عقد مجلس الشعب جلسته الطارئة يوم الخميس 2 فبراير الماضى، لمناقشة أحداث مباراة الأهلى والمصرى التى أقيمت فى استاد بورسعيد وأسفرت عن مصرع أكثر من 70 من مشجعى الأهلى، وقرر المجلس إحالة الطلب المقدم من النائب الدكتور عصام العريان (حزب الحرية والعدالة) و120 نائباً آخرين بتوجيه الاتهام الجنائى إلى اللواء محمد إبراهيم، وزير الداخلية، لمسؤوليته عن تلك الأحداث إلى اللجنة العامة للمجلس التى اجتمعت بدورها يوم 5 فبراير الماضى، لمناقشة الطلب، ووافقت على تقرير لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية الذى انتهى إلى إمكانية تطبيق القانون رقم 247 لسنة 1958 (قانون محاكمة الوزراء) على وزير الداخلية.
وقررت اللجنة العامة تشكيل لجنة فرعية للاستماع لأقوال الوزير، وتضم خمسة أعضاء هم: المستشار محمود الخضيرى، رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية رئيساً، وعضوية كل من سعد الحسينى، رئيس لجنة الخطة والموازنة، وطلعت مرزوق، رئيس لجنة الاقتراحات والشكاوى، والدكتور محمود السقا، ممثل الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، وعصام سلطان، ممثل الهيئة البرلمانية لحزب الوسط.
وفى الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء 14 فبراير الماضى، عقدت اللجنة الفرعية اجتماعاً برئاسة «الخضيرى» و«مرزوق» و«سلطان» للاستماع إلى وزير الداخلية، وغاب عن الاجتماع الدكتور محمود السقا وسعد الحسينى.
وأعدت اللجنة تقريراً عن الاجتماع رأت فى ختامه أن مسؤولية وزير الداخلية عن أحداث استاد بورسعيد لا تتعدى المسؤولية السياسية التى تقع على عاتق كل وزير، ووقع على التقرير جميع أعضاء اللجنة باستثناء النائب عصام سلطان الذى أعد بمفرده تقريراً موازياً قال فيه: إنه بالإضافة للمسؤولية السياسية للوزير، فإن التقصير متوافر فى حقه بامتناعه عن اتخاذ الإجراءات الجادة الموصلة إلى خيوط الجريمة وضبط مرتكبيها الحقيقيين بما يتناسب مع قدرات الوزارة الكبيرة، وقدرات الوزير المعروفة عنه، وتستبعد اللجنة (كما يقول عصام سلطان فى تقريره) أى دور إيجابى للوزير فى الأحداث.
وحصلت «المصرى اليوم» على التقريرين المقرر عرضهما على اللجنة العامة فى اجتماع لم يتم تحديد موعده حتى الآن، بسبب انشغالها خلال الأيام الماضية بالمهام المتعلقة بتشكيل اللجنة التأسيسية، لإعداد مشروع الدستور الجديد.
ويتطابق التقريران فى جميع النقاط باستثناء الصفحة الأخيرة، التى تضمنت رأى اللجنة وتوصياتها، التى أعاد النائب عصام سلطان صياغتها وفقاً لرأيه المخالف لبقية أعضاء اللجنة.
ويشير تقرير اللجنة إلى أن أعضاءها وجهوا أسئلتهم لوزير الداخلية حول ملابسات الأحداث، وهل هناك أدلة أو دلائل على تقصيره، ومسؤوليته السياسية.
وأكد الوزير الآتى:
أولاً: بالنسبة لأسباب وتداعيات الأحداث فقد تمثلت فى:
- حدوث تغير فى تركيبة الشعب المصرى بعد ثورة 25 يناير وتصور الناس أن الحرية فوضى.
- عمل الأمن فى ظروف غاية فى الصعوبة والإحباط.
- حالة الاحتقان الموجودة لدى مشجعى الفريقين، وتحول الألتراس من التشجيع الكروى إلى التشجيع السياسى.
- إطلاق الشرارة الأولى للأحداث أثناء المباراة، عند قيام أحد مشجعى النادى الأهلى برفع يافطة «يا بلد بالة مفيهاش رجالة»، والتى كانت موجهة إلى شعب بورسعيد.
ثانيا: بالنسبة للمسؤولية عن تلك الأحداث:
أكد الوزير «حسب نص التقرير» أن المسؤولية مشتركة بين الأمن فى بورسعيد وإدارة النادى المصرى على النحو التالى:
■ مسؤولية الأمن: وتتمثل فى التقصير والإهمال، لكنه أكد أنها لا ترقى إلى المسؤولية الكاملة، وكانت أبرز صور التقصير والإهمال:
■ عدم تقدير خطورة المباراة، بالرغم من حالة الشحن الزائد التى كانت واضحة بصورة كبيرة منذ ما قبل المباراة، خاصة على «فيس بوك».
■ السماح لعدد كبير من مشجعى المصرى بالدخول إلى الاستاد، دون اتخاذ الإجراءات اللازمة للتفتيش مع عدم وجود وسائل احترازية قبل دخول الجمهور.
■ الاستعانة باللجان الشعبية، بالرغم من عدم ورودها فى خطة الوزارة.
مسؤولية إدارة «المصرى»:
أكد الوزير أن أمن النادى يعد المسؤول فى المقام الأول، بالإضافة إلى قيام مدير الاستاد بإطفاء الأنوار، بالمخالفة لقرارات الاتحاد الدولى «فيفا» فى هذا الشأن.
ثالثاً: أسباب تفاقم الأحداث:
أوضح الوزير أن هناك أموراً أدت إلى تفاقم الأحداث كان أبرزها:
■ عنصر المفاجأة الذى أربك حسابات الأمن.
■ أن الخطأ الذى حدث ترتبت عليه أخطاء أخرى.
■ التدافع فى المدرجات أدى إلى زيادة عدد الإصابات والوفيات. وحول سؤال عن إمكانية نقل المباراة أو إلغائها أكد الوزير أن ذلك من اختصاص اتحاد الكرة وليس اختصاص الأمن.
أما عن الآثار التى كانت تترتب على إلغاء الدورى فأكد أن ذلك يعطى ثلاثة مؤشرات هى عدم الإحساس بالأمن وأنها المتنفس الرئيسى للمواطنين، بالإضافة إلى الخسائر المالية.
وعن سؤاله حول عدم إقالة نائب مدير الأمن، أوضح أن إقالة كل من مدير الأمن ومدير المباحث الجنائية ونائب مدير الأمن فى وقت واحد تجعل القرار معيباً ومشوباً بالعوار، مؤكداً صدور قرار من النائب العام بمنع مدير الأمن ومدير المباحث الجنائية ببورسعيد من السفر كإجراء تحفظى.
رابعاً: الملابسات والمسؤولية:
أكد الوزير أن المسؤول الأول هو مدير الأمن، لأن مديرى الأمن فى المحافظات لهم الصلاحيات الكاملة التى تقابلها مسؤوليات، فكل ما يقع داخل النطاق الجغرافى لمدير الأمن من جميع الأجهزة النوعية الشرطية يخضع لسلطته والتعليمات واضحة فى كل مواجهة سواء قبل الحدث أو بعده، بالإضافة إلى أن مدير أمن بورسعيد لم يطلب دعماً، ولو طلب لاستجبنا إلى طلبه فوراً.
وأوضح أنه تحدث مع مدير أمن «شرطة» النقل والمواصلات ومدير أمن الإسماعيلية، للتنسيق وتأمين الطرق حتى وصول الجمهور للقاهرة، مؤكداً فى الوقت ذاته عدم انتهاء الفحص والتحقيق حتى الآن، ومازال العمل جارياً لبيان الحقيقة، حيث تم تشكيل لجنة، للوقوف على ظروف الحادث وملابساته، بعد إخطار النيابة العامة من خلال اعترافات المتهمين والقنوات الفضائية، وبعض مقاطع الفيديو التى تمت الاستعانة بها فى محل البحث، وتم تحديد عدد كبير من الجناة، والتعرف عليهم، وضبطهم، واعترفوا بالمشاركة فى ارتكاب الحادث، وصدر قرار حبس لهم من قبل النيابة العامة.
وأكد أن حكم المباراة بمجرد أن يطلق الصافرة يصبح هو المسؤول عن إدارة العمل الرياضى داخل الملعب، ويملك حق إيقاف المباراة أو إلغائها.
وفى النهاية أكد الوزير أنه لم يكن هناك ما يدعو لتلك الأحداث، خاصة أن فريق المصرى البورسعيدى هو الفائز فى المباراة.
وبعد سماع اللجنة لأقوال الوزير رأت أن مسؤوليته لا تتعدى المسؤولية السياسية، التى تقع على عائق كل وزير، ورغم أن هيئة الشرطة تمر بمرحلة تحول خطيرة لم تشهدها من قبل، ضعفت فيها قبضتها على زمام الأمن بعد أن كانت مسيطرة بصورة غير طبيعية، وأن استعادة الأمن فى مصر تتطلب تقوية هذا الجهاز بعد تطهيره من أعوان النظام السابق، وبث الثقة فى نفوس أفراده، وأن الوزير الحالى منذ توليه المسؤولية يحاول استعادة الأمن فى الشارع، إلا أن الأحداث كانت من القوة والتعمد ما فاق طاقة الشرطة التى خرجت من الثورة مصابة، وهو ما يعنى علاجها والعمل على مساعدتها لاستتباب الأمن والطمأنينة فى الشارع.
واقترحت اللجنة مجموعة من التوصيات أبرزها تفعيل الإجراءات الوقائية للحد من الجرائم، خاصة إقامة المزيد من الكمائن الثابتة، والمتحركة على الطرق، مع زيادة المساحة الأمنية لضبط العناصر الخطيرة على الأمن، خاصة الهاربين من السجون، وتقديم الدعم المادى للشرطة من خلال تزويدها بالمعدات والأدوات اللازمة لأداء أعمالها، وتفعيل قوانين البلطجة والسطو المسلح وغيرها من القوانين للحد من الجرائم.
وفيما وقع أعضاء اللجنة الأربعة على التقرير، كتب عصام سلطان عبارة: السيد العضو عصام سلطان رفض التوقيع وتمسك بالتقرير المرفق، وكتب «سلطان» فى تقريره تحت عنوان رأى اللجنة:
«ترى اللجنة أنه من الصعب تصور أحداث استاد بورسعيد دون إعداد وترتيب مسبق بمساعدة واشتراك عناصر من مديرية أمن بورسعيد وعناصر من استاد بورسعيد، حيث تجمعت عدة أخطاء فى وقت واحد وبمناسبة واحدة لا يمكن أن تتجمع على سبيل المصادفة أهمها: تعمد عدم تفتيش الأشخاص ذاتياً أثناء دخولهم المباراة فضلاً عما يحملونه من حقائب، ولحام بابى الخروج قبل المباراة بيومين، وإغلاق الباب الثالث بالمفتاح ووضعه مع أحد الضباط ووقوفه بعيداً عن الباب لحين اكتمال الجريمة، وعدم نزول قوات الأمن المركزى فى الدقيقة 40 إلى أرض الملعب، فضلاً عن عدم تلقيهم أى أوامر لمنع جمهور المصرى من اقتحام أرض الملعب، وإطفاء أنوار الاستاد وقت وقوع الجريمة بالمخالفة لتعليمات الفيفا، ثم يأتى على رأس هذه الوقائع وجود عناصر مدنية على أرض الملعب قبل بداية المباراة تحت حماية وإشراف ضباط مديرية أمن بورسعيد برغم أنها لجان شعبية تساعد الأمن، فى حين قرر السيد الوزير أن هذا مخالف لكل تعليمات الوزارة ولم يرد فى خطتها مثل هذا، وأخيراً وجود خطتين أمنيتين مختلفتين، إحداهما وضعت قبل المباراة، والأخرى فى وقت لاحق، ولكنهما تحملان ذات التاريخ.
وترى اللجنة أن جميع المجهودات التى قام بها الوزير للوصول إلى خيوط الجريمة وضبط مرتكبيها وتقديمهم إلى النيابة كانت مجهودات أقل من عادية، ولا تتناسب مطلقاً مع حجم الجرم البشع، إذ اكتفى الوزير بضبط بعض العناصر حول استاد بورسعيد أو تلك التى رآها بالفيديوهات والفضائيات، وهو مجهود لا يتناسب مع المأمول من وزارة تحوز كل تلك الإمكانات الضخمة كوزارة الداخلية، أو وزير قضى عمره كله فى مجال البحث الجنائى، فلم يتم البحث عما وراء المقبوض عليهم وعن مصادر تمويلهم وأماكن تجميعهم وأماكن انطلاقهم.
كما أنه لم تقدم أى طلبات من الوزارة إلى النيابة العامة للإذن بمراقبة أى تليفونات، أو تفتيش أى مساكن أو أماكن خاصة وفقاً للقانون، وقد وعد السيد الوزير اللجنة بإفادتها بما تم بهذا الخصوص ولكنه لم يفعل حتى تاريخه.
كما تجدر الإشارة إلى أنه فى الوقت الذى أدان فيه الوزير مسلك مديرية أمن بورسعيد وجهاز الأمن الوطنى ببورسعيد من عدم الوصول إلى المعلومات عبر التحريات قبل وقوع الأحداث، فإن الضابط المسؤول عن الأمن الوطنى فى بورسعيد قرر أمام لجنة تقصى الحقائق ببورسعيد عدم اختصاصه أصلاً بهذا الموضوع، إذ يقتصر نطاق اختصاصه على مكافحة الإرهاب فقط! وهذا التضارب بين أقوال الوزير وبين مسؤول الأمن الوطنى فى بورسعيد يلقى بمزيد من الشك والريبة حول دور جهاز الأمن الوطنى فى بورسعيد فى الأحداث.
وعلى ذلك، فإن اللجنة ترى أنه بالإضافة إلى مسؤولية الوزير مسؤولية سياسية كاملة فإن التقصير متوافر فى حقه حتى اليوم بامتناعه عن اتخاذ الإجراءات الجادة الموصلة إلى خيوط الجريمة وضبط مرتكبيها الحقيقيين بما يتناسب مع قدرات الوزارة الكبيرة وقدرات الوزير المعروفة عنه، وتستبعد اللجنة أى دور إيجابى للوزير فى الأحداث».