انتفضت الجماهير العربية في الداخل الفلسطيني في يوم الأرض، 30 مارس 1976، احتجاجًا على مصادرة الأراضي العربية داخل مناطق الـ 48 (إسرائيل). بعدها مباشرة تم الكشف عن وثيقة سرية، كان قد أعدها حاكم لواء الشمال، المعروف بعنصريته، يسرائيل كينيج، وتوضح الوثيقة المعدة للحكومة الإسرائيلية، تقييم كينيج للمواطنين العرب في إسرائيل، وتصوره لـ«المخاطر» التي يشكلونها عليها، ومقترحاته للتعامل معهم.
بحثت الوثيقة عددًا من القضايا، بحيث تطرقت إلى تقييم موقف لكل قضية وخلفياتها، وتصور مستقبلي لها، بالإضافة إلى مقترحات لمواجهتها، وكانت القضايا التي تطرقت إليها القضية هي «الزعامة العربية وأبعادها»، «الاقتصاد والعمل»، «التعليم» في الوسط العربي في إسرائيل، بالإضافة إلى قضية «فرض القانون»، والقضية الأهم والتي تعد محور الوثيقة هي «القضية الديموجرافية ومظاهر التطرف القومي العربي».
وحذرت الوثيقة من معدلات التزايد الطبيعية للعرب في إسرائيل، والتي تصل إلى 5.9% سنويًا فيما لا تزيد بين الإسرائيليين الصهاينة على 1.5%، كما حذرت الوثيقة من هذه المعدلات في اللواء الشمالي بشكل خاص، حيث يمثل السكان العرب فيها الأغلبية الكاسحة، وقالت إن هذا يمثل خطورة على السيطرة الإسرائيلية على هذه المنطقة «ويفتح الطرق أمام قوات عسكرية من الشمال لتدخل إسرائيل. وهي مرتبطة بتصعيد المسيرة القومية المتطرفة بين عرب إسرائيل واستعدادهم للمساعدة في ذلك».
وقالت الوثيقة إن عرب 48 استمدوا دفعة قومية منذ حرب 1967، مشيرة إلى أن الاتصال بالضفة الغربية والجسور المفتوحة جددا الصلة بين الفلسطينيين في القدس والضفة وعرب 48، أدى إلى تكوين قاعدة بينهم لـ«شعارات النضال القومي المتطرف في إسرائيل»، ولفتت الصحيفة إلى أن هذه الدفعة القومية «تسارعت» بعد نتائح حرب أكتوبر، ثم «تعززت» بعد الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية.
ورصدت الوثيقة ما تسميه التحول إلى «التعبير القومي» لدى عرب 48، مشيرة إلى «التفوه بشعارات متماثلة مع شعارات منظمة التحرير»، «منح التصويت في انتخابات بلدية الناصرة في ديسمبر 1975 طابعًا قوميًا متطرفًا»، (الانتخابات التي انتخب فيها توفيق زياد أحد أهم قادة إضراب يوم الأرض رئيسًا لبلدية الناصرة)، بالإضافة إلى «التجند الفائق وغير المتوقع الذي قام به أهالي الناصرة لتصفية حساباتهم المتأخرة لبلدية الناصرة الأمر الذي يسهل على راكاح (القائمة الشيوعية الجديدة التي انشقت عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي بسبب تبنيه خطابًا صهيونيًا) في هذه المرحلة إدارة شؤون البلدة.
كما استشهدت الوثيقة بمواقف أخرى مثل إعلان الإضراب العام في يوم الأرض، أثناء مؤتمر عقد في الناصرة في 6 مارس 1976.
وحذرت الوثيقة من أن تزايد عدد عرب الداخل سيمنح «التطرف القومي العربي الشعور بالقوة والأمل بأن الزمن يعمل لصالحه. وينطبق هذا القول على جزء من البلاد مثل الشمال حيث يوجد العرب بشكل قاطع في أماكن متقاربة وواسعة».
كما حذرت من أن سيطرة «راكاح»، التي كانت تمثل الملاذ السياسي الوحيد للنشاط الفلسطيني في الداخل وقتها، على هيئات «تكاد تكون حكومية» مثل السلطات المحلية، «ستخلق أرضية مشروعة لنشاط قومي سياسي علني وسري»، وأشارت الوثيقة إلى وجود عدد من السلطات المحلية تحت سيطرة راكاح. ولفتت أن عدد الطلاب في أقطار شرقي أوروبا من قرى الشمال الذين تدعمهم راكاح بمنح دراسية في تزايد مستمر، «وذلك، حسب رأينا لإعداد كوادر كالمذكورة أعلاه»، يقول يسرائيل كينيج، في وثيقته.
كما حذرت الوثيقة من سيطرة العرب ديموجرافيًا وسياسيًا على عكا والناصرة، وأضافت: «يجب أن نأخذ بالحسبان أنه في إحدى مراحل النشاط السياسي المعادي للدولة ستثور بشكل من الأشكال مسألة إجراء استفتاء في الشمال حيث يشكل العرب الأكثرية. وسيوجه هذا النشاط من الخارج ولكن حامليه قد يكونون يساريين قوميين من العرب في الدولة».
وتوقعت الوثيقة إمكانية وقوع «استفزازات» في «مرحلة معينة» قالت إن راكاح وقوميين عرب يخططون لها، تؤدي إلى «تفجر عناصر يهودية غير منضبطة»، لطرح قضية عرب 48 على الساحة الدولية.
ونصحت الوثيقة بتوسيع الاستيطان وتعميقه في المناطق ذات الأغلبية العربية، وفحص مدى إمكانية تقليل التواجد العربي فيها، وتحديد «استيطان» العرب في مناطق الدولة المختلفة، والعمل لإيجاد قيادة يهودية في الناصرة وعكا، وسحب قيادة الجماهير العربية في الداخل من راكاح وتشكيل حزب عربي يكون «أخًا» لحزب العمل الإسرائيلي «يرفع راية السلام في المنطقة».