بعد وفاة «بن بلا».. بوتفليقة «يكفر عن ذنوبه» و«يرد له الاعتبار»

كتب: كمال زايت الأربعاء 18-04-2012 13:10

فيما وصفه مراقبون بمحاولة «التفكير عن الذنوب»، أطلق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة اسم الرئيس الراحل أحمد بن بلا، الذي وافته المنية الأربعاء، على مطار وهران، ثاني أكبر المطارات في الجزائر.

وفي تعليق له على القرار، الذي صدر الثلاثاء، قال محمد عباس، الكاتب المتخصص في تاريخ الثورة الجزائرية، لـ«المصري اليوم» إن قيام بوتفليقة بإعادة الاعتبار لبن بلا، وتخصيص جنازة رسمية وطنية له، وإعلان الحداد 8 أيام، ثم بعد ذلك إطلاق اسمه على المطار هو «نوع من التكفير عن الذنوب، لأن بوتفليقة كان السبب في علاقة بن بلا وهواري بومدين في ديسمبر 1961، ثم كان أيضا السبب، إن صح التعبير، في قطع هذه العلاقة، لأن إزاحته من منصبه كوزير للخارجية كان النقطة التي أفاضت الكأس، وأحد الأسباب التي أدت إلى الانقلاب العسكري الذي قاده العقيد بومدين ضد بن بلا في 19 يونيو 1965».

وأشار عباس إلى أن بوتفليقة، الذي يوصف بأنه رجل سلطة أكثر منه رجل دولة، عمد في السنوات الأخيرة إلى كرجل دولة، من خلال تكريس ثقافة لم تكن موجودة من قبل، مثل الاهتمام بالرؤساء السابقين ورعايتهم ودعوتهم في الحفلات الرسمية، علما بأن الجزائر الدولة الوحيدة التي لديها الآن 3 رؤساء سابقين على قيد الحياة، وهم الشاذلي بن جديد، وعلي كافي، واليامين زروال، بالإضافة إلى بن بلا، الذي توفي الأربعاء عن عمر يناهز 96 عاما.

بن بلا.. صديق عبد الناصر

وكان بن بلا قد اقترب من الرئيس جمال عبد الناصر، وكان حلقة الوصل بين قيادة الثورة في الداخل والخارج، خاصة فيما يخص نقل المعدات والمال والسلاح للثوار. واتهم البعض ناصر بأنه فرض بن بلا رئيسا على الجزائر فور استقلالها. إلا أن الكاتب الصحفي أكد أن «سي أحمد» لاقى القبول عند ناصر «بسبب تجربته العسكرية، فالتيار مر بسرعة بين الرجلين، خلافا لمن سبقوه إلى القاهرة من السياسيين مثل محمد خيضر.. ناصر لم يكن متحمسا للسياسيين لاقتناعه بأنهم يتكلمون أكثر مما يفعلون».

وأشار عباس إلى أن بن بلا أصبح حلقة وصل مهمة بين العرب والثورة الجزائرية، وتمكن من إقناع المجتمع الدولي بعدالة القضية الجزائرية، وبقدرة جبهة التحرير على انتزاع الاستقلال، ورغم ذلك لم يكن محل إجماع من طرف جميع قيادات الثورة.

وبعد وصوله إلى السلطة، توطدت علاقته مع الرئيس المصري، وتمتع بشعبية كبيرة في الداخل والخارج، كرمز لعظمة الثورة الجزائرية، وقدرتها على قهر فرنسا، «لدرجة شعوره بأنه جلس على العرش وأن أحدا لن يزحزحه».

ولم تكن العلاقة بين بن بلا ووزير دفاعه بومدين سمنا على عسل، فالأخير معروف بتحفظه وتقشفه لم يكن ينظر بعين الرضا لبن بلا الذي تقمص دور البطل، فكثرت تصريحاته واحتفالاته بنفسه وشعبيته.

أدرك بومدين عندئذ أن مفاتيح السلطة في جيبه، فرجاله كانوا على رأس المناصب الاستراتيجية، والجيش كان يدين له بالولاء التام، والمخابرات كانت عيونه على كل حركات وسكنات بن بلا.

بوتفليقة.. القشة التي أدت لانقلاب بومدين على بن بلا

وأدرك بن بلا بدوره الخطر الذي يمثله بومدين، غير أنه كان مقتنعا أن الوقت في صالحه، فقرر بدلا من الدخول في صدام مع وزير دفاعه، أن يبدأ برجاله، فأخذ يعزلهم الواحد تلو الآخر، حتى طالت عمليات العزل وزير الخارجية آنذاك بوتفليقة، وكانت تلك القشة التي قسمت ظهر البعير.

هنا اقتنع بومدين أنه الضحية القادمة لبن بلا. ورغم تقارير المخابرات المصرية ونصائح عبد الناصر له بأن بومدين «يُعد شيئا ما في الخفاء»، إلا أن بن بلا كان يرد بثقة: «بومدين في جيبي وفي الوقت المناسب سأضعه في مكان أعرفه جيدا».

لكن بومدين باغته وفي فجر 19 يونيو 1965، كان الطاهر زبيري قائد أركان الجيش الذي عينه بن بلا يقرع باب غرفة نوم الرئيس ليخبره أن مجلس الثورة قرر عزله، ليوضع في إقامة جبرية حتى عام 1980.

إلا أنه لم يطلق سراحه فعليا إلا في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، ليغادر إلى فرنسا ويؤسس حزبا معارضا قبل أن يعود عام 1990 بعد الإعلان عن فتح الباب التعددية سياسية. لكن بن بلا فوجئ أن شعبيته السابقة لم تشفع لحزبه، الذي لم يحقق أي نتيجة تذكر في الانتخابات البرلمانية لعام 1991.