«نائلة زياد»: ضابط إسرائيلي أمر جنوده بحرق بيت توفيق زياد بمن فيه في يوم الأرض

كتب: أحمد بلال الخميس 29-03-2012 22:42

قال توفيق زياد: «لقد أضفنا إلى شعبنا يومًا كفاحيًا ونضاليًا جديدًا»، وكان يعرف تمامًا أن هذا اليوم مسؤولية تاريخية وعلى القيادة أن تتحمل هذه المسؤولية، وتقف بصمود دفاعًا عن شعبنا وعن حقه في الحياة والتطور على أرضه ووطنه.

كان من الصعب علينا أن نخلد للنوم، وما أن غفوت قليلًا في ساعات الصباح الباكر، وإذ برنين الهاتف يوقظني حوالي الساعة الرابعة صباحًا، كان على الطرف الآخر من الخط لواء الشمال آنذاك، المدعو يسرائيل كينيج، طلب أن يكلم رئيس البلدية توفيق زياد، سألته: بخصوص لماذا تتصل في هذا الوقت، فأجاب: أريد أن أطلب منه إلغاء الإضراب وأحمله مسؤولية ما يمكن أن يحدث.

سألني توفيق وكان يقظًا: من المتحدث. أجبته: كينيج يريد أن يكلمك بخصوص الإضراب. تحدث معه وسمعته يجيب بكل كبرياء وثقة: «لست أنت من يوجه أوامره لي وللشعب، فسياستكم المستمرة ضد الجماهير العربية الفلسطينية، وكل أشكال التمييز القومي والعنصري وسلب الأرض، قد أوصلت الشعب إلى قرار الإضراب. وأنت وحكومتك فقط تتحملون مسؤولية كل ما يمكن أن يحدث في الوسط العربي في يوم الأرض، ولا أسمح لك أن تطلب مني مثل هذا الطلب». وأقفل الخط.

ومع بزوغ الفجر كان كل جبهوي وجبهوية في الناصرة يعرف مسؤوليته وموقعه لإنجاح الإضراب.

مر الإضراب بنجاح كبير منذ ساعات الصباح الباكر، وكان توفيق يتجول في جميع أحياء الناصرة من موقع إلى آخر، يتحدث مع الناس ويسمع ردود الفعل. وكان الجميع يتابع أخبار الإضراب في جميع المناطق عبر الإذاعة. وعندما وصلت أنباء سقوط عدد من الشهداء في سخنين وعرابة ودير حنا وكفر كنا، وسقوط عدد كبير من الجرحى ومئات المعتقلين، بدأت الجماهير تخرج إلى الشوارع مستنكرة هذا الاعتداء الوحشي.

كنت في طريقي إلى منطقة العين في الشارع الرئيسي لمدينة الناصرة، وقرب عمارة بيت الصداقة، كانت قوة من حرس الحدود، وقد أغضبها نجاح الإضراب، فأخذت تتحرش بالناس، وقاموا بضرب أحد الشبان على رأسه فتدخلت صارخة في وجهه: «بأي حق تضربه؟»، وسألته: «هل أصدرتم أوامر منع تجول حتى تعتدوا على الناس بشكل وحشي». وجرت مشادة كلامية بيني وبينهم حيث تخيلت في لحظتها أن الناصرة محتلة مرة أخرى بعد 28 سنة من احتلالها عام 1948. وقد امتلأت الشوارع بالجنود المدججين بالسلاح.

بعد أن هدأ الوضع قليلًا تركت المكان عائدة للبيت، حيث وصلت أخبار أن الجنود يقتربون من بيتنا، وعندما وصلت إلى البيت كانت قوة من حرس الحدود تدفع بالناس المتجمهرين في الشارع الرئيسي أمام بيتنا، وكانت ساحة البيت مليئة بالنساء والأطفال والشيوخ، حيث التقوا هروبًا من قنابل الغاز المسيل للدموع.

بعد بضع دقائق توجهت كتيبة من حرس الحدود مقتربة من بيتنا، توقفت في الساحة المجاورة للبيت (بيت توفيق زياد). وفي لحظة وقف قائد الكتيبة يصدر أوامره قائلًا: «أغلقوا المدخل الشرقي للبيت واقتحموا البيت وأحرقوه بمن فيه». بسرعة البرق طلبت من الجميع الدخول إلى المنزل وأغلقت بابه ووقفت أمامه صارخة في وجوههم: «لن تدخلوا هذا البيت إلا على جثتي». هاجموني محاولين إبعادي بكل قوتهم عن الباب، كانوا كثر ولكنهم لم يتمكنوا من دخول البيت رغم كثرتهم وقوتهم. وألقوا علي وعلى الباب والنافذة «قوارير الزريعة» التي كانت تزين مدخل البيت، محاولين دخول البيت لتنفيذ أمر ضابطهم.

استمر هذا الصدام والعراك بضع دقائق، ثم تراجع الجنود. وفيما بعد تبين أن الذي أنقذ البيت بمن فيه هو ظهور إحدى وكالات التليفزيون الأجنبية (التليفزيون البلجيكي)، وقد قام بتصوير الهجوم.

أما الهدف من هجومهم هذا فكان الاعتداء على توفيق زياد وربما اغتياله. إذ عرفت فيما بعد أن توفيق تواجد في المنزل خمس دقائق قبل الهجوم، حيث دخل البيت من بابه الرئيسي وخرج من الباب الخلفي، ولم يلحظوا ذلك، وكان طيلة النهار مراقبًا ومطاردًا من أعوان الشرطة، وكان يعرف هذا الأمر.

وبينما أستذكر بعض الذكريات الشخصية ليوم الأرض، تذكرت المحاولات العديدة للاعتداء على بيت توفيق زياد. ففي كل إضراب كان لابد من هجوم على بيت القائد الذي عرف دائمًا كيف يدافع عن حق شعبه ضد سالبي وناهبي أرضه وحقه في الحياة.

في العام 1977 حاولوا اغتياله وهو عائد إلى البيت من اجتماع شعبي في طمرة. كذلك أطلق الرصاص على بيته يوم إضراب صابرا وشاتيلا واعتقل المئات من الجبهويين والجبهويات وتم التحقيق معهم وقسم منهم حوكم بتهم كاذبة مختلفة.

وفي إضراب العام 1990 على إثر مقتل العمال الفلسطينيين في ريشون لتسيون على يد الإرهابي الإسرائيلي عامي بوبر، وأثناء الإضراب، وبعد أن اعتقلت في هذا الإضراب بتهمة التحريض على ضرب الحجارة، في نفس اليوم دخل الجنود ساحة البيت، اعتدوا على كل من تواجد في الساحة. ومن هناك أطلق أحدهم قنبلة غاز مسيل للدموع على نافذة البيت الذي كانت تقف وراءه ابنة توفيق زياد (ابنتي عبور) وقد أصيبت في عينها إصابة بالغة جراء هذا الاعتداء.

كما ذكرت، فقد كان بيت توفيق زياد هدفًا للهجوم، في كل أيام شعبنا المشهودة ومعاركه النضالية، وبقي أهل هذا البيت كذلك حتى بعد رحيل توفيق زياد.