«خبراء»: مصير السياحة في دول الربيع العربي «غامض»

كتب: أ.ش.أ الثلاثاء 17-04-2012 11:34

 

تواجه صناعة السياحة في دول الربيع العربي مصيرًا غامضًا، مع التراجع في أعداد السياح بسبب تصاعد التوتر والانفلات الأمني، خاصة للدول التي تعتمد على ذلك القطاع كمصدر للدخل القومي، مثل مصر وتونس وسوريا واليمن.

ورغم نجاح الثورة التونسية والمصرية، فإن هذا النجاح لم يكلل باستقرار أمني، وهو ما حدا بشركات السياحة إلى إسقاط مصر وتونس من برامجها.

وقد أظهرت بيانات البنك المركزي المصري أن إيرادات مصر السياحية تراجعت بنحو 30.5% لتبلغ 8.7 بليون دولار خلال 2011، في مقابل 12.5 بليون في 2010.

كما أظهر أن فائض ميزان الخدمات تراجع بنحو 44.1% ليبلغ 3.1 بليون دولار بين يوليو وديسمبر 2011، في مقابل 5.6 بليون خلال الفترة ذاتها من 2010.

وجاء هذا التراجع نتيجة انخفاض الإيرادات السياحية بمعدل 27.1% لتبلغ نحو 5.1 بليون دولار، مقابل 6.9 بليون، حيث يعزى ذلك إلى تراجع عدد الليالي السياحية بمعدل 12.7%، وانخفاض متوسط إنفاق السائح في الليلة الواحدة إلى 72.2 دولار بين يوليو وسبتمبر 2011، ثم إلى 69.6 دولار بين أكتوبر وديسمبر 2011، مقارنة بـ85 دولارًا خلال الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2010.

كانت لجنة السياحة والثقافة في مجلس الشعب أكدت، في تقريرها، أن أول أسباب أزمة السياحة، هو غياب الأمن وحوادث السطو المسلح ومقتل أجانب وتكرار حالات اختفاء الأجانب «حوادث الخطف»، وقطع الطرق وإغلاق هويس إسنا وتوقف الرحلات النيلية.

ورغم التقارير المتشائمة حول تراجع السياحة الغربية، فإن التقارير تشير إلى ارتفاع نسبة السياحة العربية بشكل عام في الربع الأول من 2012 لتسجل 462 ألف سائح، مقابل 269 ألفًا خلال الفترة ذاتها من 2011، فيما ارتفعت أعداد الليالي السياحية، التي قضاها السائحون العرب في مصر، لتسجل نحو 3.2 مليون ليلة سياحية، مقابل 2.3 مليون في 2011.

فيما شهدت السياحة الأجنبية لمصر خلال الربع الأول تراجعًا ملحوظًا بنحو 29.5%، حيث بلغ عدد السائحين الأجانب الوافدين لمصر نحو 2.34 مليون سائح، مقابل 3.1 مليون عام 2011، وكانت أوروبا الغربية أكثر المناطق انخفاضًا في أعداد السائحين المقبلين إلى مصر خلال الربع الأول، وتليها منطقة أوروبا الشرقية لتنخفض أعداد الليالي السياحية التي قضاها السائحون الأجانب إلى 10.6 مليون ليلة، مقابل 12.5 مليون في الفترة ذاتها من 2011.

وفي سوريا تراجعت السياحة بشكل جعل القدوم من أوروبا، السوق الرئيسية للسياحة السورية، «شبه معدوم» مع إلغاء الحجوزات ورفض شركات التأمين تغطية السياح الراغبين بالسفر إلى سوريا، وهو ما أدى إلى انخفاض نسبة الإشغال من 99% خلال أشهر الصيف إلى صفر%.

وتعتبر السياحة القطاع الأكثر تأثرًا بالأحداث التي تشهدها سوريا، حيث تلقت ضربة قوية ومباشرة، فقد تراجعت بنسبة تجاوزت 60% خلال النصف الثاني من 2011.

وكان القطاع السياحي في سوريا شكل أكثر من 12% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2009 بالأسعار الجارية، فيما بلغ 14% في 2010، وبلغت مساهمة قطاع الفنادق والمطاعم فقط نسبة 4% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لعام 2009، ووصل 5% عام 2010.

أما في اليمن فقد وصلت خسائر شركات يمنية، جراء انهيار القطاع السياحي منذ بدء الاحتجاجات المناهضة للحكومة، إلى ما بين 400 و560 مليون دولار.

وأشارت تقارير لشركات سياحية إلى أنه تم إغلاق 40% من المنشآت السياحية، فيما تم تسريح 30% ومنح إجازات إجبارية دون راتب لما نسبته 35% من حجم العمالة في هذا القطاع.

وقد غادر ما يقرب من 250 ألف سائح أجنبي وعربي ومحلي، إضافة إلى إلغاء حجوزات لنحو نصف مليون سائح من مختلف البلدان الأجنبية، وبالتالي تراجع معدل الإشغال، بالإضافة إلى تراجع أسعار الإقامة بنسبة حوالي 50%.

أما ليبيا التي تعد من الدول السياحية التي لم يسوق لها إعلاميًا كوجهة سياحية إلا بشكل بسيط بسبب الحصار واعتماد الدولة على موارد النفط بشكل كامل، فإنها لم تتأثر كثيرًا بالأحداث بسبب سياسة الدولة الليبية في ظل نظام القذافي بعدم الاهتمام بصناعة السياحة.

ورغم أن المشهد السياحي الليبي في السنوات الأخيرة لحكم القذافي كان قد بدأ في النمو بعد رفع الحظر الجوي وتطبيع العلاقات مع الغرب، فإن صناعة السياحة لم تكن تمثل نسبة محسوبة في الدخل القومي الليبي.

وقد شهدت العاصمة طرابلس، خلال السنوات الأخيرة، نهضة عمرانية شملت إنشاء فنادق ومراكز تسوق وتحديث شبكات الطرق والبدء في تنفيذ مطار طرابلس العالمي الجديد، والقادر على تقديم الخدمات لـ20 مليون مسافر سنويا.

كما شهدت مدينة بنغازي إطلاق مشروع بنغازي 2025، كما أن مشاريع بناء المنتجعات السياحية انطلقت في مناطق الجبل الأخضر وزوارة ومناطق أخرى.

وقد استفادت الدولة من الطفرة النفطية الأخيرة في دعم البنية التحتية الأساسية للسياحة.

ورغم تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا، فإن الخبراء يتوقعون نموًا في القطاع السياحي ليصبح قاطرة مهمة في الاقتصاد، إذا ما أخذت في الاعتبار حقيقة الثروة السياحية الكبيرة التي تتمتع بها ليبيا من شواطئ على البحر المتوسط وآثار رومانية مبهرة، فضلًا عن قربها الشديد من أهم أسواق السياحة القادمة من أوروبا.

وفي المغرب، فلم تتأثر السياحة كثيرًا بأحداث الاحتجاجات الكبيرة في شوارع المدن المغربية للمطالبة بالإصلاح، إلا أنها في مجملها كانت صغيرة بالقياس للحركات الشعبية الجارفة في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن، كما سارع العاهل المغربي محمد السادس بطرح سلسلة متتالية من الإصلاحات السياسية الملموسة.

وفي تونس التي يعمل بها 400 ألف شخص في مجال السياحة، ويزورها حوالي 7 ملايين سائح سنويا، وتسهم بـ2.5 مليار دولار في الدخل القومي سنويا، فإن نسبة الانخفاض في عدد السياح القادمين إلى تونس بلغت 45% خلال 2011 بعد الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي.

فيما تشير التقارير إلى أن أعداد السياح في تزايد ملحوظ، حيث قررت شركتا «توماس كوك» و«تي يو آي» البريطانيتان زيادة حصة تونس من برامجهما التسويقية لعام 2012.

وساهم التحول الديمقراطي السريع في تونس، خاصة بعد نجاح الانتخابات البرلمانية التي جرت في أجواء حرة ونزيهة وسلمية، وتشكيل الحكومة الائتلافية بشكل هادئ وسريع في تعزيز ثقة الوافدين إلى تونس.

ومع الحرب الأهلية التي شهدتها ليبيا بين الثوار وأنصار القذافي، واستمرار الاحتجاجات والمواجهات الدامية بين المتظاهرين المطالبين بالإصلاح والجيش الموالي للرئيس بشار الأسد، فإن السياح الأوروبيين أصبحوا أقل ميلًا للمغامرة بزيارة أي ليبيا وسوريا.

وقد تأثرت بعض وجهات السياحة العربية تأثيرًا سلبيًّا إثر ثورات الربيع العربي، فهجرها السياح إلى وجهات أكثر أمنًا، وأقل مخاطر، وأولى تلك الوجهات التي تأثرت كما يقول المحللون مصر، تليها سوريا واليمن والمغرب.

في المقابل هناك بعض الدول التي تأثرت إيجابيًا، حيث تحولت وجهات السياح من دول الربيع العربي إليها، مثل تركيا والإمارات، وبعض الدول في جنوب شرق آسيا.

ففي مصر تأثر قطاع السياحة تأثرًا كبيرًا بعد ثورة 25 يناير، وما لبث أن ينهض من كبوته حتى بدأت تتوالى عليه الأحداث، من أحداث ماسبيرو ومحمد محمود والسطو المسلح وخطف السياح، خاصة في سيناء، والتظاهرات في شوارع القاهرة، ومذبحة استاد بورسعيد الأخيرة، فيما رسم الضجيج الإعلامي الصاخب صورة ذهنية قاتمة عن الثورة المصرية تحتاج إلى وقت طويل حتى تمحى من ذاكرة الراغبين في زيارة مصر.