«تختلط فى سحارتى الذكريات الأليمة بلمسات الحب والحنان».. هكذا يفصح السيناريست محمد صفاء عامر عن مكنون سحارة ذكرياته ويقول: «أول المخزونات يعود لمشاهد الطفولة والصبا التى قضيتها متنقلا بين قنا، حيث جذورى والأقصر، وفق طبيعة عمل والدى كمدير بالتربية والتعليم، وأكثر ما أذكره يتعلق بالمرحلة الثانوية التى قضيتها بـ«مدرسة قنا الثانوية» وقد زاملنى فيها كل من الشاعر أمل دنقل والصحفى مصطفى الضمرانى وقمنا بعمل مجلة مدرسية توليت رئاسة تحريرها، ونشر فيها أمل دنقل إحدى قصائده، وكان بجوار بيتنا مكتبة أقرأ ما بها من كتب الأدب والمؤلفات لكبار الكتاب، كما أن والدى كان يقرأ لى أثناء طفولتى، وأذكر جيدا ضمن ما قرأه كتاب قديم عن «السيرة الحلبية» وكل ذلك كان سببا فى حبى للكتابة التى بدأت أولى محاولاتها الجادة عندما عملت قاضيا وكتبت رواية متأثرا بإحدى الكرنفالات التى شاهدتها أثناء زيارتى لفرنسا ضمن بعثة وزارة العدل وقدمتها للمخرج أشرف فهمى وأعُجب بها وقرر تحويلها لفيلم، لكن ذلك لم يتم..
أكثر ما يلتصق بسحارتى من ذكر لوالدى يتعلق –للأسف– بواقعتين حزينتين، الأولى عندما كنت من متفوقى الثانوية العامة، وكان أبى يرغب فى إلحاقى بكلية الطب ولكنى «خيبت أمله» والتحقت بالأدبى، أذكر يومها نظرة الحزن التى ارتسمت فى عينيه إلا أنه أسرها فى نفسه ولم يعاتبنى، فقد كان لا يرغمنى على أى شىء.. أما ثانى موقف فكان عند استقالتى من سلك القضاء وكنت مستشارا وعندها أيضا لم يتكلم ورأيت نفس النظرة الحزينة بعينيه، لكن الأمر لم يخل أيضا من لحظات سعادة أقربها لقلبى يوم أن كنت الأول على محافظة قنا بالثانوية وكرمنى وزير التربية التعليم كمال الدين حسين، وعندها شعرت بفخر أبى الشديد.. وقد ورثت عن أبى النزعة الأدبية.. ومازلت أحتفظ له فى مكتبتى بمؤلفات كتبها كانت عبارة عن سير ذاتية لأشخاص بقريتنا.. كما أننى أحتفظ بنصف مكتبته.. بالطبع تأثرت بسحارتى، فهى من أمدتنى بأحداث وشخصيات مثل «رفيع العزايزى» الذى أُجـزم بأنى رأيته لكن لا أعرف أين.. على العكس من شخصية العمدة الكبير بركات بمسلسل «الفرار من الحب» فهو شخص من قريتى وكان كما كتبته كبير أهله محبوباً وزير نساء أيضا. للأم والجدة فى سحارة ذكريات عامر مكانة كبيرة ويقول عنهما: أمى تلك المرأة القوية التى دللتنى كثيرا لأنى ظللت وحيدها لفترة، هى نفسها كان لديها سحارتان الأولى صندوق خشبى أما الثانية فكانت بـ«كنبة بلدى» والغريب احتفاظها فيهما بأشياء غريبة كلمبات الجاز والسكر ونحاس وذهب ورثته عن والدتها التركية، ولهذه الجدة حكاية خاصة، فهى أمى الثانية وكانت تحبنى وتخاف على بشكل غير طبيعى لدرجة أننى إذا ما مرضت ولو بالأنفلونزا تجلس جانبى و«تخرجلى» أى ترقينى بفصين ملح حصا بقبضة يدها وتتمتم بكلمات وأقوال مأثورة حفظتها عنها وكتبتها للفنانة عبلة كامل بمسلسل «حق مشروع»..
وأذكر أننى كنت تلميذا موسوسا أشعر دائما بأنى لـن أستيقظ مبكرا لمدرستى، وهو ما كان يدفع جدتى للسهر حتى صباح اليوم التالى لتوقظنى وقد أعدت لى ما أحب من أطعمة شعبية قنائية مثل «اللبابة بالقشدة، المفروكة، الخبيزة» وكلها أكلات كنت أحبها من يديها..