بيوت الحدود «بلا أسرار».. تباعدت المسافات والمرض واحدٌ

كتب: أشرف جمال السبت 17-03-2012 18:01

أكثر من ساعة قطعتها السيارة من مدينة طابا جنوب سيناء بمحازاة الشريط الحدودى بين مصر والأراضى المحتلة، إلى أن وصلت منطقة تسمى «تجمع الأوسط» بقرية بغداد التابعة لمدينة الحسنة فى وسط سيناء، حيث تعيش قبيلة «العزازمة»، بلا خدمات ولاحقوق ولا حتى جنسية.

و«العزازمة» وفق ماقرأت عنها، هى إحدى أهم القبائل التى تسكن صحراء النقب، وكانت مساكنهم موزعة مابين الأراضى المصرية والفلسطينية، قبل أن تفصلها الحدود التى يقع جزء منها فى سيناء والآخر فى الأراضى المحتلة، والتى تم ترسيمها بعد الحرب التركية- البريطانية عام 1910، ليتوزع أبناء «العزازمة» إلى قسمين، أحدهما داخل مصر التى كانت تخضع للاحتلال البريطانى، والآخر يتبع تركيا التى كانت تسيطر فى ذلك الوقت على منطقة الشام، بما فيها فلسطين، وظل هذا الوضع حتى حرب 1948، فخضع الجزء الفلسطينى للاحتلال الإسرائيلى، ومنذ هذا الوقت أصبحت قبيلة العزازمة منقسمة الهوية فى الجانب المحتل، ومنعدمة الهوية فى مصر. بمجرد وصولنا إلى مدخل تجمع الأوسط، طلب منى دليلى ورفيق رحلتى السائق «سالم» النزول من السيارة، لاستبدالها بأخرى نقل من النوع «الماردونا»، ذات الدفع الرباعى، كانت فى انتظارنا بناء على اتصالات أجراها «سالم» ونحن فى الطريق.

كان من البديهى أن أسأل دليلى عن أسباب الانتقال لسيارة أخرى، لكنى لم أفعل، بعد أن شاهدت بشائر باقى الطريق المؤدية منطقة «القسيمة» التى تسكنها القبيلة المنشودة، فكان عبارة عن «مدق» شديد الوعورة، ملىء بالمنحدرات والحفر الطبيعية التى صنعها السيول، لكننا سلكناه بحرفية يحسد عليها السائق، الذى رفض السماح لى بتصويره أو ذكر اسمه لـ»مشاكل مع الأمن» حسب قوله، إلى أن وصلنا لمبتغانا، بعد رحلة معاناة تجاوزت نصف الساعة.

«هنا وادى الجايفة حيث تقيم قبيلة العزازمة».. كلمات جاءت مصحوبة بإشارة من «سالم» لأرض سهلة شاسعة المساحة فى صحراء النقب، تضم خياماً متناثرة من الصفيح والقماش والخوص، وتنتهى بسور طبيعى من الجبال شاهقة الارتفاع والوعورة، يعلوها سياج من أسلاك وأكشاك، عرفت أنها نقاط حدودية. بمجرد الاقتراب من موطن العزازمة توقف السائق واصطحب «سالم» إلى منزل كان هو الأكثر فخامة بين «العشش» الموجودة، وظلا يتناقشان على مدخله مع رجل كهل بدت على وجهه علامات الغضب، حتى انتهى الكلام بعودة الرجل إلى بيته، فأيقنت أنه رفض الحديث معى، وهو ما نقله لى «سالم» الذى قال: «الشيخ سالم أبو جنب، هو شيخ القبيلة، ويرفض التعامل مع الإعلام بسبب تجارب سابقة لم تؤت بثمارها، لكننا ضغطنا عليه فدعاك لتأخذ واجب الضيافة». «البدون أم المشاكل التى نعيشها».. يقول الشيخ «سالم أبوجنب» إن مشكلة عدم تجنيس الكثير بين أبناء العزازمة هى المشكلة الأهم التى تعترض حياة أكثر من 5 آلاف عزازمى (هو تعداد سكان القبيلة)، لذا نطالب الحكومة المصرية بسرعة تجنيس العزازمة بالجنسية المصرية، حيث إننا الآن بلا جنسية وممنوعون من السفر خارج مصر بل لا نستطيع الخروج من سيناء، ومَن يسافر منا تتم إعادته مرة أخرى».

وبمرارة شديدة يضيف «أبوجنب»: أغلبنا إن لم نكن كلنا متهمون بالخيانة وعدم الانتماء للوطن الذى عشنا وسنموت فيه، رغم كل المغريات التى نتلقاها من إسرائيل التى تقبع على مقربة منا، لكننا فضلنا نار مصر على جنة الصهاينة».

بعد جلسة لم تتخط نصف الساعة اصطحبنى الشيخ سالم أبوجنب فى جولة بين بيوت العزازمة، حيث العيش العجاف والعودة إلى العصور الوسطى، وأمام إحدى الخيام وقفنا لنلتقى أحد حكماء القبيلة ويدعى سالم العزامى، الذى استقبلنى بحدة أربكتنى بعض الشىء، متمتماً بكلمات تحمل نقداً لاذعاً للدولة والصحف والصحفيين».

وقال موجهاً كلامه لى: «أنت لن تستطيع فعل شىء لا قبل الثورة ولا بعدها، فمنذ شهور قريبة زارنا أحد الصحفيين ورصد أحوالنا ووعد بمساندتنا والوصول إلى المسؤولين لانتشالنا مما نحن فيه، وانتظرنا الفرج لكنه لم يأت بعد»، وفاجأنى بسؤال مفاده ماذا تريدون منا، وهل ستسير على نفس درب سلفك؟

الغريب أنه واصل حديثه دون أن ينتظر منى رد، فقال: «نحن لا نستطيع إثبات أننا نعيش، فجميعنا بلا أوراق رسمية تثبت وجودنا، وتزوجنا بدون قسيمة زواج، وأولادنا يولدون دون أن تحرر لهم شهادات ميلاد، وبالتالى فهم محرومون من الالتحاق بالمدارس ويعانون من الجهل والبطالة والانعزال.

«لا ماء ولا كهرباء ولا مخبز ولا صحة».. بهذه الكلمات لخص عياد سليمان، أحد أبناء العزازمة، واقع الخدمات فى «وادى الجايفة والكونتِلاّ والقٌسيّمة»، وهى المناطق التى تقطنها «العزازمة»، موضحاً أن لديهم وحدة صحية وحيدة فى وادى الجايفة، لكنها بلا أطباء أو ممرضات، ومن ثم فإن الأهالى يلجأون- حسب قوله- إلى أساليب العلاج البدائية، وأهمها العلاج بالكى والعسل والأعشاب.

وقال: «انظر إلى بيوتنا ستجدها من الصفيح والخيش، فنحن لا نستطيع البناء، لأن المحافظة ترفض منحنا تصاريح البناء بحجة أننا بلا جنسية، كما أن أبناءنا بلاشهادات ميلاد، مما تسبب فى عدم التحاقهم بالمدارس».

أمام هذا الوضع شعرت أن مانعانيه من أوضاع سياسية واقتصادية فى باقى أنحاء الوطن، هو منتهى الترف وقمة الرفاهية، لأننا على الأقل مواطنون كاملو الأهلية،، بينما هناك آخرون لا يستطيعون الجهر بمصريتهم.