أكد خبراء ومسؤولون فى الحكومة أن عمليات التهريب تهدد اقتصاد الدولة بالانهيار، وتضرب أركانه فى الصميم، خاصة بعد تصريحات المسؤولين بأن الخزانة العامة تكبدت 10 مليارات جنيه سنويا، نتيجة عمليات التهريب.
وأشار الخبراء إلى انضمام سلع جديدة إلى قوائم السلع المهربة، لم تكن موجودة فى السابق، ومنها السجائر والسيارات والبطاطين والهواتف المحمولة، التى تعاظم حجم تهريبها، والسولار والبنزين والملابس والأقمشة.
ووفقاً لتصريحات الدكتور أحمد فرج سعودى، رئيس مصلحة الجمارك، فإن التهريب يمثل خطورة بالغة على الاقتصاد، لأنه يحرم خزانة الدولة من موارد مهمة، مثل الرسوم والجمارك، التى تحتاج إليها البلاد بشدة، خاصة فى ظل الظروف الراهنة، كما أن عمليات التهريب تهدد الصناعة المحلية، التى لم تعد تستطيع منافسة المنتجات المهربة لرخص سعرها.
وتتركز عمليات التهريب فى تجارة الترانزيت التى تتم مع دول حدودية مثل ليبيا، أو عن طريق منطقة التجارة الحرة فى بورسعيد، أو مع غزة عبر المعابر، وقال «سعودى» إن المصلحة اتخذت إجراءات لتشديد الرقابة على المنافذ خاصة منفذ السلوم، ومنفذ الشاحنات فى بورسعيد.
وأشار «سعودى» إلى أن الإجراءات الجديدة تتضمن تفتيش وفتح الكونترات المحملة لتجارة الترانزيت فى جميع المنافذ للوقوف على نوع البضائع الموجودة بها، ومطابقتها للمسجل فى الأوراق، لمنع تهريب أى سلع أخرى بداخلها، مثلما كان يحدث مع أجهزة المحمول، وقال إن صاحب الشحنة المنقولة إلى ليبيا مثلا بنظام الترانزيت يدفع خطاب ضمان مالى لمصلحة الجمارك بقيمة الجمرك المطلوب للشحنة، حتى يتم التأكد من خروجها من الحدود المصرية بصحبة مندوب من الشرطة، ووصولها للجانب الليبى بأمان، وبعدها يسترد قيمة الضمان.
وطالب سعيد عبدالله، وكيل أول وزارة التجارة والصناعة، وزارتى «الداخلية والتموين» بتكثيف حملاتهما على الأسواق للحد من انتشار البضائع المهربة، مؤكدا أن التوسع فى هذه الحملات سيقضى على ظاهرة انتشار السلع مجهولة المصدر.
وتبرز الأرقام حجم الخسائر التى يتكبدها الاقتصاد نتيجة هذه العمليات، إذ إن تهريب نوع واحد مثل السجائر يتسبب فى خسارة الدولة أكثر من 4 مليارات جنيه، نتيجة عدم تحصيل الحكومة للرسوم الجمركية والضرائب المفروضة، بحسب تصريحات سابقة لوزير المالية، وهو ما يعادل 21% من قيمة القرض المطلوب من صندوق النقد الدولى، فيما قال نبيل عبدالعزيز، رئيس الشركة الشرقية للدخان، المملوكة للدولة، إن مبيعات الشركة تراجعت فى يناير الماضى بنسبة 57% نتيجة للتهريب.
ووفقاً لتقديرات مصلحة الجمارك، فان عدد أصناف السجائر المهربة التى دخلت مصر العام الماضى 70 صنفاً، منها أنواع مقلدة لأصناف شهيرة، وتباع بأسعار تصل من 3 الى 5 جنيهات للواحدة، مقابل 13 جنيهاً للسجائر الأصلية، وتشير تنائج فحص عينات منها فى المركز القومى للبحوث إلى أنها مصنعة من أردأ أنواع التبغ بالغ الخطورة.
وأكدت دراسة أجرتها شركة «بريتيش أمريكان توباكو»، أكبر منتج للسجائر عالمياً، أن تجارة السجائر المهربة فى مصر وصلت نسبتها إلى 20% من جحم السوق فى الربع الأول من 2012، مقابل 0.03% فى 2010، وأشارت الإحصائيات إلى ارتفاع استهلاك السجائر بمعدل 3 مليارات سيجارة خلال عام واحد، بسبب انتشارها فى الأسواق بأسعار رخيصة، حتى وصل الاستهلاك إلى 84 مليار سيجارة سنوياً.
أما عن السولار والبنزين، فقد حمل المهندس عبدالله غراب، وزير البترول، المهربين مسؤولية أزمات نقص الوقود التى شهدتها جميع المحافظات دون استثناء، أكثر من مرة خلال عام واحد. وقال «غراب» إن عمليتى تهريب السولار إلى السفن فى عرض البحر من خلال مراكب الصيد الصغيرة، وتهريب البنزين إلى غزة عبر الأنفاق - هما السبب الرئيسى فى أزمة الوقود، بالإضافة الى عمليات التهريب التى تتم من خلال تصدير السولار والبنزين من الموانى إلى تركيا، على أنها مذيبات صناعية.
وجدير بالذكر أن سعر لتر البنزين 80 فى مصر يصل إلى 80 قرشاً، فى حين أن سعره عالمياً يعادل 4 جنيهات، كما يصل سعر لتر السولار فى مصر 180 قرشاً، مقابل 6 جنيهات فى أسواق الدول المجاروة، ووفقا لتقديرات أحمد موافى، مدير شرطة التموين، فإن حجم المواد البترولية التى تم تهريبها للخارج خلال الأشهر الأربعة الأخيرة وصل إلى 36 مليون لتر.
ولا تختلف الحال كثيراً بالنسبة لتليفونات المحمول المهربة، إذ أكد وليد رمضان، نائب رئيس شعبة تجارة المحمول بغرفة القاهرة، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» تهريب ما يقرب من 15 ألف جهاز يومياً الى مصر عبر منفذ السلوم، ما أدى إلى انخفاض نسب مبيعات الشركات والمستوردين الشرعيين أكثر من 60%. وأكد محمد المرشدى، رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات، أن حجم التهريب تخطى 40% من تجارة المنسوجات والأقمشة والملابس فى مصر، مشيراً إلى أن الغرفة طلبت من الحكومة التدخل لوقف تجارة الترانزيت البرى عبر الأراضى المصرية مع جميع الدول، وليس ليبيا فقط، خاصة أنها لا تستطيع حالياً السيطرة على المنافذ وطرق النقل الرسمية أو المسالك الجبلية والصحراوية، التى يستخدمها المهربون فى تنفيذ عملياتهم. وقال خالد حنفى، المستشار الاقتصادى لاتحاد الغرف التجارية، إن عمليات التهريب زادت عقب الثورة، نظرا لتردى الوضع الأمنى، مشيراً إلى أن الحكومة تتجه دوماً إلى حل المشاكل ظاهرياً، دون مرعاة الوضع الحالى، وأكد أن ما يتم إصداره من قوانين لترشيد الاستيراد، من خلال وضع قيود على الواردات - يأتى برد فعل سلبى، إذ تتزايد نتيجة ذلك عمليات التهريب، وأشار إلى أن تكلفة التجارة المهربة تصل إلى ثلث تكلفة التجارة الشرعية، ما يدفع التجار غير الشرفاء الى التوسع فيها.