وكيل البنك المركزي: استهداف التضخم مهمة الدولة.. ولا بد من النص عليه في الدستور

كتب: مصباح قطب, أميرة صالح, محسن عبد الرازق الخميس 10-05-2012 20:24

 

أكدت رانيا المشاط، وكيل محافظ البنك المركزي، أن استهداف التضخم لا يقع على عاتق البنك المركزي وحده، وطالبت بوضع إطار عام تلتزم جميع جهات الدولة بالعمل على تنفيذه، وذهبت إلى حد القول بأن الدستور المصرى المقبل يجب أن ينص على مثل هذا الأمر، بسبب أهمية استهداف التضخم وآثاره البالغة الأهمية على مجمل الأداء الاقتصادي فى أى دولة.

وقالت «المشاط»، فى ورقة بحثية، حصلت «المصرى اليوم»على نسخة منها، بعنوان «أولويات السياسة النقدية فى مصر.. المجال لتبني إطار استهداف التضخم»: «إن استهداف التضخم لا يبدأ أو ينتهي بالبنك المركزي، وأنه عمل يتطلب جهود كل أجهزة الدولة والمجتمع متمثلا فى منظمات المجتمع المدنى المعنية بمراقبة الأسواق والأسعار»، مشيرة إلى أن تبنى الاستهداف يوجب تحديد معدل محدد من التضخم يتم إعلانه بشفافية والالتزام الوطنى بتحقيقه، فضلاً عن وضع آليات للمحاسبة فى حالة عدم تحقيق الهدف.

وأكدت نجاح التجربة فى الدول التى طبقت استهداف التضخم، دفع عدداً آخر من الدول إلى أن تحذو حذو السابقين، ومنهم دول صناعية كبرى ومتوسطة وصغيرة، مشيرة الى ضرورة توافر عدة متطلبات لتمهيد الطريق نحو استهداف التضخم، منها انضباط المالية العامة، وبناء قطاع مصرفي فعال ذات ملاءة مالية وسيولة مرتفعة، فضلاً عن إرساء بنية تحتية تقنية قادرة على التحليل الاقتصادي وصياغة نماذج متطورة للتنبؤ بالتضخم لتنفيذ سياسية نقدية «استباقية».

وتابعت: «يجب على القائمين على إدارة الاقتصاد الكلي تعظيم التنسيق بين الجهات لحكومية المعنية، فضلاً عن ضرورة أن تلتف السياسات المالية والنقدية والتجارية، حول الهدف الأساسي، وهو استهداف التضخم بحيث يكون خفض عجز الموازنة من أهم الأولويات».

وقالت: «إن استهداف التضخم لابد أن يكون ضمن سياسات اقتصادية تتسم بالشفافية وتخضغ لقواعد تقنية صارمة وليست انتقائية تعمل على الحفاظ على الأسعار كهدف رئيسي للسياسة النقدية، إلى جانب ضرورة إعلان هدف رقمي للتضخم المستهدف، يعمل القائمون على إدارة الاقتصاد الكلي على استهدافه».

وشددت على ضرورة أن تكون قرارات السياسة النقدية مبنية على قاعدة عريضة من المعلومات والمتغيرات الاقتصادية، بالإضافة إلى التوقعات المستقبلية، لافتة إلى أهمية التواصل والشفافية مع الجمهور لتكون أهم دعائم استهداف التضخم.

وأضافت أن استهداف التضخم لابد أن يتزامن معه إيجاد آلية للمحاسبة على الأهداف الموضوعة، وهل تحققت أم لا وأسباب عدم تحققها إذا حدث ذلك وإعلان الأمر على الرأى العام.

وحول استقلالية البنك المركزي، قالت إنه ليس من الضرورة أن يكون له استقلالية فى تحديد «الهدف»، لكن لابد من استقلاله من حيث التشتغيل لتطبيق إطار استهداف التضخم.

وقالت: «إن استهداف التضخم يساهم فى الحد من التقلبات فى التضخم، وإن هذا يؤدي إلى زيادة الاستثمار، حيث يستطيع المستثمر المحلي والأجنبي التنبؤ بالسياسات النقدية المستقبلية التى ستطبقها الدولة، وبالتالي اتخاذ قرارات على أساسها بعد معرفتها من التقرير التي ينشرها قطاع السياسات بالبنك، ويمتد الانعكاس إلى قرارات المستهلكين لاتخاذ قرارات سواء بالادخار أو الاستهلاك».

ورصدت «المشاط» حركة الأسعار فى مصر من خلال سلسلة زمنية طويلة، مشيرة إلى أن السوق شهدت صدمات عرض محلية أدت إلى تغير ديناميكيات أسعارها، حيث تفاقمت عام 2009، بعد أن ارتفعت الأسعار بمعدلات كبيرة عن الفترة بين عامي 2005 و 2009 .

وقال إن هناك  4 سلع أساسية مسؤولة عن حركة الأسعار الكلية وهو الموالح والبطاطس والبصل والطماطم، فيما يبدو أن «المجنونة» ليست الطماطم وحدها، مشيرة إلى أن تصدير هذه المنتجات بكثافة في السنوات الماضية خلق عجزا فى السوق المحلية، وهو ما أدى إلى ارتفاع الأسعار.

وحول ارتفاع أسعار اللحوم، التى سجلت زيادة بلغت 70 % بين أعوام 2008 و2012 لتفوق مستويات الزيادة في الأسواق العالمية، قالت إن ما ساهم فى زيادة المشكلة أن النقص فى المعروض المحلي من السلع لم يتم تعويضه بالقدر الكافي، لكن مع تطبيق استهداف التضخم ستعمل التقديرات المستقبلية للإنتاج على معرفة العجز بين العرض والطلب قبل زيادته وتفاديه.

وأوضحت أنه منذ عام 2008 حتى 2011 شهد سعراً لصرف الحقيقي زيادة تدريجية نتج عنها اتساع في الفجوة بين التضخم فى مصر وشركائها التجاريين، حيث وصل متوسط التضخم في خلال هذه الفترة 12.5 % مقابل 2.1 % عند الشركاء التجاريين ونتيجة ذلك هى إضعاف تنافسية المصدر المصرى، لأن تكاليفه تزيد يوما بعد آخر، بينما تزيد تكاليف المنافسين بدرجة أقل وبالتالي لابد من معالجة التشوهات السوقية التى تؤدي إلى تفاقم إثر الصدمات المختلفة.

وقالت: «إن استهداف التضخم لابد أن يسبقه معالجة التشوهات فى الأسعار والحد من الممارسات الاحتكارية فى الأسواق وتلبية متطلبات السوق المحلية قبل فتح باب التصدير، وبالتالي تصبح إتاحة بيانات تفصيلية لصانع القرار ضرورة لا مفر منها، فضلا عن التنسيق بين الجهات المعنية حتى تستطيع مجتمعة مواجهة الأزمات والتنبؤ بها قبل حدوثها».

المشاط قالت، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»: «إن البنك المركزي يدير المرحلة الحالية بسياسة إدارة أزمة أى أنه كف عن المضي قدما فى تنفيذ سياسة استهداف التضخم التى قال منذ سنوات إنه سيبدأ فى تبنيها، موضحة أنه يصعب الآن السير فى طريق استهداف التضخم وإلى أن تنتهي المرحلة الانتقالية. كما قالت إنها لا توافق على القول بأن السياسة المالية تهيمن على السياسة النقدية، موضحة أن المركزي حريص على استقلاله بقدر ما هو حريص على أن تكون سياساته متوازنة ومتماشية مع مجمل الأوضاع فى البلاد، بما فيها أوضاع المالية العامة.

وعللت «المشاط» ما يبدو أنه حرص من المركزي على مساندة العملة المصرية مهما كانت التكلفة بالقول إن «العملة تعكس قوة الاقتصاد وقوة الاقتصاد لا تقاس بالواقع الراهن فقط، لكن بالقدرة الكامنة، وهناك إجماع على ان أساسيات الاقتصاد المصرى سليمة ولم تصب بسوء، رغم أحداث الثورة، وحتى المصانع التى توقفت يمكن أن تعاود الإنتاج فى وقت قصير، ولهذا فإن المركزي يتأنى فيما يتعلق بسعر الصرف لحساسيته، مؤكدة أن المركزي يحرص فى المقام الأول حالياً على توفير السيولة النقدية للنشاط الاقتصادي وعلى ثقة المودعين والمتعاملين فى الجهاز المصرفي، وقد نجح فى ذلك بدليل أننا لم نرَ ميلاً إلى سحب ودائع بل إنها زادت كما أن تمويل النشاط الاقتصادي يمضى بطريقة جيدة».