بالرغم من نجاح الثورة اليمنية فى إنهاء 33 عاماً من الاستبداد، حكم فيها الرئيس اليمنى السابق، على عبدالله صالح، البلاد بـ«الرقص على رؤوس الأفاعى»، فإن المهارات التى يتمتع بها من خلال التلاعب بالتحالفات القبلية والولاءات السياسية وشبكات المصالح، فضلاً عن سيطرته على أجهزة الأمن والجيش جعلت عملية الانتقال باليمن تبدو أصعب، حتى بعد تسليمه السلطة للرئيس التوافقى عبدربه منصور هادى فى فبراير الماضى.
ويرى المراقبون أن الإطاحة بـ«صالح» لم تكن سوى قطع رأس الأفعى مع بقاء الجسد، الأمر الذى يجعل من الضرورى أن يتعرف «هادى» على الحيل والأساليب التى استخدمها «صالح» فى حكمه لإجراء تغييرات جذرية فى اليمن.
وبعدما طوت اليمن صفحة «صالح»، وفتحت صفحة جديدة من خلال انتخابات غير تنافسية، يقود الرئيس الجديد البلاد خلال المرحلة الانتقالية فى العامين المقبلين.
ولم تكن التحديات أمامه اقتصادية وسياسية وإنسانية فحسب، فى ظل غياب الأمن والاستقرار، وتفكك الداخل اليمنى بين جنوب تعود إليه الرغبة فى الانفصال، وتنظيم «القاعدة» الذى استطاع أن يتوغل فى المناطق الجنوبية من البلاد، وتطهير البلاد من «فلول» النظام السابق الذين لايزالون متواجدين فى المشهد السياسى والأمنى اليمنى.
وتصدرت «إعادة هيكلة القوات المسلحة» و«الحرب على القاعدة» اهتمامات الرئيس الجديد، بعدما فاجأه التنظيم بعد أيام من توليه الحكم بهجوم دموى راح ضحيته عشرات من الجيش اليمنى، لتبدأ المواجهات بين الطرفين فى ظل تراخى من الجيش اليمنى الذى اتهمته المعارضة اليمنية بموالاة «صالح». الأمر الذى جعل الرئيس اليمنى يدرك أن استعادة الأمن والسيطرة على التنظيم تبدأ بتطهير القوات المسلحة من أقارب صالح، فأجرى عدداً من التغييرات فى القيادات العسكرية طالت أقارب صالح، لكنها لم تطهر المؤسسة بأكملها، ليبدأ هادى بعد ذلك حربه ضد «القاعدة» لتشهد اليمن معارك كر وفر بين الجانبين، يحقق من خلالها الجيش اليمنى ضربات موجعة للتنظيم يستعيد من خلالها عدداً من المدن التى استغل تنظيم القاعدة الانفلات الأمنى وسيطر عليها.
وبدى الدور الأمريكى واضحاً فى الحرب على «القاعدة»، حيث رأت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» أن تصعيد حرب أمريكا السرية فى اليمن يأتى من خلال توفير مجموعة صغيرة من القوات الأمريكية البيانات للغارات الجوية اليمنية نظرا لأن معركة القوات الحكومية لطرد عناصر تنظيم القاعدة وغيرهم من المتمردين فى جنوب البلاد غير فعالة، وذلك عن طريق تزويد القوات اليمنية بصور ومقاطع فيديو الأقمار الصناعية والطائرات دون طيار، وأنظمة التنصت وغيرها من الوسائل التقنية، عن الأهداف التى يمكن مهاجمتها. وأشارت إلى أن دور إدارة الرئيس الامريكى باراك أوباما العسكرى المباشر فى اليمن أصبح أكثر اتساعاً مما كان فى السابق.
وردت «القاعدة»، التى اتخذت من اليمن ملاذاً آمناً، على الدعم الأمريكى للحكومة اليمنية الجديدة بتفجير انتحارى أكبر ضد الجيش اليمنى أثناء تدريب عسكرى قبيل الاحتفال بذكرى الوحدة اليمنية، أمس الأول، راح ضحيته 400 جندى بين قتيل وجريح.
ولم يتوقف الدعم الأمريكى لـ«هادى» على حربه ضد «الإرهاب» فحسب، بعدما أصدر أوباما قراراً يقضى بتجميد أموال كل من يعوق العملية السياسية فى اليمن من «فلول» نظام «صالح» المتصدرين فى المشهد السياسى فى ظل بقائهم فى الصورة من خلال حزب «المؤتمر الشعبى» الذى منحته المبادرة الخليجية نصف مقاعد حكومة الوفاق الوطنى برئاسة محمد سالم باسندوة.
وحول التوقعات بأن ينادى اليمنيون فى المستقبل القريب إلى اجتثاث «المؤتمر الشعبى»، رأى فؤاد الصلاحى، أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة صنعاء، لموقع «دويتش فيله» الألمانى أن «حزب صالح فى اليمن لن يواجه مصير حزبى الرئيس التونسى السابق زين العابدين بن على فى تونس والرئيس المصرى السابق حسنى مبارك، لأن الثورة فى اليمن «لم تنجح كما نجحت فى تونس ومصر»، مؤكداً أن الثورة اليمنية «تم إجهاضها من قبل جزء من النظام ادعى انضمامه للثورة».
ومع تفاقم الأوضاع فى اليمن، وضعف هيبة الدولة، ارتفعت مطالبات الجنوبيين من إصلاح الأوضاع ورفع المظالم، وإصلاح مسار الوحدة، إلى المطالبة صراحة بالانفصال وفك الارتباط مع الحكومة المركزية فى صنعاء. الأمر الذى بدا واضحاً خلال الانتخابات الرئاسية.
وفى ظل الانفلات الأمنى والمواجهات المسلحة ونزوح اليمنيين من المناطق التى تشهد توترات وعدم استقرار سياسى، تبقى الأوضاع الإنسانية فى اليمن محل تخوف. وفى الوقت الذى يعتقد فيه البعض أن الأحوال المعيشية المتردية كانت فى مقدمة أسباب الانتفاضة الشعبية التى شهدها اليمن العام الماضى، يرى آخرون أن أحداث هذه الثورة ألحقت هى الآخرى أضراراً بالغة باقتصاد البلاد.
ولا تقتصر الأزمة الإنسانية على المحافظات البعيدة، حيث إن الخدمات الحكومية ضعيفة والمساعدات الدولية مهددة بسبب النزاعات المستمرة، وإنما تصل إلى صنعاء أيضاً، الأمر الذى انعكس بشكل كبير على اقتصاد اليمن الذى يعد أصلاً من أفقر الدول فى العالم والأفقر فى العالم العربى.