اعرف مرشحك: حمدين صباحي.. «النَّاصري»

كتب: مصطفى علي, باهي حسن الثلاثاء 01-05-2012 13:32

حمدين صبَّاحي.. نموذجٌ حداثيٌ من جمال عبد الناصر، ثائرٌ معتدلٌ وَسَطيٌ، يؤمن بأن شعبه «قائدٌ ومُعلم»، رفض الهروب من مصر عقب تخرجه من كلية الإعلام ومعاناته في الحصول على عمل بعد اشتداد قبضة نظام السادات ضده، حارب توريث مصر إلى «مبارك الابن» تحت شعار «نقسم بالله العظيم.. لن يرثنا جمال مبارك»، وقف أيضًا في وجه تمديد حكم «مبارك الأب»، مقدِّمًا للمصريين عربون إخلاص وطني عبر مسيرة طويلة من العمل السياسي بدأت مبكرًا في أعقاب نصر أكتوبر1973.

 

أسَّس «صبَّاحي» ورفاقه «نادي الفكر الناصري» بجامعة القاهرة، في محاولة لتشكيل جبهة معارضة للرئيس الراحل أنور السادات، ظنًّا منهم أن خليفة عبد الناصر «بدأ يتجاهل مُكتسبات ثورة يوليو».

 

نال «صبَّاحي» شهرة كبيرة بعد مناظرة له أمام السادات داخل جامعة القاهرة أثناء توليه منصب رئيس اتحاد طلبة الجامعة، على غرار زميله عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الرئاسي أيضًا، وذلك عقب الانتفاضة الشعبية ضد غلاء الأسعار وإلغاء الدعم عام 1977، وقدَّم «صبَّاحي» انتقادًا قاسيًا لسياسة الرئيس السادات الاقتصادية والفساد الحكومي آنذاك، بالإضافة إلى موقفه، الذي لم يتغير حتى الآن، من انتقاد للقيادة السياسية المصرية وتوجهها في قضية العلاقات مع الدولة الصهيونية في أعقاب حرب أكتوبر 1973.

 

اعتقال واغتيال

وما بين فكَّي الاعتقال والاغتيال دار تاريخ «صبَّاحي»، فدخل المعتقل لأول مرة عام 1981 قبل اغتيال السادات بأسابيع قليلة، وذلك خلال موجة اعتقالات سبتمبر، التي شنَّها نظام السادات ضدَّ قيادات ورموز الحركة الوطنية المعارضة له من كل التيارات اعتراضًا على اتفاقية السلام.

 

ثاني مرات الاعتقال التي طالت «صباحي» عام 1987 في قضية «تنظيم ثورة مصر» لاتهامه بأنه «أحد قيادات الجناح السياسي لتنظيم ثورة مصر المسلحة»، وكانت المرة الثالثة التي زار فيها المعتقل عام 1990، لمشاركته في انتفاضة الشارع المصري ضد مشاركة القوات المصرية في حرب تحرير الكويت من الجيش العراقي بتوجيه من الإدارة الأمريكية.

 

وبعد إلقائه خطبة داخل جامعة القاهرة عام 1993، بحسب ما نشرته مواقع إلكترونية مختلفة، انطلقت مظاهرات طلابية حاشدة، فجرى تدبير محاولة أمنية لاغتياله في مطاردة بالسيارات، لكنه نجا منها، وأثناء ذلك وجد «صبّاحي» في انتظاره تلفيق تهمة «مقاومة السلطات والشروع في قتل ضابط»، لكن القضاء المصري برَّأه منها.

 

وفي عام 1997 تم اعتقاله على خلفية مؤازرته للفلاحين الرافضين لقانون العلاقة بين المالك والمستأجر، ثم مرة أخرى وهو نائب في مجلس الشعب، إبَّان الغزو الأمريكي للعراق، حيث قاد «صباحي» مظاهرات ضد هذا الغزو في ميدان التحرير، وحرَّض خلالها على ضرب المصالح الأمريكية حتى تتوقف عن ضرب الشعب العراقي.

 

معارك برلمانية

خاض «صبَّاحي» انتخابات مجلس الشعب في 2005 في إطار «القائمة الوطنية لمرشحي التغيير»، وكانت واحدة من أهم معاركه ضد النظام السابق، وقاوم معه أهالي دائرته ممارسات النظام القمعية لإسقاطه في الانتخابات، حيث ابتكروا أساليب بسيطة لتجاوز حصار الشرطة للجان الانتخاب، وسهروا على حراسة صناديق الانتخابات، حتى سقط أحدهم برصاص الشرطة، بالإضافة إلى عشرات الجرحى الذين أصيبوا دفاعًا عن حقهم في الحفاظ على مقعد برلماني ينحاز لمصالحهم ويعبر عنهم.

 

انتصر «صبّاحي» في معركته بفضل انحيازه للبسطاء من أهل دائرته التي تضم بلطيم والبرلس والحامول.

 

واشتهر «صبّاحي» بجملته «يُسعدني أن أرفض بيان الحكومة»، التي ردَّ بها دائمًا على بيانات حكومة أحمد نظيف، وزارة رجال الأعمال، التي عانى بسببها الشعب لسنوات طويلة، وكانت ممارساتها أحد أسباب ثورة يناير 2011، وقد دأب «صبّاحي» على وصف هذه الحكومة بـ«حكومة تصنيع الفقر والغلاء والفساد والبطالة وتدني الخدمات».

 

وفي محاولة لرفض التوريث، شارك «صبَّاحي» مع عدد من القيادات السياسية في تأسيس «الحركة المصرية من أجل التغيير» والتي أطلقوا عليها اسم «كفاية» عام 2004، لرفض التجديد لولاية خامسة لمبارك، أو تولي نجله حكم مصر، ورفعت الحركة شعار «لا للتمديد لا للتوريث».

 

ورغم معارضته للنظام، ورفضه التوريث، لم يمانع «صبَّاحي» الدعوة لتمديد فترة حكم بعض الرؤساء العرب، حيث نشرت جريدة «الكرامة»، التي كان يرأس تحريرها «صباحي» عام 2006، ملحقًا خاصًا في ذكرى ثورة «الفاتح من سبتمبر», تصدّرت الصفحة الأولى للملحق صورة ضخمة للقذافي وعليها عبارة تقول: «37 عامًا من الإنجازات».

 

ويعلق حسام مؤنس، المسؤول عن «حملة دعم حمدين صباحي للرئاسة»، على انتقاد المعارضين لمرشحه بقوله: «ما نشر كان إعلانا، وهو مسؤولية المُعلِن لا الناشر، وبالتالي فنشرُ هذا الملحق لا يعني دعم (الكرامة) جريدة أو حزبًا من قيادات النظام الليبي، ولا يترتب عليه أي تغيير في مواقفنا تجاه النظام الليبي أو غيره من الأنظمة العربية الحاكمة، فكلها في رأينا نموذج مكرَّر من النظام المصري الذي نعارضه جذريًّا، ورهاننا في كل الأحوال ليس على أي نظام عربي، ومواقفنا في كل القضايا كانت واضحة من وضع الأنظمة العربية في خندق الاستسلام، ووضع الشعوب العربية في خندق المقاومة الذي ننحاز له».

 

وتم إخراج المُلحق في شكل خبري تحريري وليس إعلانيًّا, حيث وضعت «الكرامة» اسم اثنين من صحفييها كمُعدّيْن، واستخدمت نفس ترويسة الملحق العادي الذي تصدره بشكل دائم.

 

«حمدين» مُمثلا

في فيلم «الآخر» ليوسف شاهين، ظهر «صبَّاحي» في دور إعلامي فى الفيلم، واستغل معارضوه ظهوره معتبرين هذا جُرمًا، وأسقطوا الأمر على شخصية «صبَّاحي» باعتباره يمثل على الشعب دور الرجل المُعارض.

 

 

وقد أعلن حمدين صبَّاحي استقالته من الحزب «الناصري» عام 1994 بعد خلافات حزبية، وقال حمدين عن الحزب وقتها إنه «يفتقر إلى الديمقراطية، ويعاني من تآكل الكثير من كوادره، بالإضافة إلى أنه الأكثر تشددًا في خطابه السياسي»، بحسب قوله، كما وصف الحزب بأنه «لم يعد قادرًا على التعبير عن التيار الناصري»، ولعل هذا ما دفع «صبَّاحي» لتأسيس حزب «الكرامة»، بعدما حصل على شرعيته القانونية بعد ثورة 25 يناير في 28 أغسطس 2011، رغم وجوده بالحياة السياسية منذ 13 عامًا، لكن لجنة شؤون الأحزاب في عصر مبارك رفضته عدة مرات، كما رفضته المحكمة الإدارية العليا لمرات عديدة كان آخرها في 2007.

 

ترأَّس «صبَّاحي» لعدة سنوات رئاسة تحرير جريدة «الكرامة» الصادرة عن الحزب في 2005، ولكنه لم يتمكن من صناعة جريدة مرموقة، حيث لم يتجاوز توزعها سوى بضعة آلاف، ما يدفع للتساؤل: «ما عدد الناخبين الذين يضمن حمدين أصواتهم؟، هل بلغ عدد مشتركي صحيفته الأسبوعية عدد التوكيلات التي ذهب بها إلى اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة؟».

 

وعقب إعلانه الترشح لرئاسة الجمهورية، حاول «صبَّاحي»، (58 عامًا)، أن ينأى بنفسه عن « تطبيق الخطة الناصرية القومية»، وكانت سياسات ناصر تفضل المزارعين الفقراء عن طريق تأميم الأراضي الزراعية وفرض رقابة على إيجارات الأراضي التي كانت تجعل ملاك الأراضي يفرضون مبالغ باهظة على المزارعين المستأجرين.

 

وقد رفعت حملة حمدين صباحي كمرشح لرئاسة الجمهورية شعار «واحد مننا رئيسًا لمصر»، معتمدة بشكل أساسي على تاريخ «حمدين» النضالي ضد النظام السابق، ومناظرته أمام السادات..

 

مرشح التبرعات الشعبية

وتعتمد الحملة بشكل أساسي على تبرعات المواطنين على حساب بنكي تحت شعار «نصنع رئيس مصر بأموال المصريين»، وقد يكون ذلك التوجه من حملة حمدين للخروج من فخ التمويل الذي قد يلاحق بعض مرشحي الرئاسة، فقد توجه لهم تهم سالفة التجهيز، مثل «يتلقى تمويلًا من قطر أو السعودية»..

 

ويؤكد بعض المشاركين في حملة «صباحي» أنهم «يواجهون تحديات كبيرة لتدبير نفقات الدعاية»، ويعتبرون أن هذه من بين المشكلات التي تواجه مرشحهم, ومع ذلك التغريد الشعبي الذي يتكئ عليه حمدين وحملته، فقد طالته اتهامات بتلقيه أموالا من دول عربية مثل ليبيا في ظل نظام القذافي, وأخرى من العراق في فترات الدفاع عن قضايا رفع الحصارعن العراق، ودلل المتهِمون على ذلك بقرب «صبَّاحي» من النظام الليبي البائد وسفره الدائم للإفراج عن الصيادين المصريين الذين كانوا يُحتجزون في المياه الإقليمية الليبية, لكن هذه الاتهامات لم تثبت من أي جهة حتى الآن كما نفاها حمدين نفسه، مؤكدًا أن علاقاته «توطدت بهذه الدول المذكورة في أوقات الأزمات فقط لاعتبارات قومية».

 

وقد تردد أكثر من مرة الحديث عن فريق رئاسي، يجمع حمدين صباحي مع المستشار هشام البسطويسي، مرشح حزب «التجمع»، وأبو العز الحريري، مرشح حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، لكن مثل هذه الأحاديث لم تدخل حيز التنفيذ مكتفية بترديدها في وسائل الإعلام.

وقد انتصر صبَّاحي كثيرًا لزعماء عرب، واتهمه البعض في ذلك بأنه «يصنع من الحكام العرب أبطالًا دون مراعاة لدورهم في خدمة شعوبهم»، وقال مدحًا مطولًا في عزاء الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي أعدِم في 30 ديسمبر 2006.

 

وقال «صبَّاحي» عن «صدَّام» في العزاء الذي أقيم بنقابة الصحفيين في 4 يناير 2007: « صدام مات بأيدي الأمريكيين، ومن حسن خاتمة المرء أن يموت بأيدي أعدائه»، وطالب الأمة العربية بـ«الثأر».

 

وأضاف «حمدين» في كلامه عن صدام: «لقد عقد أنجح صفقة في تاريخه، دفع حياته واشترى شرف الشهادة، وبكرامة الشهيد تحرر باستشهاده البطولي من صورة السيد الرئيس حفظه الله بكل طغيانها، ومن أخطاء رئيس الدولة وخطايا الجنرال العسكري ومكائد القائد الحزبي ومراوغات السياسي، وقدم باستشهاده الأسطوري أنبل اعتذار لضحاياه وأعظم مدد لأنصاره وأوجع خوف لأعدائه، ومدت أسطورة صدام زادًا جديدًا لفكرة القومية العربية التي عاش الرجل فيها ولها واستشهد في سبيلها».

 

والمتابع لتاريخ حمدين صباحي لا يجد تصريحًا واحدًا ضد النظام الليبي ولا ضد دكتاتورية القذافي، الذي قُتل في 20 أكتوبر 2011 على يد الثوار الليبيين، ولا حتى أدانه «صبَّاحي» بعد سقوطه، والأمر ذاته بالنسبة للنظام السوري، فيما جاءت أغلب تصريحاته تدور حول «حرية الشعوب العربية وتمتعها بالديمقراطية»، وقد تكون كل هذه الاستدلالات مؤشرًا واضحًا على تمسك حمدين بقلاع عبد الناصر ومن يمثلها في عصرنا الحاضر حتى وإن كان قاتلًا لشعبه أو دكتاتورًا، وربما يكون هذا الموقف سهمًا ضد صبَّاحي بجَعْبة منافسيه في سباق الرئاسة.