اعرف مرشحك: محمد مرسي.. «الاحتياطي»

كتب: إيجيبت إندبندنت السبت 19-05-2012 19:27

في الثاني والعشرين من إبريل، تجمع آلاف الأشخاص في استاد المنصورة في حملة مرشح اللحظة الأخيرة، محمد مرسي، الذي اختارته جماعة «الإخوان المسلمين» ليترشح عن حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للجماعة، لمنصب رئيس الجمهورية، بعد استبعاد المهندس خيرت الشاطر، مرشح الجماعة الأول. وبعد مقدمة قصيرة مادحة في «مرسي» من أحد أفراد الحملة، خرج وهو يلوِّح للجماهير الصاخبة، وفي الخلفية كانت أغنية الحملة تتردد في أنحاء الاستاد: «كلنا إيد واحدة ضد الظلم والطغيان.. إن شاء الله مرسي هيفوز»، هكذا هتف أحد المشاركين في الحملة ورددت الجموع وراءه.


.. «كلنا سنحمل مشروع النهضة مع الشاطر أو مرسي».. ترددت أصداء الأغنية، التي تشير إلى رجل الجماعة الأقوى، خيرت الشاطر، الذي وقف إلى جوار «مرسي» على المنصة، التي تغطت بلافتات وتيشيرتات بأسماء المرشحين.


هذا المشهد يلخّص الجدل حول ترشيح «مرسي»، فقبل ساعات قليلة من إغلاق باب الترشح للرئاسة، دفعت الجماعة بأوراق «مرسي» كمرشح احتياطي للشاطر، القيادي المؤثر بالجماعة، والذي كان يخشى استبعاده من السباق بسبب سجله الجنائي.


ومنذ وقتها، اعتبر ترشيح «مرسي» دليلا على عدم استقرار قرارات الجماعة، كما أنه أشعل فتيل عدد من التعليقات الساخرة، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي وصفت «مرسي» بأنه « المرشح الاستِبْن للشاطر».


وبعدها بأسبوع، استبعد الشاطر رسميًا من سباق الرئاسة بقرار اللجنة العليا للانتخابات، وأصبح «مرسي» المرشح الوحيد للجماعة، لكن قرار اللجنة لم يهمِّش الشاطر بالكامل، فمازال يدور في أنحاء البلاد مع بديله، ويقدَّم باعتباره «مهندس مشروع النهضة»، الذي يتبنَّاه «مرسي» الآن.


في حِمّى الشاطر


وُلد «مرسي» عام 1951 في محافظة الشرقية، ودرس في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وحصل على البكالوريوس بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف، قبل أن يذهب للدراسة في جامعة جنوب كاليفورنيا ليحصل منها على درجتي الماجستير والدكتوراه عام 1982.


وطبقا للسيرة الذاتية المنشورة على موقع «الإخوان المسلمين»، فإن «مرسي» عمل أستاذًا مساعدًا في جامعة نورثريدج بكاليفورنيا في بداية الثمانينيات، وعاد إلى مصر في منتصف الثمانينيات للتدريس في كلية الهندسة بجامعة الزقازيق.


وعلى العكس من معظم قيادات «الإخوان»، لا يحفل تاريخ «مرسي» بسنوات الاعتقال أو عشرات السنوات في التضحية من أجل الجماعة، التي ظلت مُضطهدة لعقود طويلة، وبدأ اسمه يتردد داخل الجماعة فقط قبيل عام 2000 بعدد قليل من السنوات، حتى تقدم لانتخابات مجلس الشعب عام 1995 وأتبعها بترشحه لانتخابات المجلس عام 2000، التي نجح فيها.


كان «مرسي» من أنشط أعضاء البرلمان، وزادت شهرته بعد استجوابه للحكومة عن حادث قطار الصعيد في عام 2002، حيث قدم إدانة للحكومة، وخرجت الصحف الحكومية في اليوم التالي تشيد باستجوابه، كما تم اختياره كأفضل برلماني عالمي في الدورة البرلمانية 2000- 2005.


ومنذ وقتها، بدأ وجوده يرتبط بخيرت الشاطر، وبالنسبة لكثيرين داخل الجماعة، فإن ما جعل «مرسي» ينال دعم الشاطر هو التزامه التام بطاعة الجماعة وطبيعته، التي لا تسأل كثيرًا.


يقول عبدالرحمن عيّاش، الإخواني السابق، لـ«المصري اليوم»، إن «الطاعة والثقة» هما أهم السمات بالنسبة للشاطر، و«مرسي يُرضي هذه التطلعات».


دعَّم «الشاطر»، الذي يُفضل أن يكون في الكواليس، «مرسي»، ودفع به لمقدمة الجماعة، وبفضل بركات الشاطر، وصل «مرسي» في النهاية إلى أهم المواقع داخل «الإخوان»، على المستوى السياسي والإعلامي، ففي إبريل 2011، اختار مجلس شورى الجماعة «مرسي» رئيسًا لحزب الحرية والعدالة، حزب الإخوان المسلمين السياسي الذي ظهر عقب ثورة يناير.


ويضيف «عيّاش» أن الشاطر يفضل دائمًا «منح المقربين منه المناصب الحسَّاسة».


علاقات متأزمة مع الشباب


يُعتبر «مرسي» واحدًا من الأصوات المحافظة داخل المنظمة الإسلامية الأقدم في مصر، وقد وضعته صلاحياته في مواجهة مع شباب الجماعة الإصلاحيين في أكثر من مناسبة، وعندما أعلنت الجماعة برنامجها في سبتمبر 2007، احتجَّ عدد من شباب الجماعة على ثلاثة مبادئ مثيرة للجدل تمنع النساء والأقباط من الترشح للرئاسة، بالإضافة إلى مبدأ خضوع رئيس الجمهورية والسلطة التشريعية لرأي هيئة من كبار علماء الدين، على أن تنتخب هذه الهيئة من علماء الدين أنفسهم لا من الشعب.

 

وفي محاولة لاحتواء غضب شباب «الإخوان»، اجتمع «مرسي» بالمدوّنين منهم، إلا أن أسلوبه أدى لعزلهم أكثر، وطبقا لما قاله «عيّاش»، (22 عاما)، مُدوِّن حَضَر الاجتماع، قال «مرسي» في نبرة حازمة: «هكذا نفكر وهكذا نفهم الإسلام»، وبعد الثورة، أسقطت الجماعة المبادئ التي تحدثت عنها في 2007 كثوابت طبقا لاختلاف طبيعة المرحلة.


والعام الماضي، بدأ التوتر بين «مرسي» وشباب «الإخوان» يزيد، بعد أن عصى الشباب أوامر قادتهم، وقد تسببت الثورة في زيادة جرأة الكثير من شباب «الإخوان» ودفعتهم لتحدٍ أوامر قادتهم في أكثر من مناسبة خلال الثمانية عشر يومًا التي أطاحت بمبارك في النهاية، فقد رفض الشباب الأوامر بعدم الاشتراك في تظاهرات 25 يناير 2011 والانسحاب من الميدان خلال «موقعة الجمل».


ودعا «مرسي» لاجتماع مع ممثلي الجماعة في تحالف قوى الشباب بعد أيام قليلة من تنحي مبارك، وكان الإخواني أحمد عبدالجواد (35 عامًا) من بين الحاضرين، ويقول «عبدالجواد» عن اللقاء إنه «كان اجتماعًا غريبًا، بدا فيه «مرسي» كأنه حضر ليقوم بعملية غسيل دماغ وتبرير أخطاء الجماعة خلال الثورة، ومن هذه الأخطاء، التي جاء «مرسي» ليبررها لشباب الإخوان «رفض الجماعة المشاركة في تظاهرات يوم 25 يناير، وموافقتها على المشاركة في مفاوضات مع رئيس المخابرات وقتها، عمر سليمان».


ورغم ذلك، أعلن «مرسي» في ختام الاجتماع أن الجماعة «ليست راضية عن أسلوب الشباب المتمرِّدين»، وفي الوقت نفسه، انخرط شباب «الإخوان» في مظاهرات أخرى تطلب الإطاحة بالحكومة وبفلول نظام مبارك، وأصبحوا ضيوفا دائمين على برامج التوك شو، ويشرح «عبدالجواد» أنه بالنسبة لقادة الإخوان المسلمين، فإن رؤية أعضاء شباب الجماعة وهم يحتلون مساحات خارج كيان الجماعة تعتبر «خطا أحمر».

وفي النهاية، أرسل «مرسي» مساعده للقاء الشباب بعد الاجتماع المذكور بأسبوع، وكان مساعده قد عُيِّن لتوصيل رسالة محددة، رسالة مُتحدية تقول إن الشباب «تخطَّوا كل الحدود».


وبعد أن أُحبط شباب «الإخوان» من نبرة الرسالة، التقوا بالمرشد العام وطلبوا «ألا يكون مرسي وسيطًا بينهم وبين قادتهم»، وفور أن سمع «مرسي» بهذا المطلب، شُنَّت حملة تشويه على الشباب من داخل الجماعة، «فقد اعتبر مرسي مطالب الشباب أنها محاولة لتهميشه»، على حد قول «عبدالجواد».


وبعد شهر من هذا الاجتماع، أخذت المواجهة بين «مرسي» وشباب «الإخوان» الثوريين منحى آخر، خاصة عندما رفض «مرسي» حضور مؤتمر أقاموه للتعبير عن وجهات نظرهم في مستقبل الجماعة، وأخبر مرسي وسائل الإعلام أنه «لا علاقة بالجماعة على الإطلاق بذلك المؤتمر»، ثم طرد عبدالجواد ومعه عدد من شباب «الإخوان» من الجماعة بتهمة «عصيان قرارات القيادة».


عملية تصنيع بطل


منذ استبعاد الشاطر، حاولت حملة الجماعة الرسمية أن تقدِّم «مرسي» باعتباره «مرشحًا سياسيًا»، و«رمزًا للثورة»، و«داعمًا لمشروع النهضة»، كما تبرز الحملة أن «مرسي سُجن مرتين في عهد مبارك، ففي 2006، اعتقل لسبعة أشهر بتهم التورط في احتجاجات ضد تدخل مبارك في القضاء، وفي صباح 28 يناير 2011، قُبض عليه مع عدد من قيادات الجماعة كجزء من حملة نظام مبارك اليائسة لقمع الاحتجاجات التي اندلعت في ذلك اليوم»، بحسب الحملة.


ويقدم خطاب الجماعة «مرسي» بخلفيته البرلمانية لإثبات التزامه بالديمقراطية ومعارضة نظام مبارك ودفاعه عن الشريعة.


ويذكر لـ«مرسي» خلال دورته البرلمانية من 2000 إلى 2005، أنه بدأ عدة مبادرات لكشف فساد الحكومة، كما دعا لعدة إصلاحات سياسية تتضمن إلغاء قانون الأحزاب السياسية «سيئ السمعة»، على حد قوله، وتمكين المجالس المحلية ورفع حالة الطوارئ وجميع القيود على الصحافة والنشاطات الطلابية السياسية، كما أن «مرسي» كان منتقدًا لصفقة الغاز بين مصر وإسرائيل.


ويحمل سجل «مرسي» البرلماني دليلا على كونه «محافظًا» اجتماعيًا، فقد انتقد الحكومة لسماحها بتوزيع مجلات ذات أغلفة «عارية»، وبث مقاطع فيديو إباحية، كما رفض مسابقات ملكة جمال مصر باعتبارها «تتناقض مع عادات وتقاليد المجتمع والشريعة الإسلامية والدستور»، وأيضًا قدَّم طلب إحاطة في البرلمان قال فيه إن «هناك قوى مؤيدة لأمريكا داخل الحكومة تسعى لإضعاف الأزهر والتعليم الديني».


مستقبل ضعيف

معظم المراقبون يتوقعون ألا يضمن أيٌّ من المرشحين نسبة أصوات 50% من الناخبين ليفوز من الجولة الأولى في انتخابات الرئاسة، وبالتالي من المنتظر أن تكون جولة الإعادة، 15 و16 يونيو، بين مرشح إسلامي، وآخر ليبرالي، عمرو موسى أو أحمد شفيق، بحسب المراقبين.


وحتى الآن، مازالت فرص «مرسي» في البقاء بعد الجولة الأولى من السباق الرئاسي ضعيفة، فمرسي، المهندس ذو الـ61 عامًا، فشل في الحصول على دعم القوى الإسلامية المختلفة، فقد تعرَّضت حملته لضربة قوية، السبت 28 أبريل، عندما أعلن حزب «النور» السلفي، دعمه لعبد المنعم أبو الفتوح، القيادي السابق بجماعة الإخوان، كما لقي أبو الفتوح دعمًا من الجماعة الإسلامية في مفاضلة بين برنامجه وشخصيته من ناحية وبين مرسي والعوا، المرشحين الإسلاميين الآخرين، من ناحية أخرى.


ورغم أسلوب أبو الفتوح، الذي يميل للاعتدال والليبرالية، فإن أكبر كتلة سلفية أعلنت دعمها له، لأن لديه فرصة أكبر في هزيمة عمرو موسى في الإعادة من فرصة مرشح الإخوان، كما أنه يُتوقع أن يجذب أبو الفتوح أصواتا أكبر عن طريق شباب «الإخوان»، الذين يحترمون خطابه السياسي والكاريزما التي يتمتع بها.


ورغم أن نتائج استطلاعات الرأي أشارت في الأسابيع الأولى لتقدم «أبو الفتوح» على «مرسي»، إلا أن حملة «مرسي» نشطت نشاطا ملحوظا على الأرض في مختلف المحافظات مكونين سلاسل بشرية بطول المدن المختلفة تحمل لافتات مرشح الجماعة غير عابئين بالانتقاد الموجه له بأنه «صاحب صاحب مشروع النهضة».