عبد المنعم أبو الفتوح.. رئيس اتحاد طلاب جامعة القاهرة، الذي نهض من مقعده أثناء مؤتمر عُقد داخل الجامعة، في السبعينيات، ليتهم رئيس الجمهورية أنور السادات ومن حَوْله بـ«المحسوبية»، في مواجهة تاريخية شهيرة، قبل أن يردَّ عليه «السادات» بغضب وبأنه «ليس مُجبرا على الاستماع لحديثه»، لأنه «يتعدَّى حدود الأدب»، وأمره السادات وقتها بلهجة انفعالية «اقف مكانك».. في إشارة منه له بالتوقف عن الكلام.
..أدت تلك الواقعة إلى تدمير المستقبل المهني لخريج كلية الطب، حيث «مُنع من الالتحاق بجامعة القاهرة للعمل كأستاذ بكلية الطب رغم درجاته العالية»، حسب قوله.
ولكن لعنة الماضي صارت نعمة الحاضر، فقد ذهب السادات وبقي التسجيل الصوتي لتلك المشادَّة رائجًا على الإنترنت ليمثل مصدر فخر لأبو الفتوح، المرشح الرئاسي البالغ من العمر ستين عامًا، والذي يعوِّل على خبرته الطويلة في النشاط السياسي الذي امتدَّ لأجيال، وكذا سُمعته الفريدة كأحد الذين وقفوا في وجه الحُكام المستبدين، في سعيه ليصبح أول رئيس لمصر ما بعد مبارك.
من الأصولية إلى الاعتدال
أبو الفتوح هو سياسي إسلامي فريد من نوعه إلى حد ما، تعتمد رؤيته على تفسير مختلف للإسلام.
ففي أواخر 2010، أصدر أبو الفتوح سيرته الذاتية بخط يده تحت عنوان «شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر»، شرح فيها -في تأثر- تحوّله من الفكر الإسلامي الأصولي، القائم على التكفير، إلى نظرة أكثر اعتدالا للإسلام.
ويعرض أبو الفتوح في كتابه لبدايته كمؤسس للجماعة الإسلامية، وهي حركة أصولية قادها الطلاب في أوائل السبعينيات، كما بيَّن كيف أنه تخلّى عن معتقداته السلفية المتطرفة بفضل دُعاة الإخوان المسلمين بعد مرور سنوات قلائل.
ويُظهر الكتاب الإسهام الهائل لأبو الفتوح في إعادة إحياء جماعة «الإخوان» عبر إقناع الآلاف من رفاقه في الجماعة الإسلامية بالانضمام إلى التنظيم الإسلامي الأقدم في تاريخ الأمة.
كان السادات حينها قد أمر بإطلاق سراح قادة «الإخوان» من السجون، وسمح لهم بإعادة إحياء التنظيم لمواجهة قوى اليسار، وتقرَّب هؤلاء القادة الإسلاميون من أبو الفتوح ونظرائه في محاولة لضمهم إلى الجماعة، فوافقوا وتخلوا عن معتقداتهم المتشددة في مقابل المنهج الإخواني الأكثر اعتدالا.
ورغم تفوق أبو الفتوح -وهو رئيس اتحاد الأطباء العرب- على أقرانه في انتهاج توجهات أكثر تحررًا بعد مرور عقود، فإن دوره التاريخي لم يمنحه النفوذ الكافي لتبوؤ منصب بارز في الجماعة.
ففي أواخر 2009، تم إقصاء أبو الفتوح من عضوية مكتب الإرشاد خلال انتخابات أحاطت بها مزاعم التزوير، أما في يوليو 2011، طُرد أبو الفتوح من الجماعة كلية بسبب إعلان نيته الترشح لانتخابات الرئاسة، مُتحديا قرار الجماعة بعدم طرح مرشح لها.
وسُجن أبو الفتوح على مدار مسيرته السياسية ثلاث مرات على الأقل، وقد كان من بين المئات من النشطاء والمثقفين المعارضين الذين زجَّ بهم السادات في المعتقلات قبل أسابيع قليلة من اغتياله.
وإبَّان حكم مبارك، قضت محكمة عسكرية بسجنه خمس سنوات بتهمة «الانتماء إلى جماعة محظورة»، كما سُجن في 2009 لأشهر قليلة كجزء من حملات متفرقة شنها النظام السابق على قيادات الجماعة.
توحيد المؤيدين رغم اختلافاتهم
منذ أن أطلق أبو الفتوح حملته الانتخابية في مايو، انتهج خطابا مميزًا يسعى للحد من الانقسام بين أصحاب الانتماءات الإسلامية والعَلمانية، وبالاعتماد على كل من علاقاته بالمعسكر الإسلامي وتوجهاته المتحررة التي توفق ما بين الإسلام والديمقراطية، روَّج أبو الفتوح لاسمه باعتباره الحلقة المفقودة بين المتعصّبين من الإسلاميين من ناحية ودُعاة المدنية من ناحية أخرى.
وتعكس حملة أبو الفتوح ذلك النهج بوضوح، حيث تضم مستشارًا سياسيًا ذا خلفية ماركسية، ومستشارًا إعلاميًا من خارج المعسكر الإسلامي، والآلاف من شباب «الإخوان». وتتبنى الحملة الترويج لتيار سياسي شامل يجمع بين الديمقراطية والمساواة بين المصريين من جانب، واحترام القيم المحافظة للمجتمع المصري من جانب آخر. هذه الرؤية مبنية على جهود أبو الفتوح على مدار ثمانية أعوام لطرح صيغة ليبرالية للتوجه الإسلامي.
ومنذ عام 2004، برز أبو الفتوح كمُعارض لا يلين في وجه الرئيس السابق، مبارك، إلى جانب كونه أحد حمائم جماعة «الإخوان»، بل إنه صار حلقة الاتصال بين الجماعة والحركات السياسية العَلمانية.
وكان أبو الفتوح أحد المشاركين في تأسيس حركة «كفاية»، والتي قادت سلسلة من الاحتجاجات ضد نظام مبارك منذ 2004، بالتعاون مع عدد من اليساريين والليبراليين. كما شارك أبو الفتوح في عدة تظاهرات مطالبة بإنهاء حكم مبارك ووقف مخطط توريث الحكم لنجله جمال.
في تلك الأثناء، عبَّر أبو الفتوح عن آراء تقدُّمية بدت غريبة على آذان الفكر الإسلامي السائد، مثل إقراره بحق النساء والأقباط في الترشح للرئاسة، فضلا عن دفاعه عن حرية التعبير والاعتقاد، فيما دعا جماعة «الإخوان» إلى عدم الخلط بين نشاطها السياسي والدَّعَوي، إلا أن أيًّا من تلك الأفكار لم تجد لها صدى لدى صقور الجماعة الذين فرضوا سيطرتهم عليها بشكل كامل في أواخر 2009.
ومن سمات الثورية في خطاب أبو الفتوح هو مساندته الدائمة لمطالب الثورة، ونقده اللاذع للمجلس العسكري وأدائه خلال الفترة الانتقالية.
وألقى أبو الفتوح بثقله وراء مطالب تقصير الفترة الانتقالية وإجبار جنرالات «العسكري» على العودة إلى ثكناتهم. وبناءً على تلك المواقف، تردَّد اسم أبو الفتوح بين صغار الثوار في ميدان التحرير أثناء تظاهرات نوفمبر، حيث اقترح الكثيرون منهم تشكيل حكومة إنقاذ وطني يشترك أبو الفتوح في قيادتها مع محمد البرادعي، لتحل محل الحكومة المُعيَّنة من قبل المجلس العسكري بقيادة الجنزوري في 25نوفمبر 2011.
وعلى مدار الأسابيع الأخيرة، وجَّه أبو الفتوح نقدًا قاسيا لمحاولة جماعة «الإخوان» والمجلس العسكري للتوافق على مرشح رئاسي يخدم مصالحهما.
مواجهة التحديات
ورغم محاولة أبو الفتوح التقريب بين الإسلاميين والعّلمانيين، فإن التوقعات لا تشير إلى قدرته على جذب التأييد من الأحزاب الكبرى من كلا الجانبين، فلا «الإخوان» اختارته مرشحًا لها، ولا الأحزاب السلفية أعلنت عمَّن ستدعمه، (ولا توجد تأكيدات على أن أبو الفتوح هو مرشحها المحتمل).
فجماعة «الإخوان» ما كان لهم أن يدعموا عضوًا نبذوه، أما السلفيون، فلن يُدلوا بأصواتهم لصالح من يرونه «تهديدًا لأسس الإسلام الصحيح».
أما فيما يخص الأحزاب العَلمانية، فالكثير منها لا يزال يرتاب في صدق خطاب أبو الفتوح التحرُّري، ويأنف مساندة مرشح مصنف كإسلامي، وترى هذه الأحزاب أن دعم مثل هذا المرشح سيضع النظام السياسي برمته تحت سيطرة الإسلاميين، والذين يحتلون بالفعل أغلبية مقاعد البرلمان بغرفتيه.
أما على صعيد القطاع الأعم من الناخبين، فلا يتضح مدى التأييد الذي يحظى به أبو الفتوح، نظرًا لندرة استطلاعات الرأي المنفذة بصورة علمية موثوق بها.
كانت بعض استطلاعات الرأي «المُرتجَلة» في الفترة الأخيرة قد أشارت إلى «انحسار المنافسة بين الشيخ حازم أبو إسماعيل وأبو الفتوح»، بعد أن أوضحت استطلاعات سابقة أن الأخير «لا يحظى بتأييد كبير»، وذلك قبل أن يتم استبعاد أبو إسماعيل من سباق الرئاسة بسبب «حصول والدته على الجنسية الأمريكية في 2006»، بحسب اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة.
وقد ترشح أبو الفتوح لانتخابات الرئاسة مدعومًا بتوقيعات 43.066 مواطن، بما يفوق الـ30.000 توقيع، التي تنص عليها شروط الترشح.
وقد وضع أبو الفتوح برنامجه الانتخابي، الذي يتناول فيه رؤيته لعدد من التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي خلفها عصر مبارك، على موقعه الإلكتروني، ويعكس ذلك البرنامج تصوّر أبو الفتوح لنظام ديمقراطي يضمن وجود مساءلة بين سلطات الحكم الثلاث.
كما يؤيد البرنامج نظام حكم مختلط (رئاسي- برلماني) يستمر حتى نهاية الولاية الرئاسية الأولى بعد أربع سنوات، موضحًا، حسبما كتب على موقعه، أن الهدف النهائي هو «الوصول لنظام حكم برلماني» فيما بعد.
وفي الجانب الاقتصادي، يشدد برنامج أبو الفتوح على التنمية البشرية كأساس للازدهار الاقتصادي، مع تنمية الموارد العامة وتقليل الإنفاق.
ويشير أيضًا إلى الحاجة لاعتماد نظام ضريبي متحرر، ورفع الحد الأدنى للأجور، والاستثمار في التعليم العام، إلا أن بعض النقاد يعيبون على تلك الرؤية «سطحيتها وافتقارها للحصافة».
أما بالنسبة لتمويل حملته الانتخابية، فقد قال أحمد أسامة، المتحدث باسم «حملة أبو الفتوح» لـ«المصري اليوم» إنهم يعتمدون حتى الآن على «المقرّبين من أبو الفتوح وكذا أنصاره الشباب»، مشيرًا إلى أن بعضًا من رجال الأعمال، رفض ذكر أسمائهم، قد «عرضوا رعاية الحملة».
مترجم عن الطبعة الانجليزية «إيچبت إندبندنت»
www.egyptindependent.com