عندما تراها وهى واقفة وسط الرجال تنتظر دورها فى تحميل شيكارة مليئة بالزجاج وتحملها على ظهرها ثم تصعد بها على سقالة لتحميلها على عربة نقل، لا تصدق أن تلك السيدة التى تبدو فى الأربعينيات من عمرها ـ لم يتجاوز عمرها الحقيقى 28 عاما، وأن سنوات عملها فى تلك المهنة الشاقة أضافت إلى عمرها عشرات الأعوام وأضافت إلى جسدها النحيل قائمة من الأمراض التى طرقت أبواب الشيخوخة مبكراً.
قصة حياة سيدة على (28 عاماً) التى تعمل فواعلية فى مصنع للزجاج فى منطقة باب الشعرية، تبدو كقصة درامية محبوكة، استغرق مؤلفها وقتاً طويلاً فى نسج خيوطها من خيال واسع بعيد عن الواقع، فالدراما فى حياة سيدة بدأت منذ زواجها دون العشرين وإنجابها ثلاثة أطفال ثم رحيل زوجها قبل أن يكمل رسالته تجاه أسرته. من هنا تركت «سيدة» صغارها وخرجت إلى العمل، لتستكمل المشوار الذى لم يسر فيه الأب إلا خطوة واحدة: «قبل وفاة زوجى كنت عايشة معززة مكرمة أربى العيال والحمل كله عليه وماكنتش أعرف حاجة فى الدنيا غيره، لكن بعد وفاته كل شىء تبدل واضطريت إنى أواجه كل شىء بنفسى وكان الطريق صعب عليا لأنى خرجت من بيت أهلى لبيت زوجى».
أول مرة خرجت «سيدة» من بيتها لتبحث عن عمل كانت ترتجف من شدة الخوف، كانت تخشى من التعامل مع بشر لا تعلم نواياهم، وقد تحقق ما كانت تخشاه، عملت «سيدة» فى البداية عاملة فى مصنع مكرونة، ورغم أنها كانت مهنة شاقة جداً وراتبها ضئيل لكنها كانت مضطرة إلى الاستمرار فيها، حتى تعرضت لإهانة عندما عاملها زملاؤها الرجال على أنها امرأة من السهل التلاعب بها.. وقتها قررت أن تقطع لقمة عيشها بنفسها، وخرجت للمرة الثانية تبحث عن عمل.
لم تكن المرة الثانية بنفس صعوبة المرة الأولى، إذ خرجت «سيدة» وهى تريد إقناع كل من حولها بأنها «ست بميت راجل»، وقد نجحت فى ذلك بعد أن اختارت مهنة «الفواعلية» لتنفق منها على أولادها: «ناس كتيرة حذرتنى من الشغلانة دى، لكن أنا أصريت عليها عشان أثبت للناس إنى ست جدعة وبميت راجل، ورغم إن المهنة دى عجزتنى قبل الأوان فأنا مبسوطة إن بيتى مستور وولادى مستريحين».
مشكلة «سيدة» أن مهنتها الشاقة حولتها من شابة إلى عجوز، كما أنها تعمل باليومية ولو شعرت بتعب فى يوم ما فهذا يعنى حرمانها وحرمان أولادها من أجرة ذلك اليوم: «سنة كاملة باخرج من 5 صباحاً لـ5 مساءً وسط الرجالة بشيل شكاير تقيلة جداً زيهم ونظرة المجتمع حولتنى من أنثى لراجل، ده غير إن الشغل هد صحتى وظهرت عليا معالم الشيخوخة.. المشكلة إنى بتعامل باليومية يعنى اليوم اللى باتعب وماقدرش أشتغل بيضيع عليا.. وأولادى محتاجنى جنبهم.. أنا نفسى الحكومة توفر لى شغل مناسب زى أى ست بدل من شغل الفواعلية».