الدنيا.
■ بعد الثورة مباشرة تم إعادة فتح ملف مشروع ممر التنمية ثم توقف الحديث عنه فجأة؟
- لم يكن يتوقع أحد بعد الثورة أن تحدث كل هذه الأزمات الكبرى، لذا فتح ملف المشروع على اعتبار أنه من الأولى النظر إلى المشروعات الكبرى. لكن ارتبك الوضع فلم يعد الحديث عن المشروع مناسباً فى الوقت الحالى، وقالوا لى سنعيد دراسة المشروع بعد هدوء الأوضاع وها أنا فى انتظار ذلك.
■ كعالم كبير لا تؤمن إلا بالمنطق والعقل.. هل تؤمن بفكرة الطرف الثالث؟
- لا طبعا كل ما يحدث من الشعب المصرى نفسه، إن كان شيئاً جيداً فهو من الشعب، وإن كان شيئاً سيئاً. فهو من عناصر داخل الشعب فلا توجد أى أطراف خارجية.