جاءت الانتخابات البرلمانية أحد أبرز إنجازات ثورة يناير على أرض الواقع حتى الآن.. وأفرزت لنا ما يطلق عليه «برلمان الثورة»، ورغم سيطرة الأحزاب الدينية على البرلمان، فإن غالبية المصريين عقدوا آمالهم على ما يمكن وصفهم بالنواب المحسوبين على الثورة، ومعظمهم من الشباب.. والآن بعد مرور ما يقرب من أربعة أشهر من عمر البرلمان اختلفت الآراء حول أداء هؤلاء النواب، بين من يرون أن أداءهم ضعيف، ومن يلتمسون لهم الأعذار بسبب قلة عددهم فى مواجهة الأغلبية «الإسلامية» وقلة خبراتهم البرلمانية.
تأثر هؤلاء النواب مع بدايات ممارساتهم كبرلمانيين بـ«الطابع الثورى»، وظهروا كأطراف رئيسية فى أزمات كثيرة.. وفى المقابل، غاب تأثيرهم فى بعض المواقف الأخرى - وفقاً لمحللين سياسيين.
خلق نواب الثورة فى الساعة الأولى من بداية عمل البرلمان أزمة لا مبرر لها.. عندما أضافوا للقسم الدستورى عبارة «بما لا يخالف مبادئ الثورة»، ولم يدركوا عند تقليدهم النواب السلفيين ممن أضافوا عبارة «بما لا يخالف شرع الله» - أن تلك الإضافات مخالفة للدستور الذى تضمن نص القسم، والتمس البعض لهم وللنواب السلفيين العذر لافتقادهم الخبرة البرلمانية، وسيطرة الحالة الثورية على أدائهم.
وبعد أسابيع قليلة، فجر النائب زياد العليمى المحسوب على الثورة أزمته الشهيرة بواقعة «سب المشير» عندما وجه ألفاظاً اعتبرها البعض غير لائقة فى حق المشير محمد حسين طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أثناء مشاركته فى أحد المؤتمرات فى مدينة بورسعيد عقب مذبحة الاستاد هناك. بدأت الأزمة على بعد أميال من البرلمان.. وسريعاً انتقلت داخله بعد مطالبة نواب آخرين بضرورة محاسبة «العليمى».. وانتهى الأمر بإحالته إلى لجنة القيم، التى لم تصل لقرار حتى الآن.
وبين شرعية «الميدان» وشرعية «البرلمان» اختلط أداء النواب المحسوبين على الثورة، ولم تفلح نواياهم الثورية بمساندتهم لزميلهم عصام سلطان عند إقرار قانون العزل السياسى، فى تجميل صورتهم، وظهرت قلة خبرتهم فى حماسهم الزائد لقانون مصاب بالعوار الدستورى - بحسب مراقبين.
وفى الوقت نفسه، أخذ البعض على المستشار محمود الخضيرى الذى أتت به الثورة نائباً حماسه للقانون على حساب خبرته القانونية كقاضٍ يعرف تماماً أن احتمالات بطلانه شبه مؤكدة. وجاءت عبارات النائب مصطفى النجار لتؤكد حيرة هؤلاء النواب، عندما قال بالحرف الواحد: «فلتسقط الدساتير والقوانين التى تحمى القتلة وتكافئهم»، واعتبر البعض أن «النجار» يكشف بعبارته كيف يمارس هؤلاء النواب دورهم بعينين زائغتين: عين داخل البرلمان، والأخرى تتطلع إلى ميدان التحرير.
وفى المقابل، لم يلمس المراقبون أثراً لهؤلاء النواب فى الأزمات السياسية الأكثر عمقاً مثل تلك التى بين حزب الحرية والعدالة، صاحب الأغلبية البرلمانية، وحكومة الدكتور كمال الجنزورى، ولم يعرف أحد رأيهم فى تلك الأزمة: لم ينحازوا للأغلبية فى موقفها، ولم يقرروا إن كان بإمكانهم دعم «الجنزورى» فى تلك المواجهة، أو الهجوم عليه. ظهروا كأن الأمر لا يعنيهم، وبالمثل عجزوا عن إظهار موقف موحد ضد تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وتكتلت كل القوى السياسية والأحزاب وشباب الثورة ضد سيطرة الإخوان المسلمين على تشكيل الجمعية، ووقف هؤلاء فى المنتصف، ولم يعرف أحد هل هم مع هذه السيطرة أو ضدها.. كما أن محاولاتهم للبقاء فى الشارع ضعفت بين الالتزام البرلمانى والروح الثورية، وبدا هذا واضحاً عندما قام النائبان عمرو حمزاوى ومصطفى النجار بمبادرة لفض الاشتباك بين المتظاهرين من جهة، والجيش والشرطة من جهة أخرى على خلفية أحداث مجلس الوزراء، وقبل بداية أعمال مجلس الشعب.. فقد رفض المتظاهرون وساطة نواب الثورة، وطالبوهم بأن يقنعوا الطرف الآخر بالتوقف أو أن ينضموا إليهم فى الميدان، كما كانوا من قبل، وعلى الجانب الآخر تعرض «حمزاوى» لهجوم شرس من العاملين بمجلس الشعب وجنود وأمناء الشرطة الذين رفضوا بدورهم تدخل نواب الثورة، رغم أن الناس كانت تطالب «النجار» أثناء توجهه لوزارة الداخلية بالتدخل مؤكدين له أنهم يريدون عودة الثوار الأوائل إلا أنه مع النائب عمرو حمزاوى استمرا فى المشاركة فى بعض الفعاليات الثورية بشكل فردى، منها مظاهرات ذكرى 25 يناير 2012 كثوار وليسوا كبرلمانيين، وتكرر الموقف الذى شهدته أحداث مجلس الوزراء عقب أحداث بورسعيد أثناء محاولات فض الاشتباك بين الشرطة والمتظاهرين أمام وزارة الداخلية إلا أن استقبال المتظاهرين لهم اتسم بالقبول لكنه لم يسفر عن نتيجة حاسمة للأحداث.
ومن قلب البرلمان رصدت «المصرى اليوم» آراء قدامى النواب فى أداء نواب الثورة، وقال النائب الوفدى طارق سباق: إنهم بدأوا نشاطهم البرلمانى بحيوية واضحة كانت تشير وقتها إلى أن المصريين سيشهدون نواباً من طراز مختلف، لكنهم سرعان ما تراجعوا بفعل ما ارتكبوه من أفعال أدت بهم للدخول فى أزمات متتالية، وجاء تضامن عصام سلطان وعمرو حمزاوى عند إقرار قانون العزل السياسى لاستهداف بعض رموز النظام السابق، رغم العوار الدستورى الواضح للقانون، ليضع بعض علامات الاستفهام على موقفهم.
وقال النائب المخضرم البدرى فرغلى: إن هؤلاء النواب خرجوا من رحم الثورة، ومازالوا حريصين على استكمال نجاحها، ويعبرون عن أنفسهم بشكل واضح، لكنهم يفتقدون الخبرة البرلمانية اللازمة للسيطرة على أدوات العمل النيابى سواء فى التشريع أو الرقابة، وطالب «البدرى» بالصبر على هؤلاء، وقال: انتظروهم الدورة البرلمانية المقبلة وستجدون أداء أفضل بكثير.
وقال النائب سعد عبود: من الظلم أن نبدأ من الآن فى تقييم أداء نواب الثورة.. ومازال أمامهم الكثير ليضبطوا إيقاع ممارساتهم البرلمانية، لكنى أدعوهم إلى الاهتمام بحل مشكلات المواطن البسيط أيضاً بجانب اهتمامهم بالقضايا الكبرى.
ولفت النائب مصطفى الجندى إلى ضرورة الربط بين أداء هؤلاء النواب الذى يصفه البعض بالضعيف، وضعف أداء البرلمان نفسه الذى يمارس دوره دون صلاحيات كافية تتيح له تفعيل آلية الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.