تعتبر الحالة الأمريكية نموذجا مميزا لانتخابات الرئاسة، وكل حالة من اختيارات الشعب بمثابة تجربة جديدة فى السباق الرئاسى الأمريكى، وعلى سبيل المثال فنجاح الرئيس الأمريكى جونسون بنى على استطلاعات الرأى العام الذى جاء من خلال استنتاجات إحصائية تتمثل فى سؤال ماذا يريد الناس ثم برمجة القادم على برامج ما يطلبه الناس، أما نيكسون فقد أسهم التليفزيون فى صناعته حسب رغبة المشاهدين فى فترة الستينيات، فيما يتعلق بعالم الأناقة والمظهر والرتوش والظلال. فى عام 1984حدث التحول التقنى حين حصد الرئيس ريجان نتيجة الانتخابات تحت تأثير رتشارد ريزلن مستشاره فى الاستطلاعات الذى شحن العقول الإلكترونية بـ(الشعور الدينى) الذى تزايد فى الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم وامتزج باليمين المحافظ وذلك كردة فعل تجاه حركات التحرر الشبابية الهيبز وغيرها من حركات الاحتجاج حيث تبنت الحملة آراء التيار الدينى المحافظ والمتمثل فى منع الإجهاض وعودة تدريس الدين فى المدارس. كل ذلك كان وفق برمجة عقل الناخب باستخدام العقل الإلكترونى.
تقول الدكتورة منار الشوبجى أستاذ العلوم السياسية والمتخصصة فى الشأن الأمريكى: إن المرشح الأمريكى للرئاسة يتبعه كتيبة من المتخصصين مسؤولة عن الدفع بالمرشح نحو كرسى الرئاسة بعيدا عن مؤسسات الدولة، وتبدأ أعمال هؤلاء المتخصصين بالدعاية للمرشح، وكيفية ظهوره فى وسائل الإعلام والإعداد الجيد للمناظرات بين المرشحين. وأضافت أن المسؤولين عن الحملات الانتخابية يمتلكون الرؤية فى تكوين الصورة الذهنية للمرشح لدى الناخب، على سبيل المثال نجد فى انتخابات 1988 وأثناء لقاء المرشح جورج بوش الأب مع غريمه مرشح الحزب الديمقراطى، حيث كان الأخير أقصر من بوش نصحته الحملة الانتخابية بالصعود على درجة سلم كى لا يبدو أقصر من بوش. كما اختارت له لون الجدار والخلفية المناسبة له أثناء حديثه فى المناظرات السياسية.
وقالت منار: إنه ليس بالضرورة أن يتمتع المرشح بذكاء خارق، بل هناك من المرشحين من هم من أصحاب الذكاء المحدود، ومثال لذلك «سارة بالين» المرشحة لمنصب نائب الرئيس الأمريكى عندما سئلت فى أحد اللقاءات أثناء جولتها الانتخابية عن معرفتها بولاية ألاسكا، فكان ردها «يمكننى أن أرى روسيا من ألاسكا» وكانت هذه الإجابة تنم عن جهل شديد، وكان على حملة الدعاية معالجة هذا الموقف بأن اعتبرت هذا الرد بمثابة النكتة والمداعبة.
ويأتى دور القائمين على الحملات الانتخابية بالرد على الشائعات التى يتعرض لها مرشح الرئاسة أثناء حملته، حيث يتعرض معظم المرشحين لشائعات، وذلك بقيام كافة وسائل الإعلام بفحص ملفات المرشحين والتى تصل إلى حد المساءلة القانونية للمرشح، ويكون هنا دور الحملة الحصول على المستندات القانونية التى تضمن حق المرشح فى الرد عليها.
هناك من الأخطاء التى قد يقع فيها المرشح وتكلفه خسارة الجولة الانتخابية أو الكثير من شعبيته، بعضها يرجع إلى قصور فى الفهم أو عدم قدرة المرشح على سرعة البديهة فى الرد على الأسئلة، فعلى سبيل المثال كما تقول د.منار أنه عندما تم توجيه سؤال للرئيس كارتر أثناء انتخابات 1980 بشأن الرهائن الأمريكيين لدى إيران لم تكن إجابة كارتر مقنعة للجمهور وكانت النتيجة خسارة كارتر ماراثون الرئاسة، لم يكن «كارتر» هو صاحب الحظ السيئ بسبب عدم قدرته على طرح رؤيا تطمئن الشعب الأمريكى، بل شاركه سوء الحظ المرشح «آل جور» فى انتخابات 2000 عندما ادعى أنه مخترع الإنترنت- وإن لم يقصد هذا المعنى بالضبط- إلا أن المواطن الأمريكى اعتبر هذا ادعاء من «آل جور» ليس فى محله. وتابعت: ليس هذا فحسب بل إن جورج بوش الابن عرف بالغباء بين الشعب الأمريكى، وجاء رد أحد أعضاء حزبه دفاعا عن بوش فى عبارة شهيرة: «ليس بالضرورى أن يكون رئيس أمريكا ذكيا».
وفيما يتعلق بتمويل الحملات الانتخابية قالت: إن القانون الأمريكى يجبر المرشح على الإفصاح عن مصادر تمويل حملاته الانتخابية سواء كانت منظمات أو أفراداً تقوم بدعمه، وإن كانت هناك ثغرات فى القانون يمكن الاستفادة منها لصالح المرشح. وأضافت أن حملة «أوباما» أثناء الانتخابات السابقة بلغت نحو 800 مليون دولار أمريكى، ومن المتوقع أن تتجاوز هذا الرقم فى الانتخابات المقبلة، وأن هذه الأرقام مسجلة لدى الجهات الرسمية ومصادرها معروفة.
وقالت منار: إن أكثرالحملات الانتخابية نجاحا تلك التى ساهمت فى صعود «بيل كلينتون» 1992 للرئاسة، والتى استغل فيها أفراد الحملة الكاريزما التى يتمتع بها «كلينتون» بوابة العبور إلى سدة الحكم. وأضافت: عقب النجاح الذى حققته حملة «كلينتون» وذاع صيتها فى أرجاء العالم، تم الاستعانة بهذه الخبرة فى حملات انتخابية، حيث استأجرها رئيس الوزراء الإسرائيلى «نتنياهو»: بالإضافة إلى تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى.
هل هذه الحملات المتخصصة فى صناعة الرئيس يمكن أن تظهر وتعمل فى مصر؟!.. عن هذا السؤال أجابت الدكتورة منار: هذه الوكالات العالمية باهظة التكاليف، ولكن هناك بعض مرشحى الرئاسة فى مصر استعانوا بخبرات فرنسية- كما تردد- وإن كنت أرى أن فى مصر خبرات وكوادر بشرية تنافس العالمية ولكن يبقى التمويل المادى هو العائق، وأضافت: هذه هى التجربة الرئاسية الأولى التى تخوضها مصر، والانتخابات المقبلة سيكون لدينا خبرات أكثر من الموجود الآن.