«أى ذل هذا الذى يدفعنا لانتظار صفقة تبادل تعيد لنا أولادنا»، هكذا تحدثت والدة ياسر عطاالله، أحد السجناء المصريين فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، معلقة على أخبار الصفقة التى أبرمتها السلطات المصرية مع إسرائيل لتسليم السجناء المصريين، مقابل الإفراج عن الجاسوس الإسرائيلى عودة ترابين، لكنها تضرعت إلى الله أن تتم الصفقة ليعود إليها ابنها الغائب منذ سنوات.
بعد 30 عاماً من تحرير سيناء، يقبع 65 مصرياً فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، هؤلاء هم من تم الإعلان عنهم بالفعل، لكن بدو رفح يؤكدون أن العدد أكبر من ذلك بكثير تقول أم «ياسر»: «لا نعرف شيئاً عن ابنائنا الذين يختفون فجأة، فقد علمت خبر اعتقال ابنى فى إسرائيل بعد اختفائه بأكثر من عام ونصف العام».
قبل 9 سنوات، ترك ياسر عطا الله وراءه أسرة دون عائل، أفرادها هم والدته، وشقيقتها، وزوجة شقيقه المتوفى، و5 أطفال، لينتهى به الحال وراء جدران السجون، وجاءت رسالته الأولى إلى والدته بعد عامين، وحمل مظروفها عبارة «سجن هدريم - قسم 4»، أما الرسالة نفسها فجاء فيها: «أمى الغالية: أنا بخير وفى أحسن حال، لا تقلقوا علىّ، يعاملوننى أفضل معاملة، ولا ينقصنى سوى دعائك لى فى الصلاة».
كانت الرسالة التى ذيلت بتاريخ 12 مارس 2011، مكتوبة بعناية على ورق «اللجنة الدولية للصليب الأحمر»، ولم يرد بها خطأ واحد، لكنها خلت من ذكر أسباب الاعتقال، أو التهم الموجهة إليه، معلومة وحيدة ساقها «ياسر» إلى أمه: «بقى لى من المحكومية 30 شهراً فقط».
كان لأم «ياسر» ولد آخر رهن الاعتقال فى سجون إسرائيل، تم إطلاق سراحه ضمن صفقة «آلان جرابيل» الأخيرة، وقابل «ياسر» فى سجن «بئر السبع»، يقول: «قضيت فى السجون الإسرائيلية 4 سنوات، قابلت خلالها ياسر وآخرين».
اسمه «عبدالله»، وهو الذى يقرأ لأمه رسائل أخيه التى يكتبها من داخل سجون إسرائيل، بعد أن كان شاهداً على ما يجرى فيها منذ شهور قليلة، يقول: «هناك سجناء مصريون كثيرون فى إسرائيل، توجه لهم تهم مختلفة، منهم السياسيون ومنهم الجنائيون، وكان (ياسر) أحد المتهمين بدعم المقاومة الفلسطينية فى الأراضى المحتلة، وتهريب الأسلحة للمقاومين، قابلته فى إحدى المحاكم الإسرائيلية أثناء عرضنا عليها، قبل خروجى من السجن، وأوصانى بأمه وعائلته».
وحول المعاملة التى يلقاها السجناء داخل السجون الإسرائيلية، يقول «عبدالله»: «معاملة الجنائيين تختلف عن السياسيين، وقد وجهت إلى تهمة سياسية فى البداية، لكننى أقمت دعوى أمام القضاء الإسرائيلى، فاعتبرتنى محكمة القدس سجيناً جنائياً، ووافقت على تخفيض مدة العقوبة، وقضيت فى سجن (شكما) الإسرائيلى 4 سنوات مع سجناء روسيين وأوكرانيين اتهموا بالتسلل عبر الحدود».
ويضيف: «السياسيون تتم معاملتهم بشكل أكثر قسوة، فليس من حقهم الاستئناف، أو نقض الحكم الصادر ضدهم، ويصورهم الإعلام الإسرائيلى باعتبارهم إرهابيين، تبلغ مدد محكوميتهم أكثر من 7 سنوات، يتنقلون خلالها فى معظم السجون، ويتعرضون للسجن الانفرادى فى غرف معزولة تماماً لمدة تفوق العام، ولا يسمح لهم بالاتصال هاتفياً بأى شخص، ومراسلاتهم تتم عبر الصليب الأحمر فقط»
وعن خروجه من السجون الإسرائيلية ضمن صفقة «جرابيل»، يؤكد «عبدالله» أن مدة سجنه كانت قد شارفت على الانتهاء، إذ لم يكن متبقياً منها سوى 10 أيام فقط، مضيفاً: «هناك عدد آخر من المصريين رفضوا الخروج ضمن الصفقة، لأن فترة محكوميتهم كادت تنتهى، وتركوا فرصة الخروج من السجن لآخرين من أصحاب المدد الطويلة».
أما أحمد سواركة، فكانت له قصة أخرى، إذ دفعته البطالة إلى العمل فى تهريب السجائر إلى إسرائيل، قبل أن يتم إلقاء القبض عليه داخل الأراضى المحتلة، ويقضى 4 سنوات خلف أسوار السجون، وانقطعت أخباره عن ذويه أكثر من عامين، كما يقول شقيقه «عبدالعزيز»، مؤكداً أنه يعاقب حالياً بمنعه من الاتصال بأهله هاتفياً لسبب غير معلوم.
«عبدالعزيز» الذى يتصل به عدد من الأسرى المصريين هاتفياً ليطمئنوا على ذويهم، قال أحدهم عبر اتصال هاتفى مع «المصرى اليوم» إن الأسرى لم يناموا منذ 3 أيام فور إعلان الجانب الإسرائيلى عن صفقة مرتقبة لمبادلتهم جميعاً بالجاسوس عودة الترابين.
وأضاف السجين: «نحن مضربون عن الطعام احتجاجاً على تجاهل الطرفين المصرى والإسرائيلى لنا، فلدى المخابرات والخارجية المصرية جميع بياناتنا، و9 منا محكوم عليهم بمدد طويلة، ويواجهون اتهامات بدعم المقاومة والتخابر لصالح مصر».
ويقول مصطفى الأطرش، الناشط السياسى، رئيس حملة الإفراج عن الأسرى المصريين لدى الاحتلال الإسرائيلى، إن إسرائيل تصنف من تعتقله من المصريين إما جنائيا أو سياسيا، وتخصص لهم سلطات الاحتلال محاميا من جانبها، ولا يحق للمعتقل رفض الحكم الصادر ضده، وكل من تم تحريره من السجناء قال إن المحكمة تقضى بالسجن أكثر من 3 سنوات ضد الجنائى، وتتاح له فرصة رفض الحكم، لكن بمجرد أن يرفضه تشدد العقوبة إلى 7 سنوات أو أكثر.
ويضيف «الأطرش» أن الجهات المصرية لا يتم إخطارها باعتقال مواطنيها حتى بعد الحكم عليهم وترحيلهم إلى السجن، وعندما تريد الجهات المصرية حصر أعداد السجناء، يذهب ممثل عن السفير إلى السجون، لجمع بياناتهم».
وعن أسباب تورط شباب البدو فى تهريب السلع إلى الأراضى المحتلة، يقول: «هناك الكثير من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية فى شمال سيناء، ومسؤولية التنمية تقع بالكامل على عاتق من يحكم مصر، ويجب النظر إلى ظروف الشباب قبل محاسبتهم بتهمة التهريب أو الحكم عليهم، ولا توجد دولة فى العالم تتخلى عن مواطنيها لسنوات فى سجون دولة أخرى».
أما عن الخطوات التى ينتوى أهالى الأسرى اتخاذها حال عدم إتمام الصفقة، فيؤكد «الأطرش»: «أمهات الأسرى ينتظرن بفارغ الصبر تحرير أبنائهن، فلماذا لا تصر مصر على متابعة تنفيذ الصفقة، خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أنه ببعض الضغوط من جانب السلطات المصرية سيتم تحرير هؤلاء الشباب، ويجب أن تختلف هذه الصفقة عن صفقة جرابيل (المشينة)، التى تم بمقتضاها تحرير بعض الأسرى، وتجاهل العشرات، وسيتخذ الأهالى خطوات تصعيدية ضد المسؤولين المصريين، إذا لم يتم تنفيذ الصفقة الأخيرة، لكنهم ينتظرون ماذا ستسفر عنه الأيام المقبلة».