أكد جمال سليمان أن مسلسله الجديد «سيدنا السيد»، الذى يجسد من خلاله شخصية الصعيدى للمرة الثالثة يتشابه مع مسلسليه «حدائق الشيطان» و«أفراح إبليس» فى المناخ العام فقط.
وقال سليمان، لـ«المصرى اليوم»، إنه يعارض أسلوب النظام السورى فى مواجهة الاحتجاجات، ويحمله النتيجة التى وصل إليها بلده حاليا، موضحا أنه ليس متحمسًا للمعارضة الموجودة الآن.
■من هو سيدنا السيد؟
- سيدنا السيد هو الشخص الذى يفوَض نفسه نيابة عن كل الناس وبعينه يرى لهم الخير وبها أيضا يرى الشر، ويخطط لمستقبلهم، ويعتقد أنه سيقيم العدل ويقرر الثواب والعقاب، وهذا لا يحدث بالضرورة بنوايا شريرة، لكن بمزيج من شهوة السلطة، والمسلسل فى النهاية يقول إن من يفوض لنفسه سلطة القرار نيابة عن المجتمع ويكون رأيه هو الأول والأخير قد يرتكب أخطاءً قاتلة.
■ماذا عن أهم الشخصيات الموجودة فى المسلسل؟
- المسلسل يدور فى إطار اجتماعى إنسانى صعيدى فى فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى، ويضم علاقات استثنائية بين «فضلون الدينارى» الملقب بـ«سيدنا السيد» وشخصية عبدربه، التى يجسدها أحمد الفيشاوى، وهو مفتش الرى الشاب، الذى يقوده حظه السيئ للتعيين فى نجع «سيدنا السيد» فى الصعيد، ويزيد من سوء حظه أنه شخص حساس ومشروع أديب ترك وراءه فى القاهرة روايته الأولى التى تنتظر النشر فى جريدة الأهرام، كما ترك قصة حب فاشلة انتهت بزواج الحبيبة من شخص آخر، وفى نجع السيد يتعرف عبدربه على سيدنا السيد الحاكم بأمره، ودون أن يقصد يجد عبدربه نفسه فى وسط روايته الكبيرة الأولى حيث بطلها «فضلون الدينارى» أو «سيدنا السيد»، تلك الشخصية التى تتميز بالمتناقضات من عواطف ومشاعر حلوة ومرة فى نفس الوقت، فيراه مع أهل النجع ومع أولاده ومع المرأة، التى جاءت من القاهرة وقلبت حياته رأسا على عقب، كما يشاهده وهو يحب ويقتل وهو يقسو ويعطف ويساعد ويسحق فيقع قلمه أسير هذه الشخصية التى لا تتوقع رد فعلها فى أى لحظة من اللحظات.
■وما حقيقة تقديم هذا العمل فى ثلاثة أجزاء مختلفة، تبدأ بالجد «فضلون»، ثم تمتد للابن وللحفيد؟
- حتى الآن استقررنا على المرحلة الأولى، وهى مرحلة «فضلون الدينارى» والعمل به إمكانيات كبيرة فى العمل تسمح بتقديم جزء ثان وثالث، لكننا لم نحسم هذا الأمر.
■لماذا اخترتم فترة الأربعينيات زمنًا للأحداث؟
- الذى فرض هذا الزمن هو العالم الخاص بالشخصيات الموازية لـ«سيدنا السيد»، وهما شخصية «عبدربه»، مفتش الرى، و«زبيدة»، التى ستأتى من القاهرة، حاملة معها قصتها الغريبة المرتبطة بمرحلة الأربعينيات، وكذلك طبيعة العلاقات الاجتماعية، التى كانت موجودة فى الصعيد وقتها، حيث كان معزولا عن حياة المدنية ولم يعرف الناس حاكما إلا كبيرهم، الذى يمثل لهم كل شىء، فهو الملك والقاضى وإمام الجامع ووزير العدل والاقتصاد والإعلام.
■هل يحمل العمل إسقاطات سياسية؟
- من حيث المبدأ نحن نقدم مسلسلاً يتضمن حكايات تمتع المشاهد، لكن عندما تتقاطع هذه الحكايات مع حياة الناس ومعاناتهم وأحلامهم وقتها نستطيع أن نصف هذا الفن بأنه راقٍ وممتع، أما حكاية السلطة والديكتاتورية، فكانت موجودة وستبقى الشغل الشاغل للبشر، ونحن فى العالم العربى يزداد اهتمامنا بها وبمدى شرعيتها، وهذا جوهر ما نشهده حاليا من رغبة عند الناس لإعادة تشكيل السلطة، بما لا يتناقض مع كرامتهم وحريتهم.
■ومن أين تستمد شخصية «فضلون» أو «سيدنا السيد» سلطتها؟
- من تراكم الملكية والقدرة على استخدام القوة لقتل الخصم وحماية الحليف، ففكرة السلطة تتطلب من صاحبها جرأة هائلة على مصادرة حياة الناس مستخدما فى سبيل ذلك كل الوسائل المتاحة من عنف، مرورًا بجهل الناس وضعفهم وخوفهم إلى تحكمهم بالمال أو بالدين إن كان ذلك متاحا، وهذا ما فعله «فضلون الدينارى»، فهو يستخدم قوته وملكيته وحتى الأحكام الدينية بما يعزز سلطته ويعطيه الحق لتحويل طاعة الناس له إلى نوع من الواجب الذى لا تجوز مراجعته.
■كيف ترى الاختلاف بين الشخصيات الصعيدية الثلاث التي قدمتها في أعمالك؟
- أعتقد أنهم يتقاطعون فى المناخ العام، كونهم يرتدون نفس الأزياء الصعيدية، ويتحدثون نفس اللهجة، لكنهم مختلفون فى كثير من التفاصيل، فمندور أبو الدهب فى «حدائق الشيطان» يعيش أسيرًا لوصية أبيه ولملذاته الشخصية وسطوته المالية، التى جاءت من تجارة المخدرات واستعداده لاستخدام العنف بشكل أقرب لرجل المافيا، أما همام أبو رسلان فى «أفراح إبليس» فهو رب عائلة نظر حوله فشاهد أن كثيرين استغلوا مناخ الفساد وبنوا إمبراطورياتهم الاستثمارية فأراد بطريقته أن يبنى لأولاده إمبراطوريتهم الخاصة، بينما «فضلون الدينارى» رجل مسكون بفكرة السلطة بمعناها الأشمل، لدرجة أنه أصبح يعتبرها واجبا إلهيا كلَف به.
■هل يحاول المنتجون حصرك فى الشخصية الصعيدية بعد نجاحك من خلالها؟
- ليس حصرًا بالمعنى التقليدى، لأن المنتجين المصريين أنتجوا لى أيضا ثلاثة أعمال غير صعيدية هى «أولاد الليل» و«قصة حب» و«الشوارع الخلفية»، وفى المقابل من الطبيعى أن يكون المسلسل الصعيدى ضمن خططهم، خاصة إذا كان الممثل موفقا فى تقديم الشخصية الصعيدية بشكل يجعل الناس تحب أن تراه فيها من حين لآخر، وبالنسبة لى المسلسلات لا تنقسم إلى صعيدية وغير صعيدية بل هناك مسلسلات جيدة وأخرى رديئة.
■بعيدًا عن الفن، كيف ترى الوضع فى سوريا حاليًا؟
- سبق أن قلت فى «المصرى اليوم» إن «الملف السورى معقد جدًا وقلت بالحرف» فيما يتعلق بسوريا، أرى أن هناك خيارين لا ثالث لهما، «إما نستمر كما نحن وبالتالى ستتحول سوريا إلى بلد ينبعث الدخان من كل شارع من شوارعه أو ندخل فى حوار شجاع ووطنى ويتم فيه كل ما يلزم من تنازلات لصالح مستقبل سوريا»، وهذا ليس رأيى وحدى بل رأى طيف واسع من الشعب السورى، والأيام أثبتت صحة هذه التوقعات، فالدخان يتصاعد فى أماكن عدة من المدن والأرياف السورية والضحايا من مدنيين وعسكريين بالآلاف، وللأسف الشديد بعد هذه الشهور لم يعد الشأن السورى بيد السوريين وحدهم سواء كانوا فى مؤسسة الحكم أو فى الشارع الصامت أو حتى فى الشارع المنتفض، فالقضية السورية اليوم أصبحت إقليمية ودولية، وهذا أخطر شىء من وجهة نظرى، لأنها عندما تتحول من قضية وطنية إلى قضية دولية لن تكون منفصلة عن باقى الصراعات والمصالح الدولية، مثل الملف العراقى واللبنانى والإسرائيلى والصراع الروسى الأمريكى، وبالتالى أصبح على النظام والمعارضة أن ينتظرا ما سيتمخض عن المجتمع الدولى من إجراءات وقرارات تحت منظومة صراع المصالح، بينما الدم السورى يراق، ووحدة المجتمع تتهدد، ويكثر الحديث عن احتمالات الحرب الطائفية، التى لو حدثت- لا سمح الله- لن تكون كارثة سورية فقط بل إقليمية أيضا.
■ولماذا وصلت الأوضاع فى سوريا إلى هذه الصورة المأساوية؟
- لأن النظام راهن على الوقت، وعلى تضارب المصالح الدولية وعدم قدرة المعارضة على التوحد بدلا من الرهان على إرادة الشعب السورى، الذى يريد أن يخرج من طور سياسى إلى طور آخر جديد، وعندما أقول الشعب السورى، لا أعنى فقط الشارع المنتفض، بل أعنى أيضا الشارع الصامت وحتى الشارع الموالى للنظام، فكثير من السوريين، الذين لا يؤيدون المعارضة ويعادون المجلس الوطنى- على سبيل المثال- هم أنفسهم يطالبون بالتغيير ويؤمنون بأن مستقبل سوريا السياسى مغاير تماما لما كانت عليه فى العقود السابقة، فعدم اعترافهم بالمعارضة لا يعنى أنهم يغلقون نوافذهم فى وجه رياح التغيير. من ناحية أخرى راهنت بعض قوى المعارضة على الضغط الدولى ولا تمانع فى أن يكون هناك تدخل عسكرى على الطريقة الليبية كى يحسم المعركة لصالحها مهما كان الثمن، ومن هنا جاءت فكرة تسليح الشارع، التى لا يمكن أن أراها إلا فكرة جنونية أحدثت أضرارًا جسيمة بسوريا بشكل عام وللشارع المنتفض بشكل خاص.
■لكن المعارضة تقول إنه لم يكن أمامها إلا هذا الخيار لحماية المتظاهرين من عنف النظام؟
- وهل تحققت هذه الغاية؟ هل استطاع السلاح أن يقلل من عدد الضحايا؟، الواقع يقول لا، بل إن العكس الذى حدث، فأعداد الضحايا تزداد بشكل غير مسبوق، والسلطة تبرر استخدامها للعنف المفرط بأنها تواجه مسلحين يريدون إسقاط النظام بقوة السلاح.
■وما البديل؟
- المعارضة الوطنية، ونحن جزء منها، طرحت البديل فى «المبادرة الوطنية الديمقراطية» وهو أن يغلب النظام المصلحة الوطنية على الدفاع عن السلطة ويستمع للناس، ويؤمن بأن عملية التغيير استحقاق تاريخى لا مجال للقفز فوقه أو الاستجابة له بشكل جزئى. قد تستطيع أن تقمع الاحتجاجات وتنتصر بقوة السلاح وهذا بطبيعة الحال أصبح مستبعدا، لكنك بذلك ستكون قد رحَّلت المشكلة عاما أو خمسة أعوام وستعود لتنفجر فى وجهك بشكل أكثر عنفا وضراوة، كما أنه على قوى المعارضة أن تتحد- أقول تتحد ولا أقول تتوحد- فى شجبها للعنف والتدخل الخارجى مع حقها فى استخدام جميع وسائل النضال السلمى من أجل إحداث التغيير المنشود وعدم الرفض المطلق لفكرة الحوار وإنما يتم وضع شروط واقعية له تضع أيضا المصالح الوطنية العليا فوق الرغبة فى الانتصار بالضربة القاضية.
■وماذا عن الشعب السورى؟
- أعتقد أن الشعب السورى يعيش اليوم حالة من المرارة، بسبب ما وصلت إليه الأمور، ويأبى التدخل الخارجى، ويستنكر ما يجرى من عنف وقتل وتدمير، وينظر بعين الشك والخيبة لما آلت إليه طبيعة الصراع، ويتطلع إلى انفراج مدنى يقوم على حوار عميق وجاد لإنهاء الأزمة التى جعلت دماءً سورية غزيرة تسيل فى الشوارع وجعلت دوام الأطفال فى مدارسهم غير منتظم بل منعدم فى بعض المناطق، نتيجة لانعدام الأمن، وجعلت ثروات السوريين المتواضعة تتآكل بفعل انهيار سعر الصرف، كما جعلتهم الأزمة يجلسون ساعات طويلة على ضوء الشموع، لأن التيار الكهربائى ينقطع باستمرار.
■لماذا يتخذ معظم الفنانين السوريين موقفا سلبيًا من الأحداث فى بلادهم؟
- الفنانون ليسوا حزبًا سياسيًا، وينتمون إلى عوالم مختلفة، وبعضهم غير مهتم بالشأن السياسى، كما أن بعضهم معجب بالنظام وفقا لقناعته، والبعض- مثل شرائح واسعة من الشعب السورى- أحجم عن تأييد هذا الحراك ليس من منطلق تأييد النظام وإنما من منطلق التوجس والخوف من المستقبل، فهناك من يؤيد النظام بدوافع انتهازية، وهناك من يصمت بدافع الخوف أو عدم وضوح الرؤية، وفى المقابل هناك فنانون عارضوا النظام وتعرضوا للمضايقات وللاعتقال أحيانا، وهناك من غادر البلاد، وهناك من تعرضوا لحملات تشويه السمعة والطعن فى وطنيتهم واتهامهم بالعمالة لمجرد أن لهم رأياً معارضاً. فى النهاية الفنانون جزء من المجتمع السورى، والمجتمع نفسه منقسم بشدة حول ما يحدث حاليا، وليس حقيقيا أن الشعب السورى كله يقف مع النظام كما يحاول الإعلام الحكومى أن يصدّر للعالم، وليس حقيقياً أيضا أن الشعب كله ضد النظام كما يروج الإعلام المعارض.
■وما موقف جمال سليمان؟
- أكره الاستسهال فى التصنيف، فأنا لا أتحدث هنا عن مباراة بين ريال مدريد وبرشلونة، بل أتحدث عن مصير وطنى ومصيرى ومصير ابنى، وفى كل حواراتى، التى أجريتها منذ سنة 2006 حتى الآن كان موقفى واضحًا ومحددًا من مسألة الإصلاح ونفس الأمر بالنسبة للانتفاضة السورية، وأعرف أن مواقفى ليست من النوع الذى يسعد فريقاً من المعارضة ينادى بالتسليح والتدخل الخارجى، كما أن موقفى يغضب النظام الذى يريد أن نؤيده بلا شروط ولا تفكير، وكأننا ضيوف مؤقتون فى وطننا أو أننا غنم فى مزرعة، فنحن كفنانين تعرضنا لكثير من الضغوط كى نكون مؤيدين للمعارضة بالمطلق دون وعى أو تفكير، واتهمتنا بعض الأقلام بالتخاذل والانتهازية، لأننا لم نفعل ذلك، ونفس الضغط تعرضنا له من جانب النظام، وبشكل شخصى ما زلت أقاوم هذه الضغوط، وأتمنى أن أكون دائما مواطنا سوريا يقول كلمته بشرف وصدق، ويقف إلى جانب الحق كما يراه، وأعتبر نفسى معارضا، لكن ذلك لا يعنى أننى سأعطى صوتى لكل من يرفع العصا فى وجه النظام.