يمتلك النجم الأسمر محمد منير مفاتيح مختلفة للتواصل مع جمهوره، ويمتلك شخصية غنائية متفردة، لعب طوال الوقت خارج الساحات التقليدية، ورسم ملامح لون غنائى خاص به، وراهن على أفكار وموضوعات خارج السياق، فربح فى النهاية ملايين المعجبين حول العالم، وجمهوراً من نوع مختلف، ينتظر أعماله بلهفة خاصة ويتعامل معها بشكل غير تقليدى.
«منير»، الذى يلقبه جمهوره بـ«الملك» يقدم ألبوماته الجديدة عندما تكتمل رسالة وتوليفة الألبوم، ولا يشغل ذهنه بحسابات السوق، أو صراعات المنافسة لأن جمهوره ينتظره فى كل وقت، ولا يدخله دائرة المقارنات مع الآخرين، ورغم ثقافته الواسعة واحتكاكه المبكر مع عمالقة الشعر والأدب والثقافة والصحافة إلا أن «منير» يفضل دائماً طرح التساؤلات وفتح باب الحوار والتفكير بصوت عال.. وفى الجزء الثانى فى حوارنا مع «منير» يتحدث خلاله عن ألبومه الجديد ورؤيته لكثير من الأمور على الساحة.
■ توليفة ألبومك الجديد متناغمة مع حرصك الدائم على التنوع.. لكنها فى الوقت نفسه مختلفة قليلاً من حيث الأسماء المشاركة فى صناعة الأغنيات ماذا يعنى ذلك؟
- أقدم فى ألبومى الجديد أعمالاً تحمل توقيع ثلاثة أجيال من الشعراء والملحنين والموزعين، وتحديدا الأسماء التى تركت بصمة خاصة من كل جيل فهناك محمد رحيم ووليد سعد وأحمد فرحات، من أحدث الأجيال على الساحة وأرى أنهم لا يقلون أهمية عن الأجيال السابقة، وهناك جيل آخر وهو عبدالرحمن الأبنودى وسيد حجاب وعمار الشريعى ونبيل خلف، ومن جيل الوسط أعمال لكوثر مصطفى وطارق الكاشف وطارق عاكف، وهناك أشرف محروس وفتحى سلامة، الذى يعتبر المصرى الوحيد الذى حصل على جائزة جرامى الموسيقية العالمية، وحصلت أنا على ثلاث جوائز بلاتينية وواحدة ذهب من أكبر شركات الإنتاج العالمية «يونيفيرسال»، ناهيك عن كم التقديرات والجوائز التى حصل عليها جيل العمالقة، الذين حصلوا أيضاً على تقدير الشارع، لذلك جمعت بين ثلاثة أجيال برؤية «أهل العرب والطرب» وبصراحة شديدة أشعر بفخر شديد، والتوليفة هى سر الخلطة.
■ اعتدنا منك التجديد فى التوزيع الموسيقى تحديداً.. فما الذى تقدمه لجمهورك هذه المرة؟
- أستطيع أن أقول بدون مبالغة إن التوزيع الموسيقى هذه المرة سيقدم لمستمع هذا الألبوم مصر كلها من موسيقى الكباريهات إلى الهاوس! كل أشكال وألوان الموسيقى، ثقافات الشارع المصرى وشوارع العالم، ستجدها فى توزيعات أحمد فرحات وتوما و أحمد شعتوت وأسامة الهندى.
■ بمناسبة كلامك عن ثقافات العالم.. كيف تحافظ على هويتك المصرية ولونك الخاص فى ظل انفتاحك واحتكاكك بموسيقات العالم؟
- بخلاف ما يظن الكثيرون فإن الانفتاح على فنون العالم وثقافاته لا يعنى بأى حال أن تقلد أو تنقل دون وعى، الفنان يجب أن يرى ويسمع كيف يفكر العالم وكيف يعبر عن نفسه ويهضم كل هذا لينتج فى النهاية فنه الخاص الذى يمتاز بنكهة ومذاق بيئته وثقافته، أن يصبح شريكاً فى المشهد الغنائى، وليس ناقلاً أو مستهلكاً فقط، وهذه التوليفة أضع فيها خبرتى بالكامل مع ثقافات وشوارع العالم، وأتفاعل أيضاً مع أرضى التى أصدر منها أغنياتى وأوجاعى.
■ بالنسبة لتوليفة الألبوم.. هل يقتصر دورك على الاختيار من بين ما هو معروض عليك؟
- لا.. توليفة الألبوم وإطاره العام يخصنى أنا، التوليفة هى التى تميزنى عن الآخرين وأنا لست ممن ينتظرون فى بيوتهم، لأرى ما يعرضه الشعراء والملحنون.
■ كيف تعمل إذن؟
- عند بداية التحضير لألبوم جديد أتوقف مع نفسى وأطرح الأسئلة.. لمن ساغنى؟ كيف ولماذا؟ وما الذى أريد قوله للناس فى هذا التوقيت.. ولماذا؟ وانطلاقا من هذه التساؤلات أضع خطة العمل، وأبدأ فى البحث والتنقيب.
■ هل تأثرت خطة إعداد ألبومك الجديد بمناخ الثورة فى مصر والعالم العربى؟
- أعتقد أن المناخ الثورى السائد فى المنطقة العربية شكل عبئاً إضافياً على كل مطرب، بل وكل مبدع، حيث بات مطلوباً ثورة إبداعية حقيقية تواكب الحراك السياسى والاجتماعى فى الشارع العربى.
■ قدمت مؤخراً أكثر من تجربة ارتجالية مع فرق غنائية وموسيقى ومطربين عرب وغربيين.. ألا تراها مخاطرة صعبة؟
- ربما تكون كذلك.. لكنى أرى أن الارتجال مغامرة تخوضها كفنان، اعتماداً على ثقافتك وثقتك فى فنك وفى موسيقاك، وبقدر ما تمتلكه من ثقة أنت قادر على الدخول فى حوار مع الآخرين، وأنا أعتبر أن الموسيقى هى أجمل وأسهل لغة للتحاور بين البشر، ودعنى أحدثك مثلاً عن تجربتى مع فرقة «ويلرز»، أنا ذاكرت جيداً، استعداداً لهذا اللقاء، وكنت واثقاً أن لدى شيئاً أضيفه لهم، كما لديهم ما يضيفونه لى، لكن عندما تقابلنا ارتجلنا معاً وتركنا كل شىء تم تحضيره وتجهيزه لهذا الحدث، لذلك خرجت النتيجة فى صالح الطرفين، ولا يوجد لدى تجمد فى التفكير ومن الممكن أن أغير ما أفكر فيه خلال لحظة، لأن المرونة علم.
■ تصف الأمر كأنه قضية تحتاج إلى مذاكرة واستعداد وليست «ارتجالاً»؟
- هى بالفعل قضية فنية وتحتاج إلى أن يعمل عليها المطرب بجدية.. وأنا أحترم هذه النقطة لدى موسيقيين فى الغرب فهم يذاكرون جيداً ويبحثون عن الجديد المختلف لدى الشعوب.
■ إلى أين وصلت بك المذاكرة والبحث؟
- تأكدت من نظريتى التى سبق أن أعلنتها أكثر من مرة.. الغرب أفلس موسيقياً واستنفد ما لديه ونحن.. أعنى موسيقى وفنون أفريقيا، قادمة بقوة وعلينا أن ننتبه لهذا الأمر ونبحث بجدية فى تراثنا وموسيقانا التى أهملناها و«نتعب شوية» من أجل اكتشاف أنفسنا وقارتنا التى تختصرها مصر.
■ بمعنى؟
- بمعنى أن الموسيقات المصرية المختلفة تعبر وتمثل موسيقات أفريقيا بمختلف مذاقاتها، فلدينا موسيقى الجعافرة والعبابدة والبشارية والنوبة، ألوان مختلفة من الموسيقى والغناء كلها تضرب بجذورها فى عمق التراث الإنسانى، وينظر إليها العالم حالياً باهتمام شديد.
■ لكننا هنا فى القاهرة لا نعرف شيئاً عن هذه الموسيقات؟
- هذه المركزية الشديدة فى التفكير والنظر أضرتنا كثيراً، تخيل أن كل ما قلته من أنواع وألوان موسيقية موجود فى الجنوب، وهناك فى الشمال، أو الدلتا ألوان أخرى، ومن المعروف أن طنطا وأسيوط والقاهرة كانت مراكز تجارية، ولو نزلت إلى طنطا مثلاً ستجد مطربين وموسيقات لم تسمع عنها، وكذلك فى أسيوط، تخيل لو أن هذه الأماكن تمثل مراكز تجارية وصناعة للموسيقى لكانت خلقت نوعاً من المنافسة وأثرت الحياة الموسيقية فى مصر.
■ رفضك للمركزية هو الذى جعلك تردد دائماً على مسقط رأسك فى أسوان لتصبح شبه مقيم هناك؟
- المسألة ليست رفضاً أو قبولاً.. بعد أن أصبح فى مقدورى أن أوزع وقتى بين القاهرة وأسوان فعلت، محاولاً التغلب على أزمة المطرب المصرى الذى يلزمه الفكر المركزى المرتبط بالقاهرة على البقاء فيها باستمرار، حتى إنه لا يستطيع فى أغلب الأحيان أن يحصل على إجازة، وهذا الموضوع يجعلنى أتطرق إلى أن الفنان المصرى لا يتمتع بالإجازة.
■ كيف؟
الفنان فى مصر مثل عامل التراحيل، «غلبان» ثقافياً وترفيهياً، ولا يوجد مناخ مناسب يجعله مبدعاً، ولا تحاسبه أيضاً على أرائه السياسية، لأنهم جميعاً تعلموا فى مناخ مثل أى أسرة مصرية، وعندما يتحدث معى أى شخص حول هجوم تعرض له فنان فى الوسط الفنى، أتذكر دائماً حواراً دار فى فيلم «المصير» بين نور الشريف وهو يقوم بدور «ابن رشد» وهانى سلامة ابن الخليفة، وقد تسبب فى قتل مغنى الأندلس الذى جسدت دوره، وقال «الشريف»: أنا كنت كتير على عقليته حتى يفهم يعنى إيه مغنى، والمجتمع حمل الوسط الفنى أكبر من طاقته.
■ إلى أين وصل مشروعك الغنائى؟
- أنا أحب مصر، وأحب أن أغنى لكل ناسها، ولدى مشروع وحلم دائم بأن أقيم عشرات الحفلات فى كل محافظات ومدن مصر من أسوان إلى بورسعيد، والإسكندرية وكفر الشيخ، خصوصاً بعد أن حرمت من لقائى مع جمهورى فى الأوبرا.
■ لماذا حرمت من جمهورك فى الأوبرا؟
- اعتدت لسنوات طويلة أن التقى بجمهورى فى الأوبرا أكثر من مرة فى العام، لا أعرف لمصلحة من؟ ساحة الأوبرا الخلفية التى كنا ننصب فيها مسرحا يتسع للآلاف من محبى الفن والموسيقى، زحفت عليها مكاتب الموظفين، وغزاها القبح، الذى نجح فى فرض سيطرته على المكان، تخيل حتى النخيل تم قطعه لتزرع مكانه بنايات أسمنتية بلا طراز لمكاتب الموظفين، ولا أنسى أننى غنيت فى جزيرة «دانوب» فى فيينا، عاصمة النمسا، استوعبنى فيها 250 ألف متفرج، هذه الجزيرة ليس بها إلا مبنيان اثنان الأول للمطافئ والثانى للإسعاف، وبها 4 مسارح كبيرة ترضى جميع الأذواق، لذلك تعتبر الجزيرة من أهم الأماكن المفتوحة للغناء والموسيقى والفن، ونحن فى مصر لدينا جزر وأماكن جميلة ولا نحتاج فقط إلا لقرار بتخصيصها، كى يستمتع الجمهور فيها بالغناء والفن، ووقتها فقط يمكنك أن تحاسبنى أنا وكل مبدع عن ذوق الناس، وتخيل معى أن الزمالك تصبح جزيرة لا يوجد بها إلا الأشجار وتتحول إلى ساحة للغناء.
■ هل سيستمر هذا الوضع؟
- فى النهاية سوف تتطهر ولن ننظر إلى الشوائب والجراثيم، لكنى لم أكن أعرف لماذا تحرم جمهورى، وتحرمنى من الغناء فى الأوبرا؟ ودعنا لا ننظر إلى الصورة الضيقة، واحسب مدى المكاسب التى تتحقق من وراء هذه الحفلات بداية من عمال وأمن الأوبرا إلى أصحاب الجراجات المجاورة للأوبرا.
■ وجود أماكن كالتى تتحدث عنها.. مسؤولية من؟
- مسؤوليتنا كلنا، لكن فى المقام الأول الدولة ورجال الأعمال والشركات الكبرى، التى ربحت داخل البلد، وعليها أن تلعب دوراً اجتماعياً وثقافياً إلى جانب دورها الاقتصادى، ومنذ أكثر من 10 سنوات وأنا أنادى بتوفير أماكن للغناء، هل مثلاً تدخل شركة المقاولون العرب أو شركة للاتصالات ساحة للغناء، لأن الغناء ثقافة والثقافة جمال والجمال شعب وشعب بدون جمال شعب قبيح وفوضوى.
■ بعد تسريب عدد من أغنيات الألبوم ومنها «أهل العرب والطرب» لماذا لم تغير اسم الألبوم؟
- لن تهزنى سرقة، لأن عنوانى هو مشروعى الكامل، وعندما اخترت «أهل العرب والطرب» كنت مدركا أن أهل العرب فى مأزق، فماذا يقول أهل الطرب.. وما رأيهم فى مأزق أهل العرب؟ كلاهما كان يعطى للآخر، أنا أعطيك مشروعاً حتى تبدع وأنا أعطيك إبداعى حتى تظل وتبقى، هذه هى العلاقة بين المغنى والشعوب، أعددت فى سنوات عمرى الطويلة من أول كلمة قلتها فى حياتى لأحمد منيب وهانى شنودة وعبدالرحيم منصور وشعراء مصر الكبار قائمة لا تنتهى، مشروعى كان الشارع والناس، وإلا لما غنيت فى بداية حياتى «أمانة يا بحر»، وبدأت منها مرحلة الغربة، ولا أحب أن أستفيض فى هذا الموضوع، فى النهاية أحب أن أصل إلى ماهية المغنى الذى ما هو إلا انطباع للشارع، سواء أحلامه أو آلامه وسعادته، كيف تغنى له بالنهار فى ظل معاناة قهر العمل، وكيف تسليه ليلاً، الأغنية تحمل مشاريع كثيرة منها التسلية والإنعاش الروحى والقضية.
■ بالتأكيد اخترت القضية؟
- بالفعل اخترت القضية وقضيتى كانت أبناء الشارع من شماله لجنوبه «فى عنيك غربة وغرابة»، «أحلم علشانك» كان دائماً لدى أمل على مدار كل السنوات، ولم أحمل أى ضغينة لا لقائد أو دولة، وكان همى هو الإنسان المصرى، وأنا كنجم أستطيع العيش فى أى العصور مع الملك أو الرئيس أو القائد، لأننى فى النهاية فنان، لكن كان همى وقدرى أن أحمل قضية الناس، واعتبرت أن 18 يوماً من السعادة أنهت ملف محمد منير فى الغناء.
■ كيف؟
- أنهت لا تعنى «سقط» بل أدى دوره كاملاً، لذلك أشكك فى أى حد يشك فى دورى ورأيى، وما حدث حالياً يجبرنى ويجبر أى فنان حقيقى على أن يعيد حساباته، كيف ترى القادم؟ ولأنك فنان تستشعر دائماً قبل الناس، تحرض قبلهم أيضاً، ولأنك فنان أنت تبدع ما يوافق عليه الناس.
■ هل الأغنيات قريبة الشبه من «إزاى» التى اعتبرها البعض نشيداً للثورة؟
- أنا اليوم فى مأزق حقيقى بعد «إزاى»، الثورة المصرية، والثورات العربية دفعتنى إلى اختيار مشروع آخر هو المزيد من العدل والحق والحرية، والمزيد من بداية عصر النهضة، هذا هو مشروعى القادم أغنياتى لا تخيف وهى ليست أغنيات ثورية تقليدية وليست عاطفية.
■ لكن ألبومك يحمل طابعاً ثورياً؟
- لا يحمل رأيى فيما نحن نعيشه، فى واقعنا الحالى لو بعدت عن الواقع «أبقى بهزر»، يعبر عن شخصيتى ورؤيتى وانعكاسات عن كل أحلام الشارع و تخوفاته.
■ وجدت صعوبة أن تعبر عما بداخلك بكلمات؟
- طبعاً، أى مشروع له أزماته وله مذاقه، له معاناته الشديدة واختياراته الحكيمة و«ده مع بعضه يكون حاجة اسمها الصراع، والصراع هو اللى يجنى إبداع»، وصراعى حالياً مع واقعى ومع ما يحدث، لكن كيف أعمله، هذه ما ننتظره شكلاً وتفصيلاً ومضموناً.
■ ألبومك بهذا الحجم يحتاج إلى مجهود خرافى.. هل مازلت تذاكر أم وصلت إلى مرحلة أخرى أصبح الاختيار فيها أسهل؟
- أسهل ما فى الموضوع أنك تنظر فى عيون الناس فى الشارع حتى تترجمها فيما تغنيه.
■ كيف جاءت فكرة أغنية «غربة وغرابة» وتوزيعها بطريقة التانجو فى الأرجنتين؟
- عندما أسافر ألتقى مجتمعات أخرى، ووسط هذا العالم أصادف أنى كنت فى مجتمع كان فيه تانجو وثقافات أخرى تذكرت فى لحظة أن العالم العربى منذ 60 عاماً، أى ما يقارب عمر الشعب المصرى فى القهر، لم يقدم تانجو منذ أيام عبدالوهاب وفريد وليلى مراد وعبدالحليم، وقررت السفر للأرجنتين وقضيت أجمل 15 يوماً هناك ورجعت بنتيجة، وأتمنى أن أكون قد حققت هدفين، أننى قدمت «تانجو عربى» بعد سنوات طويلة، وهو يعتبر من أهم الظواهر الفنية فى المدارس الموسيقية، والثانى بحثاً عن سؤال حول علاقة الغناء العربى بالتانجو.. وهل يحدث تنافر بينهما أم لا؟ وفى النهاية وصلت إلى أغنية جيدة.
■ هل قدمت مزجاً بين اللونين؟
أنا سلمت نفسى بما أملكه من تراث لهم، هم الذين شاهدوا الغناء العربى من منظورهم وتركتهم بالكامل.