شهدت الصحافة اليمنية فى عهد الرئيس السابق على عبدالله صالح العديد من الانتهاكات والمطاردات والملاحقات للصحف والصحفيين، وهو ما أدى إلى حبس بعض الصحفيين بتهم تتعلق بحرية الرأى والتعبير وأخرى أمنية، كما أدى إلى سحب تراخيص بعض الصحف، منها جريدة «النداء»، وإغلاق البعض الآخر.
سامى غالب، رئيس تحرير صحيفة النداء، أحد الصحفيين الذين تمت محاكمتهم فى عهد صالح، كان موجودا بالقاهرة والتقينا به للحديث عن حال الصحافة والثورة فى اليمن.
يقول «غالب» إن الصحافة اليمنية مرت بثلاث مراحل بعد الوحدة اليمنية مباشرة، المرحلة الأولى بدأت منذ عام 1990، وامتدت أربع سنوات، ويمكن وصف تلك المرحلة بربيع حرية الصحافة فى اليمن، ولم تشهد تلك المرحلة انتهاكات جسيمة ضد الصحافة واتبعت الحكومة نهجاً منفتحاً تجاه الصحافة والآراء المتعددة، ولم تقم وزارة الإعلام أو الحكومة فى تلك الفترة بملاحقة أى صحفى لأسباب تتعلق بحرية الآراء.
انتهت تلك المرحلة ببداية الحرب على السلطة بين الشمال والجنوب فى عام 1994 لتبدأ المرحلة الثانية التى استمرت حتى عام 2004، وشهدت تلك المرحلة العديد من التضييقات على الصحفيين بحسب طبيعة الصراع الدائر على السلطة. ومنذ عام 2004، وحتى قيام الثورة اليمنية فى 2011، كانت المرحلة الثالثة قد بدأت برفع سقف الحرية من قبل الصحفيين أنفسهم الذين أخذوا على عاتقهم إنهاء الخطوط الحمراء التى وضعتها السلطة للصحافة فى المرحلة الثانية، واتخذت العلاقة بين الطرفين فى تلك المرحلة طابع الصراع، وأصبحت الصحافة هى محل تنفيث السلطة لغضبها، بحيث أصبح الصحفيين «ملطشة» النظام. وشهدت تلك المرحلة تطويرا للتهم الموجهة للصحفيون، فمن التهم المعتادة المتعلقة بحرية الرأى والتعبير إلى تهم أمنية أخرى. فعلى سبيل المثال تم اتهام الصحفى محمد المقالح بالانضمام لعصابة مسلحة، كما تعرض الصحفيون الذين كانت كتاباتهم مناصرة لما يعرف بـ«القضية الجنوبية»، مثل فؤاد راشد وصلاح السقلدى، لتهم أمنية مشابهة. وشهدت تلك الفترة أيضا سحب تراخيص بعض الصحف، مثل صحيفة النداء، بتهم مثل التآمر على الوحدة الوطنية، كما تعرضت جريدة الأيام، التى تعد الصحيفة المستقلة الأولى فى اليمن، إلى العديد من المضايقات والانتهاكات التى أدت إلى توقفها عن الصدور فى مايو 2009.
ويضيف «غالب» أن تلك الفترة شهدت استخدام سياسة الجزرة إلى جانب سياسة العصا، ففى نفس الوقت الذى كانت فيه مراكز قوى داخل النظام تمارس حربا مفتوحة ضد الصحافة الحرة التى اعتبروها «العدو الأول للسلطة» كانت تخرج مخصصات مالية من مكتب الرئاسة لبعض الصحفيين كأشخاص، وفى شكل دعم لصحف أخرى، وقامت الأجهزة الأمنية بفتح قنوات تواصل مع صحفيين وصحف.
أما عن الصحافة اليمنية بعد اندلاع الثورة فيقول سامى غالب إن الصحافة المستقلة الحرة فى اليمن تعرضت لأزمات مالية أثناء الثورة أدت إلى توقف بعض الصحف، فيما أدت المضايقات الأمنية إلى غلق البعض الآخر، فإلى جانب انخفاض عائد الإعلانات الذى يعد الأهم فى موارد الصحافة المستقلة اليمنية كانت هناك تعليمات أمنية لكل المعابر والمنافذ بمصادرة الصحف المستقلة، وهو ما أدى جنبا إلى جنب مع مقتل اثنين من المصورين إلى توقف بعض الصحف التى لم تستطع توزيع مطبوعاتها بسبب ذلك الحصار الأمنى.
وعن مستقبل الصحافة اليمنية قال «غالب» إن ما يحدث الآن من توقف للصحف هو وضع مؤقت، خاصة أن الثورة جاءت لتقول وتؤكد أن ما كانت تنشره تلك الصحف قبل الثورة يعبر عن مطالب الشعب، وهو ما سوف يؤدى فى النهاية إلى تعزيز دور الصحافة المستقلة والحرة فى اليمن، مشيراً إلى أن رجال الأعمال الحقيقيين كانوا يبتعدون عن الاستثمار فى مجال الصحافة قبل الثورة خوفا من عقاب النظام، ولكن بعد زوال هذا النظام من المتوقع أن تشهد الصحافة اليمنية انتعاشة بدخول رجال الأعمال للاستثمار فى العمل الإعلامى.
وعن رؤيته للصحافة المصرية يقول «غالب» إنه يرى أن الصحافة القومية لم تعد تحتكر جمهور القراء نتيجة الازدهار الذى شهدته الصحافة المستقلة والحرة فى مصر. كما أن الصحافة المصرية شهدت دخول أجيال جديدة جاءوا إليها بأقل قدر من ثقافة الماضى ويتميزون بإيقاع سريع وانتمائهم للمهنة أكثر من انتماء من سبقوهم لها، وهو ما يدعو إلى المزيد من التفاؤل بشأن مستقبل الصحافة المصرية.