يجمعهم نفس اللقب، فجميعهم أبناء لرجل واحد، ضمتهم جدران منزل واحد، إلا أن الانتخابات الرئاسية ومرشحيها فرقتهم، فكل واحد منهم اختار مرشحا ولكل منهم سبب ومبررات للاختيار.
داخل شقة ضيقة لا تتعدى مساحتها ستين متراً بمنطقة المنيب بالجيزة اجتمع مختلف القوى السياسية، فهناك ترى ملصقات للمرشح الثورى خالد على، وأخرى للدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، وثالثة للدكتور محمد مرسى، وفى أحد الأركان «بوستر» للمرشح عمرو موسى، هنا أسرة رشاد إبراهيم، أحد المحاربين القدامى، الذى ربى أبناءه الأربعة على الديمقراطية وحرية التعبير، ليعلن كل منهم حقه فى اختيار مرشحه الرئاسى إلا أنهم اجتمعوا على حب مصر وتحقيق أهداف الثورة.
عدد من الأجهزة الإلكترونية القديمة وضعت بطريقة عشوائية فوق منضدة خشبية متهالكة، يجلس خلفها مرتدياً نظارته الطبية لينشغل فى تصليح مسجل قديم، وإن حرص فى ذات الوقت على الاستماع إلى موجز الأنباء عبر إذاعة الشرق الأوسط، إنه الحاج رشاد إبراهيم الذى اقترب من السبعين من العمر واعتاد على الذهاب إلى دكانه الضيق من العاشرة صباحا حتى الثامنة مساء مستندا على عكازه القديم بعد فقدانه إحدى قدميه فى حرب 1973، استقر على انتخاب خالد على رئيسا للجمهورية لأنه الأنسب لتولى رئاسة مصر من وجهة نظره بعد ثورة يناير.
بعد المسافة بين لجنته الانتخابية فى منطقة مصر القديمة ومحل إقامته بالمنيب، مع صعوبة انتقاله عبر المواصلات العامة بسبب إعاقته الجسدية لن يمنعه من الإدلاء بصوته فى الانتخابات الرئاسية، فهو ينتظر اليوم الذى يأتى فيه رئيس ينصر المظلوم على حد قوله، لأنه يرى أن المعاق من أكثر الشرائح التى أهدرت حقوقها أثناء النظام السابق.
«نفسنا نشوف رئيس لمصر عنده 40 سنة زى أوباما رئيس أمريكا، يقدر ينزل بنفسه إلى الشارع ويعرف هموم المواطن».. بهذه الكلمات عبر رشاد عن أسباب اختياره المرشح خالد على رئيسا للجمهورية قائلا: «اخترت خالد على لأنه من أسرة متوسطة الحال زى باقى الأسر المصرية، ومشواره فى المحاماة مشرف لأنه كان بيدافع عن الغلابة، ولما أستمع إلى حواراته أحس إن كلامه متوازن، ونزل إلى التحرير فى الأيام الأولى للثورة لإسقاط النظام، وأقسم على تحقيق أهداف الثورة عند توليه الرئاسة علشان كده نفسى يفوز فى الانتخابات».
23 مايو يوم يختلف عن باقى الأيام الاخرى، فهى المرة الأولى التى تخرج فيها وتمارس حقها فى التصويت فى الانتخابات الرئاسية رغم أن عمرها تعدى الستين عاما، لأنها ترى أن صوتها قد يفرق فى مستقبل أبنائها وأحفادها. تقول الحاجة سناء مسعد بكير: «أول مرة أحس إن صوتى له قيمة وممكن يفرق فى اختيار مرشح عن آخر، ما يزيد على الثلاثين سنة لم أستطع فيها التعبير عن رأيى بصراحة، ولم أحاول التحدث فى السياسة لأنى على يقين أن رأيى ليست له أهمية، حتى جاءت ثورة يناير وانقلبت الأمور رأساً على عقب وأطاحت بالرئيس السابق، وأعلن المجلس العسكرى تسليم السلطة لرئيس جديد، هنا فقط قررت اختيار هذا الرئيس بنفسى دون الاستماع إلى الآخرين لأن من حق كل مصرى الآن أن يقرر مصيره بنفسه دون أن يكون هناك وصى عليه مثل السنوات السابقة».
تسربها من التعليم فى سن صغيرة لم يمنعها من التعرف على جميع مرشحى الرئاسة، ومعرفة برامجهم الانتخابية من خلال ملصقاتهم وعبر القنوات الفضائية المختلفة، وحول سؤالها عن المرشح الرئاسى الذى اختارته «سناء» أجابت بحزم: «عمرو موسى أفضل المرشحين»، على حد قولها، وعن أسباب اختيارها قالت: «أسباب كتيرة خلتنى اختار عمرو موسى أولها انه الرجل الأصلح لتولى رئاسة مصر فى الفترة الحالية لأن البلد بتمر بظروف صعبة محدش يقدر يحلها غيره، لأنه رجل دبلوماسى قضى طول عمره فى السياسة وعلاقاته طيبة مع الدول العربية والأجنبية، وهيقدر يخرج مصر من الأزمة اللى بتمر بيها، إضافة إلى قوة شخصيته اللى شفناها فى التليفزيون أمام منافسيه».
بنظرة متحفزة ولهجة غاضبة تقطع «هند»، زوجة الابن، حديث الأم قائلة: «الثورة قامت علشان تطيح بالنظام ومينفعش نجيب ريس من النظام السابق»، «» لا تتجاوز الثلاثين من العمر تحلم برئيس «يحس بالغلابة» على حد قولها، وهو ما وجدته فى الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح قائلة: «أنا ما ليش فى السياسة بس كنت بحاول على أقد ما قدر إنى أتكلم مع ناس فاهمة علشان تنورنى، وكنت مختارة فى الأول محمد مرسى علشان ملتزم دينيا لكن فيه واحدة جارتى طبيبة نصحتنى بالابتعاد عن مرشح الإخوان المسلمين لأنهم مقدموش حاجة للبلد رغم أنهم أغلبية فى المجلس، وبدأت تعرفنى بالدكتور أبوالفتوح وبرنامجه الانتخابى اللى حسيت منه إنه مهموم بالمواطن الغلبان وهيطور من التعليم والصحة وهما أكتر حاجة كانت سيئة فى النظام السابق».
اختيارها للدكتور «أبوالفتوح» لم يمنعها من فكرة الإطاحة به إذا لم يتقدم بالبلد خلال فترة زمنية أقصاها عامان، هذا ما أكدته قائلة: «اختيارنا لأبوالفتوح رئيسا للجمهورية جاء بناء على برنامجه الانتخابى، ولكن فى حالة تلاعبه بالشعب وعدم تنفيذ مطالب الثورة سنطيح به فى أى لحظة لأنه لن يكون هناك ديكتاتور وفرعون آخر، وميدان التحرير أصبح عظة لكل رئيس يحاول سرقة مصر مرة أخرى».
اتفاقهما فى العديد من الآراء لم يمنع من الاختلاف فى اختيار الرئيس القادم، فمحمد رشاد الابن الأوسط لعائلة رشاد قرر اختيار مرشح جماعة الإخوان المسلمين لأنه يراه الأفضل لتولى رئاسة مصر فى المرحلة الحالية لعدة أسباب يراها «محمد» من وجهة نظره قائلا: «اخترت محمد مرسى، مرشح الإخوان، لأنى أرى أن جماعة الإخوان المسلمين منظمة وتسير على قلب رجل واحد ولها نشاط فى العمل التطوعى منذ عشرات السنوات قبل ما يكون لها حزب، وكان النظام السابق يعمل لها ألف حساب بسبب قوتها علشان كده حبس المسؤولين فى النظام القديم أغلب قياداتها فى السجون لفترات طويلة».
وانتقد محمد رشاد هجوم بعض وسائل الإعلام على المرشح الرئاسى الدكتور محمد مرسى قائلا: «عدد من الصحف وبرامج التوك شو حرصت على الهجوم على الدكتور محمد مرسى بحجة أن الإخوان المسلمين حصلوا على أغلبية مقاعد البرلمان ولم يخدموا الشعب وأنهم كذبوا عند إعلانهم بعد الثورة عدم اختيار مرشح من بينهم للرئاسة ثم تم الإعلان عن اختيار خيرت الشاطر ومن بعده الدكتور مرسى، ولكننى أحب الرد على تلك الاتهامات بأن الإخوان المسلمين فى البرلمان لهم السلطة التشريعية فقط وليستين التنفيذية لذلك تقدم الإخوان بمرشح لهم ليجمعوا بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فى وقت واحد، وهنا فقط ستتغير أحوال البلد إلى الأفضل بكثير، لأن الدكتور مرسى لا يسير وحده فقط وإنما تسير وراءه جماعة لها تاريخ مشرف فى العمل السياسى».