فى 19 مارس 2011، دخل الشعب المصرى، سنة أولى ديمقراطية، خلال الاستفتاء على تعديل أقل من 10 مواد من دستور 1971، وبعد إعلان النتيجة، بالموافقة على التعديلات بنسبة أكثر من 77%، عاد دستور السادات، ثم مبارك إلى الحياة مرة أخرى، حتى فوجئ الجميع بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة يصدر الإعلان الدستورى رقم واحد، والذى ألغى عملياً نتيجة استفتاء شارك فيه أكثر من 18 مليون مصرى، وافق منهم 14.6 مليون ناخب على «إحياء» الدستور القديم.
نص الإعلان الدستورى لعام 2011، على وظائف البرلمان، وحسب المادة 56، فإن البرلمان المنتخب يتولى سلطة التشريع، أى إصدار القوانين وتعديلها، وإقرار السياسة العامة للدولة والموازنة العامة ومراقبة تنفيذها.
خارج تلك الاختصاصات، تبقت 8 سلطات حاسمة فى يد المجلس العسكرى، وهى تعيين الأعضاء غير المنتخبين فى مجلس الشعب، ودعوة البرلمان بمجلسيه للانعقاد فى الدورة العادية، وفضها والدعوة لاجتماع غير عادى وفضه، فضلا عن حق المجلس فى إصدار القوانين أو الاعتراض عليها، وتمثيل الدولة فى الداخل والخارج وإبرام المعاهدات والاتفاقيات الدولية، واعتبارها جزءاً من النظام القانونى للدولة.
فضلاً عن ذلك، يحق للمجلس العسكرى، تعيين رئيس مجلس الوزراء، ونوابه والوزراء ونوابهم، وإعفاؤهم من مناصبهم، وكذلك تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم، والعفو عن العقوبة أو تخفيفها دون العفو الشامل، بالإضافة إلى «السلطات والاختصاصات الأخرى المقررة لرئيس الجمهورية بمقتضى القوانين واللوائح».
بهذه المادة، أصبح المجلس العسكرى، شريكاً فى «التشريع» مع المجلس النيابى، كما أصبح للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وحده، حق تشكيل الحكومات وعزلها، وتعيين الوزراء ونوابهم والموظفين والدبلوماسيين والعسكريين وعزلهم، وحتى إصدار عفو عن أشخاص أدينوا بجرائم، أو تخفيف تلك العقوبات، وأيضا أن بيده فض الدورة البرلمانية أصلاً.
رغم أن الإعلان الدستورى صدر قبل انتخابات مجلس الشعب بشهور، إلا أن جميع الأحزاب السياسية، التى حذرت من تأجيل الانتخابات البرلمانية، لم تعترض ولو على بند واحد من بنود الإعلان الدستورى، ولم يرتفع صوت فوق صوت المجلس العسكرى، حين خص نفسه بسلطات كاسحة، هى بالضبط سلطات الرئيس المخلوع، كما لم يتحدث أحد عن الاستفتاء ونتيجته التى أعادت دستور 1971 للحياة.
-خاض البرلمان عدة معارك، وطالب بعزل وزراء، وموظفين حكوميين، فى أجهزة الشرطة، ومحافظين، وحتى عزل الحكومة كلها، إلا أن طلباته كانت تقف دوماً عند مرحلة «المطالب»، دون أن يتمكن من ترقيتها إلى درجة «الأفعال»، فالنص الدستورى الصادر من المجلس العسكرى واضح، وكما أن للمجلس حق إصدار القوانين، فمن حق المجلس العسكرى، إصدار قوانين، بل والاعتراض على القوانين التى يصدرها المجلس المنتخب من الأساس.
هذا على مستوى التشريع، أما خارجياً فبمجرد توقيع المجلس العسكرى، أو من يمثله على أى اتفاقيات دولية، أو معاهدات مع دول أخرى، تصبح تلك النصوص جزءاً من النظام القانونى المصرى، وتعدل القوانين لتطابقها، حسب العرف القانونى المتبع، ولا يوجب الإعلان الدستورى على المجلس العسكرى، عرض الاتفاقيات على البرلمان من الأساس، ولا يعطى للبرلمان الحق فى الاعتراض على أى معاهدة يبرمها المجلس العسكرى، أو رفض أى قانون يصدره بحكم الإعلان الدستورى نفسه.
ويتبقى لمجلس الشعب سلطة «الرقابة»، لكنها تظل سلطة معنوية إلى أبعد حد، حيث لا يملك المجلس إثابة أى موظف حكومى، أو معاقبته إذا أثبت البرلمان عبر أدواته الرقابية أن هذا الموظف الحكومى مقصر أو مخطئ أو مصيب.
أما الوظيفة الأخيرة للبرلمان، وهى مراقبة الموازنة العامة للدولة، وتحديد سياساتها، فإن المجلس أتى للدنيا، بعد إقرار الموازنة العامة للدولة، دون أن تعرض عليه، وبالتالى لا يملك الكثير ليقدمه فيها، أو يحذفه منها.