«الأحفاد».. دعوة سينمائية للتسامح والتمسك بالأرض

كتب: رامي عبد الرازق الأحد 11-03-2012 17:03

الترجمة الحرفية لعنوان الفيلم هى السلالة وليس الأحفاد وهى الترجمة الأقرب لروح الفيلم الذى يبدو فى ظاهره مجرد قصة طريفة ذات ملامح ميلودرامية باهتة، لكنه فى الحقيقة فيلم عن التحول الإنسانى الكامل الذى يأتى من أزمة حياتية غير متوقعة تجعل الإنسان يكتشف ذاته ومن حوله وبناء عليه يعيد التفكير فى جميع القرارات التى اتخذها أو على وشك أن يتخذها.

فما الذى يربط ما بين قرار رجل ببيع قطعة أرض متوارثة فى عائلته منذ مئات السنين وأزمته الغريبة التى يكتشف من خلالها أن زوجته المحتضرة كان لها عشيق؟، المسافة الدرامية الفاصلة ما بين البحث عن العشيق لاكتشاف حقيقة العلاقة مع الزوجة المحتضرة وبين قرار البطل جورج كلونى بعدم البيع فى النهاية هى التى تصنع مثل هذه السيناريو الرائع عن رواية «كاوى هارت هيمنجز».

إن «جورج كلونى» هو رب أسرة يعيش منفصلا عن واقع زوجته وطفلتيه وكلتيهما فى سن خطرة الأولى مراهقة متمردة والثانية طفلة فى طور التكوين النفسى، هذا الرجل يكتشف من خلال صدامه الأبوى مع ابنته المراهقة التى ترفض زيارة أمها أن الأم كانت تخونه مع شخص آخر، فتتلبسه روح انتقامية غريبة فهو يريد أن يعرف من هو الرجل الذى كان عشيقا لزوجته وفى نفس الوقت يعيد اكتشاف ابنتيه وجيلهما بكامله بينما ليس لديه سوى أيام قليلة لاتخاذ قرار بيع أرض أسرته التى تقدر بملايين الدولارات.

كان من الممكن أن ينزلق السيناريو بسهولة إلى فخ الميلودراما العائلية الفقيرة حيث ينجذب الأب لمشاعر ذكورية انتقامية سواء من الزوجة المحتضرة أو العشيق المجهول، ولكنه يأخذنا إلى حالة من الانفعالات الإنسانية المتضاربة فنحن نتعاطف مع الزوج المخدوع فى البداية خاصة أنه النجم الوسيم «جورج كلونى» الذى لا نتصور أن امرأة يمكن أن تخونه، وهو بالطبع اختيار موفق من المخرج خاصة أن «كلونى» يتقمص شخصية الزوج الطيب الذى يكتشف خيانة زوجته، فلا يدرى بنفسه وهو يجرى إلى منزل صديقتهما المشتركة لكى يتأكد من ذلك فى أحد أروع مشاهد «كلونى» بالفيلم.

وعندما نكتشف شخصية العشيق يتبين لنا أنه هو الآخر شخص طيب أحب الزوجة المحتضرة وكان ينوى أن يتزوجها ويطلق زوجته ولكنه اكتشف أنه يحب زوجته وطفلتيه، وهنا يضعنا السيناريو فى مأزق شعورى، ويلعب المخرج «الكسندر بين» مع كاتب السيناريو لعبة شديدة القوة دراميا عندما يجعل «كلونى» يتعرف على زوجة العشيق أولا فى مشهد واحد على الشاطئ يبرزها كأنها آلهة إغريقية تداعب أطفالها فى البحر، وذلك قبل أن نتعرف على العشيق.

تدريجيا يكتشف «كلونى» أن اهتمامه الكامل بعمله وسيطرة فكرة بيع الأرض عليه هى التى جعلته يهجر زوجته وينفصل عن ابنتيه، وهى فكرة نمطية ولكن السيناريو يأخذها إلى مستوى أبعد عندما يقرر «كلونى» أن يصطحب العشيق ليلقى نظرة أخيرة على الزوجة قاهرا ذاته ومجبرا ذكورته على التنحى لصالح لحظة إنسانية غريبة حيث تنساب دموعه فى إحدى أرق لحظات الفيلم.

عقب هذه الرحلة الإنسانية الغريبة والطريفة يقرر «كلونى» فى النهاية أن يمتنع عن بيع الأرض، فالزوجة ماتت ولكن الأرض باقية لا تموت، ومن السهل أن تزرع وأن يبنى فيها بيت يضمه هو وابنتيه على ذكرى الأم الراحلة بعد أن تخلصوا جميعا من مشاعر الكراهية والاحتقار والذنب، فالسلالة البشرية لم تستمر أبدا عبر انتقام البشر من أنفسهم والآخرين ولكنها استمرت حينما قرر البشر الاحتفاظ بالأرض والغفران.