إحدى بديهيات مهنتهم المقدسة أنه لا يجوز للقاضى أن يحكم وفق «العلم العام»، ما دامت الأوراق لا توثق هذا العلم. وبعد رحلة طويلة من الجدل، الذى وصل، أحيانا، لدرجة «التشكيك»، وكأن الحكم معلوم مسبقاً، فمن المقرر أن ينطق السبت رئيسهم، فى الدائرة الخامسة جنايات القاهرة، بالحكم الذى تنتظره مصر كلها، كما تنتظره دوائر إقليمية ودولية.
عانى القضاة مأزقا لا يحسدون عليه، فالقضية تمس جراح وطن تمتد جذورها لثلاثين سنة مضت، وتتقاطع فيها خيوط العدالة وقواعد الإثبات وعدم جواز الحكم بـ«العلم العام»، وتتصادم حولها «مزاعم» تأثير داخلى وخارجى.. مع إرضاء رأى عام غاضب، لا يقف كثيراً عند قواعد الإثبات، فهو لا يتوقع منهم سوى ما يراه تضميداً لجراح آلاف من أسر شهداء ومصابى ثورة يناير.
السبت تصدر ضمائر القضاة حكمها فى محاكمة الرئيس السابق حسنى مباركوأعوانه، ضمائر تقتفى خطوات عدالة الخليفة عمر والإمام على، لكن هل يرضى الحكم الشارع؟.. مجرد سؤال.
أحمد رفعت.. قاضى «المحاكمات الشائكة»
تاريخ طويل من الفصل فى القضايا المثيرة للجدل، وشخصية هادئة، قادرة على الحزم فى إدارة جلسات البحث عن العدل، وإعلاء قيمة القانون، هذه الكلمات تلخص حياة القاضى أحمد رفعت الذى تنتظره منصة محكمة جنايات القاهرة ، للفصل فى أهم قضية جنائية فى تاريخ مصر الحديث، إذ يقف رئيس مصر السابق ونجلاه ووزير داخليته وعدد من مساعدى الأخير تحت سيف العدالة وتحت ظلال رحمتها.
أطلقت وسائل الإعلام على «رفعت» قاضى محاكمة القرن، ولكن ملف حياته القضائية ممتلئ بعدد كبير من الدعاوى التى تكشف عن الحزم فى تطبيق القانون، والقدرة على ضبط الجلسات، والاستماع إلى جميع أطراف الدعاوى التى ينظرها.
لم تبدأ هذه الصفات فى الظهور مؤخراً، لكنها كانت موجودة ومتأصلة فى القاضى الشهير منذ عمله بالنيابة العامة، إذ أمر بإخلاء سبيل الطلبة المحتجين يومى 9 و10 يونيو على هزيمة يونيو 1967، وفى عام 1972 حقق فى قضية الاستيلاء على مجوهرات أسرة محمد على عندما كان رئيساً لنيابة الأموال العامة، ثم أمر بعد إعادة المجوهرات بعرضها فى المتحف المصرى ليشاهدها الجمهور، كما حقق فى قضية صفقة طائرات الـ«بوينج» التى تم اتهام وزيرى الاقتصاد والطيران فيها لأول مرة فى تاريخ القضاء المصرى، وبعد انتهاء التحقيقات أحال المتهمين إلى محكمة الجنايات بعد إعداده بحثاً قانونياً باختصاص محاكمتهم أمامها، وهو الرأى الذى أيدته محكمة النقض.
كما فصل فى قضية الإماراتى قاتل فتاة مصر الجديدة، التى تنحى عن نظرها لاستشعار الحرج، كما أخلى سبيل ١٦ من المتهمين من قيادات جماعة الإخوان، المحبوسين على ذمة قضية «التنظيم القطبى» وعلى رأسهم الدكتور محمود عزت، نائب مرشد الجماعة، ونظر قضية بنك مصر إكستريور، المتهم فيها عبدالله طايل، رئيس مجلس الإدارة السابق، و١٨ آخرون من كبار موظفى البنك ورجال الأعمال بالاستيلاء وتسهيل الاستيلاء على المال العام وغسل الأموال والتزوير.
كما نظر القضية المعروفة بـ«قضية الآثار الكبرى» والمرأة الحديدية ونواب الأراضى فى الفيوم وقضية الإضرار العمدى والتربح لإنشاء مطار رأس سدر.
يعرف المحامون جيداً نقلاً عن عدد من القضاة الذين عملوا مع المستشار أحمد رفعت أنه يتلو «إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين» عند اعتلائه المنصة للنطق بالحكم فى أى دعوى، كما يرفض الظهور فى وسائل الإعلام. كان «رفعت» معروفاً منذ تعيينه فى النيابة بأنه لا يخضع لأحد سوى ضميره، والله هو رقيبه على ضميره، والعدالة بالنسبة له أكبر قيمه يقدرها فى الحياة ويسعى إلى تحقيقها على جميع الأفراد دون تمييز. يحظى بالاحترام وافتخار الجميع به، وإعطاء الخصوم كل إمكانيات الدفاع وحسن إدارة الجلسات على أكمل وجه، وكان حريصاً على هيئة القضاة وحازماً فى تعامله.
هانى برهام «عضو اليسار» الذى تحدى إرهاب الخصوم
المستشار هانى برهام، العضو الشمال بمحاكمة القرن، ولد عام 1958 وعمل مع المستشار أحمد رفعت، منذ 3 سنوات، وقضية «مبارك» من أهم القضايا التى عمل بها. تخرج فى كلية الحقوق، عام 1979، وبعد شهور من تخرجه، عين وكيل نيابة فى جنوب القاهرة، استمر يعمل فى النيابات الجزئية، لمدة 3 سنوات، وفى حركة التنقلات القضائية، نقل وكيل نيابة بالمكتب الفنى للنائب العام.
وفى عام 1992، عين رئيس نيابة، حتى ترقى إلى درجة رئيس محكمة بالإسماعيلية عام 1997، ومستشاراً فى محكمة الجنايات عام 1999. تولى «برهام» منصب محامى عام بنيابات شرق القاهرة عام 2001، ومحامى عام نيابات غرب القاهرة عام 2002، وترقى عام 2003 وتولى منصب محامى عام نيابات استئناف طنطا، ونقل كمحامى عام أول نيابات استئناف المنصورة عام 2004.
وعاد «برهام» للقضاء مرة ثانية عام 2005 حيث تولى منصب رئيس محكمة، فى محكمة الإسماعيلية وفى عام 2006 تولى رئاسة محكمة بمحكمة الزقازيق، والعام نفسه ندب كوكيل لجهاز الكسب غير المشروع، وعمل كعضو شمال فى دائرة المستشار أحمد رفعت، منذ عام 2009، واشتهر بالخلق الرفيع وحسن المعاملة مع الموظفين وتطبيق القانون على أكمل وجه وبشكل صارم، دون رهبة أو استجابة لإرهاب الخصوم، مهما كانت مناصبهم - على حد قول المقربين منه.
عاصم بسيونى رفيق رحلة«القضايا الملغومة»
المستشار محمد عاصم بسيونى، العضو اليمين فى هيئة محاكمة القرن، ولد عام 1951 بمدينة طنطا، وتخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1972 وفى نفس العام عين فى النيابة العامة. «بسيونى» عمل لمدة 9 سنوات فى نيابات المعادى ومصر القديمة وجنوب القاهرة، ثم عين رئيساً لنيابة جنوب القاهرة، ترقى إلى قاض بمحكمة الجنايات بدائرتى مصر الجديدة منذ عام 1993 وحتى الآن، وعمل مع المستشار أحمد رفعت، رئيس محكمة جنايات القاهرة بنفس الهيئة، منذ عام 1994.
سبق أن فصل بسيونى فى نفس القضايا التى فصل فيها المستشار «رفعت»، المتمثلة فى قضية الإماراتى قاتل فتاة مصر الجديدة، التى تنحى عن نظرها لاستشعاره الحرج، كما أخلى سبيل 16 من المتهمين من قيادات الإخوان المحبوسين على ذمة قضية «التنظيم القطبى»، وعلى رأسهم الدكتور محمود عزت، نائب مرشد الإخوان، ونظر قضية بنك مصر إسكتريور، المتهم فيها عبدالله طايل، رئيس مجلس الإدارة السابق، و18 آخرون من كبار موظفى البنك ورجال الأعمال بالاستيلاء وتسهيل الاستيلاء على المال العام وغسيل الأموال والتزوير، كما نظر القضية المعروفة بـ«قضية الآثار الكبرى» والمرأة الحديدية ونواب الأراضى فى الفيوم وقضية الإضرار العمدى والتربح من عملية إنشاء مطار رأس سدر
مصطفى سليمان ممثل الشعب فى ملحمة «خريف الفرعون».
لن ينسى التاريخ المستشار مصطفى سليمان، رئيس نيابات استئناف القاهرة، ممثل النيابة فى قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها الرئيس السابق حسنى مبارك ونجلاه جمال وعلاء وحبيب العادلى، وزير الداخلية الأسبق، و6 من مساعديه، وقد أثرت مرافعته فى «مبارك» وجعلته يضع يده فوق رأسه ويلتزم الصمت عندما قال إن الأقدار هى التى شاءت أن يتولى مبارك حكم البلاد دون سعى منه، ولم يتعظ مما حدث للرئيس الراحل أنور السادات، الذى قتل أمام عينيه، لكنه خضع لإرادة أسرته، وزوجته التى أرادت أن تكون أماً لرئيس، بعد أن كانت زوجة لرئيس وكان جمال ينظر إلى «سليمان» طوال المرافعة.
«سليمان» هو رئيس نيابات استئناف القاهرة منذ 2006 والقائم بأعمال المحامى العام الأول لنيابات استئناف القاهرة ودرجته الوظيفية رئيس محكمة استئناف، تخرج فى كلية الحقوق جامعة القاهرة فى 1980، والتحق بالنيابة العامة فى شهر يوليو 1981 أى قبل اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات بشهور، عمل «سليمان» منذ تخرجه وحتى 1990 معاون نيابة ثم وكيل أول نيابات الدقى والمخدرات وشمال القاهرة، ثم ترقى إلى قاض بمحكمة شبين الكوم حتى نهاية 1991، ثم قاض بمحكمة الفيوم فى 1992 وفى نهاية هذا العام ترقى إلى رئيس دائرة بمحكمة الجيزة الابتدائية واستمر فى هذا المنصب حتى 1995 وفى شهر أكتوبر من هذا العام جاءت الحركة القضائية لتضعه فى منصب رئيس نيابة جنوب الجيزة لمدة عام.
وفى 1996 تم نقله للعمل رئيس نيابة بالمكتب الفنى للنائب العام لمدة 3 سنوات، وفى 1999 تمت ترقيته إلى درجة محام عام، ثم تولى منصب محامى عام نيابات شرق القاهرة منذ 2001 لمدة عامين، ثم وكيل إدارة النيابات على مستوى الجمهورية من 2003 وحتى 2006. حقق فى قضية أحداث الأمن المركزى فى 1986 وترافع عام 1998 فى قضية الكسب غير المشروع المتهم فيها عبدالوهاب الحباك، رئيس الشركة القابضة للإلكترونيات التى حصل فيها على حكم بالسجن 10 سنوات، كما ترافع فى قضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم التى قضت المحكمة فيها بمعاقبة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى وضابط أمن الدولة السابق محسن السكرى بالإعدام شنقا وبالطعن على الحكم تمت معاقبة الأول بالسجن 15 سنة والثانى 25 سنة.