توجّت الثورة اليمنية 50 عامًا من الصراعات السياسية في هذا البلد، الذي يأمل شبابه، وقود الثورة الأخيرة ضد حكم الرئيس علي عبد الله صالح، في بناء دولة ديمقراطية حديثة تنفض غبار الماضي، الذي مازال يلاحق هذا الحلم ويهدده.
غير أن هذه الثورة بعد أن أطاحت بـ«دولة» صالح وأتت بنائبه المشير عبد ربه منصور هادي رئيسًا مؤقتًا لعامين، يتولى حكم البلاد خلال الفترة الانتقالية التي سيصيغ فيها اليمنيون دستورًا جديدًا، تواجه مخاطر أخرى تتمثل في مساعٍ انفصالية لدى الحوثيين الشيعة والجنوبيين الساعين إلى الاستقلال من جديد، وتهديدات أمنية لتنظيم القاعدة.
وتواجه الثورة اليمنية تحديات كبيرة بعد إنجاز مهمتها الأولى بالإطاحة بصالح ونجله الوريث الذي كان منتظرًا، إذ أن هناك العديد من الملفات التي تراكمت مشاكلها طوال السنوات الماضية وتحتاج حلولاً جذرية.
المهمة الأولى الملقاة على عاتق القوى السياسية في يمن ما بعد الثورة هو إعادة بناء الدولة بمفهومها الحديث، واعتماد المؤسسات بديلاً للنظام القبلي الذي تحكم فعليًا في مصير البلاد طوال الأعوام الخمسين الماضية.
ويقول الباحث السياسي الدكتور عبد الله أبو الغيث إن «الثورة الشعبية أعادت للهوية اليمنية اعتبارها، وجعلت الناس يدركون بأن الخلل ليس في تعدد الانتماءات المذهبية والمناطقية والقبلية، بقدر ما يتمثل في غياب العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية، وذلك هو العنوان الأبرز الذي يجب أن تتشكل على أساسه هوية الدولة القادمة في اليمن».
وبناء دولة حديثة تتخلص من النظام القبلي لن يكون مجرد تغيير شكلي، فدولة المؤسسات ستكون قادرة على حل مشاكل أمنية أثرت على الزراعة والتجارة، كما ستعالج المشاكل الاقتصادية في بلد ارتفعت فيه أسعار السلع بأكثر من 50% خلال عام الثورة، بينما يعاني 40% من سكانه من الفقر.
ويقول الباحث اليمني معتز علوي عبيد إن «السلطة اليمنية و الحكومة اليمنية ليست إلا عبارة عن تكتلات قبلية و قبائل كبيرة اجتمعت لتنظم اليمن بعد حكم الإمامة». فيما يعتقد الباحث البريطاني باتريك ريجر في دراسة أن النظام القبلي في الشمال هو ما يهدد الوحدة مع الجنوب.
وعلى الجانب الآخر مازال الخطر الأمني لتنظيم القاعدة قائمًا، ولا يمكن إنهاؤه إلا بقوات مسلحة قوية لا تسهل مهاجمة مواقعها ولا تتكبد خسائر فادحة عندما تقاتل عناصر القاعدة.
وإلى جانب خطر القاعدة «السني» فإن خطرًا شيعيًا آخر قد يهدد الدولة وهم «الحوثيون»، والذين ما زالوا يمثلون مخاوف رغم أنهم نبذوا العنف منذ بدء الثورة وبدا أنهم على أعتاب الاندماج في العملية السياسية في اليمن.
ورغم أنها تخوض «كفاحًا مسلحًا» ضد نظام صالح منذ عام 2004، إلا أن جماعة الحوثيين فاجأت الجميع عندما أعلنت مع بدء الثورة تمسكها بسلمية الحراك، فتواجد قادة الحركة في كافة المظاهرات المناهضة للنظام وفي الخيام المنصوبة في ساحات التغيير المختلفة.
ويؤشر هذا إلى إمكانية دمج الحوثيين كتيار لاعب وفاعل في الحياة السياسية، خاصة بعد أن انتفى مبرر العنف بسقوط صالح، الذي كانت عمليات التنظيم موجهة ضد نظام حكمه بالأساس.
وفيما يتعلق بالخطر الأبرز الذي يواجه وحدة اليمن، وهو المساعي الجنوبية لإعلان الاستقلال، فإن خيار الفيدرالية يبدو حلاً وسطًا، وهو ما جاء على لسان رئيس الوزراء اليمني، المنحدر من الجنوب، والمنتمي إلى معارضة صالح، محمد باسندوة، والذي ألمح إلى أنه يفضل خيار الفيدرالية، رغم المصاعب التي تكتنف هذا الخيار.